السبت، 18 مايو 2019

ممدوح رزق يقيم ورشة قصصية بنادي أدب المنصورة

في التاسعة مساء الأحد القادم يقدم الكاتب والناقد ممدوح رزق ورشة قصصية بنادي أدب المنصورة .. الجدير بالذكر أنه صدرت مؤخرًا المجموعة القصصية "غيوم وراء النافذة"، والتي تضم مشاريع تخرّج ورشة القصة القصيرة التي عُقدت بمؤسسة موتيڨيشن في الفترة من 6 يناير وحتى 6 مارس 2019، وهي الدفعة الثانية من ورشة ممدوح رزق.
صحيفة "المثقف" العراقية ـ 18 مايو 2019

السبت، 4 مايو 2019

المختارات القصصية لخوسيه ميرينو: الذاكرة كشبح انتقامى

تجسّد القصص القصيرة للكاتب الإسباني خوسيه ماريا ميرينو، والتي صدرت مختارات لها بترجمة عبير محمد عبد الحافظ، عن مشروع "كلمة" ـ أبو ظبي؛ تجسّد اللحظة غير المتوقعة التي تكشف خلالها الذاكرة عن الدافع التدميرى للحياة بوصفها حاضنًا للموت .. خيال الماضي الذي يمارس ما يشبه الانتقام أو المحو للعالم الذي تراكم الفناء داخله.
"بينما كانت منهمكة في إشعال نيران المدفأة، بعد أن حملت إناء الحطب إلى الصالة سمعها تتأفف. جلس في مقعده الوثير مجددًا، وأخذ يتأمل الجهد الذي تقوم به السيدة العجوز ببرود ونظرة علمية فاحصة، واكتشف حركاتها التي تزداد صعوبة يومًا بعد يوم، فتبدو وكأنها تزحف، شيء خاص بها. ألسنة اللهب التي امتدت بين الحطب حولت التعاسة التي يشعر بها إلى إحساس إيجابي مستوحى من ذكريات الشتاء في طفولته، أوقات الإجازات في الفترات التي كان يتساقط فيها الثلج، ثمار البندق والجوز التي تشوى على نار المدفأة".
 في قصة "الميلاد في الغرفة العلوية" تحدث هذه اللحظة بتأثير من حضور مفاجئ للشتاء أو "الدعابة الساخرة التي ألقى بها بعد انقضاء الربيع والصيف" .. تنتج هذه المباغتة الشتائية استدعاءً للذكريات، الأمر الذي يذكرنا بالرغبة التي يفجرها الشتاء في تدوين الذكريات كما كتب عنها خوان مياس في رواية "العالم" .. لكن هذا الاسترجاع للماضي الطفولي سيكون في جوهره تأملًا للموت .. الموت المفاجئ للأب والذي وضع نهاية للهواية القديمة التي كان يمتلكها شاب ماهر في صنع نماذج السفن الحربية القديمة .. الشاب الذي سيبدأ الآن ـ بنفس الأدوات التي كان يستعملها في تشييد تلك النماذج وكاستجابة عفوية لما تمثله الذاكرة في تلك اللحظة ـ سيبدأ في صنع مجسّم للقرية كزينة للميلاد.
"مشهد المكان غير المأهول دفعه إلى التفكير في ضرورة أن يسكنه أناس، وبدأ بهمة وحماس في خلقهم: المحافظ، وهو في نفس الوقت مالك أحد المتاجر، حارس الحدود، والمعلمة، وساعي البريد على دراجته البخارية، والقس، والنساء والرجال، حيوانات وطيور جارحة. بدأ الجيران يخرجون من بين أصابعه بسرعة غريبة. الدجاج والحكام والنعاج وجريجوريا. وهو نفسه مرتديًا كوفية الشتاء".
يمكننا هنا أن نعقد مقارنة بين النموذجين: سفينة حربية قديمة، وقرية صغيرة بكل ما تتضمنه من بيوت وشوارع وبشر .. بين مغامرة الخيال التي أنهاها الموت المباغت للأب، ورتابة الواقع التي احتلها الموت منذ تلك اللحظة البعيدة .. هنا يتم تدوين الذكريات بتحريض المفاجأة الشتائية ليس فقط بشكل ملموس، وإنما كماضٍ آخر أيضًا .. كأن الخيال القديم الذي قتله احتضار الأب سيعود كشبح، وفي التوقيت ذاته "لحظة الشتاء حيث تُصنع المجسمات الاحتفالية بأعياد الميلاد" ليحاول أن يثأر من الموت الكامن في الحياة .. كأن الشتاء قد تواطأ حين مر في غير موعده، متسللا من الزمن نفسه كي يدفع صانع نموذج القرية إلى الانتقام.
"راقب بذعر شديد الحياة التي أخذت تدب في قلب النموذج، عند الجبل، وفي البيوت، ومياه النهر، وأشجار الحور، بدا كل شيء ينبض بحياة غير قابلة للشك. وتحول خوفه إلى هلع. تقهقر إلى الخلف حتى وصل إلى باب الحجرة، وضغط على زر الكهرباء، دون أن يجرؤ على النظر في الظلام الحالك، وأحكم إغلاق الحجرة بالمفتاح".
لماذا شعر بالهلع حينما بدأ جميع الأشخاص والكائنات في التحرّك داخل المجسّم؟ .. لماذا أرجع الأمر إلى الهلوسة حين اكتسبت حياة النموذج الإيقاع اليومي المعتاد للقرية؟ .. هل لم يكن مدركًا لما تسعى الذاكرة للقيام به، أم أنها حيلة دفاعية "إلهية" ضد التدمير اللاحق؟.
سيتعاقب قتل البشر والحيوانات داخل القرية كإبادة جماعية، ومن البديهي حين نعرف أن الطريقة الفظيعة التي ذُبح بها الضحايا بعيدة عن أي تفسير؛ أن نفكر في السكاكين التي استخدمها صانع نموذج القرية في خلقها .. هكذا تكون إعادة الميلاد بواسطة محو الحياة .. الميلاد الحقيقي الذي يثبّت الفناء كأصل للعالم .. يكون خالق المجسّم هو الموت كحقيقة تعرف ما تنوي ارتكابه، فلا يصبح موت الأب مباغتًا، وبالتالي يمكن التقدّم على موت الآخرين المحتوم بخطوة .. هذه الخطوة هي المجاز الضروري للثأر فلا يكون مجرد تدمير للحياة، وإنما تشريح للفناء .. هي الجوهر الافتراضي للانتقام من الموت، حيث يمكنك أن تحفر داخل جثث أهل القرية، وهم ما زالوا عالقين في حركتهم المعتادة .. لكنها ليست هلوسة بقدر ما هي النسخة العارية من الواقع، أو نموذجه البدائي المحطّم من الأساس.
"في فجر اليوم الخامس الذي وافق الجمعة، وكان يومًا معتمًا مثل المقلاة السوداء، قرعت الأجراس مجددًا وسط الأجواء الضبابية. وحطمت قوة مباغتة نافذة أحد المنازل، وسقط الزوجان العجوزان على الأرض غارقين في دمائهما بين حطام خشب النافذة وقطع الخزف، ولطخت الدماء كل شيء، ووسمت الواقع بطابع دموي لا ينمحي. نظر إلى الإطار الذي اُنتزع عن الحائط بقوة فائقة، والطريقة التي تحطمت بها الطاولة العتيقة المصنوعة من خشب الصنوبر، وكأن قوة هائلة انبعثت منها، وهو ما جعله يستدعي صورة النماذج الصغيرة التي اعتاد أن يصنعها، وكانت تنهار وتتناثر إلى قطع صغيرة حين يدفعها دفعة خفيفة".
لم تعد هناك سوى قرية واحدة .. قرية المجسّم وقد أصبحت العالم الذي لا يوجد شيء خارجه .. ليس هذا تداخلًا بين الواقع والخيال، وإنما الوجود الذي يتجاوزهما، والأكثر هيمنة من الحياة التي تتضمن امتزاجهما .. الوجود الذي يتوارى داخل صانع النموذج حيث تختلط الجثث بالأشياء المحطمة والمتناثرة .. لكنه حينما يغطي المجسّم بالخرق البالية ثم يغلق باب الحجرة العلوية بالمفتاح قبل أن يلقيه في البئر القديمة فإنه سيبدو كأنما يحاول إغماض عينيه عن نهايته المنطقية ـ كواحد من أهل القرية ـ لن ينجو من الانتقام الذي قرره بنفسه .. كأنه ـ على النقيض ـ يحاول الانفصال ـ بشكل إلهي أيضًا ـ عن العالم الذي خلقه "نموذج القرية"، وبالتالي ينتزع نفسه خارج مصيرها بعدما أيقن أن الثأر الذي أراده قد تحقق بالفعل.
"الوقت يمر، والحرب لم تنته. لم تكن تعرف على وجه التحديد الأسباب التي اندلعت من أجلها الحرب، يحدثهم الواعظ في الكنيسة من المنبر عن العدو، وكيف أنه مثل الشيطان، يجب أن نخشاه لأنه ينشر العدوى مثل الوباء. في نهاية الأمر كفت الحرب والعدو عن تقديم أخبار حقيقية، وبدا الأمر، وكأن المجهود الحربي أصبح هدفه الدفاع عن الوطن والتصدي لمجموعة من الوحوش، أتوا لغزو الوطن من بلاد بعيدة ومشؤومة مهما كلف الأمر. بلغ الأمر مداه، حتى أنه في أحد الأيام وصلت إلى البلدة عربة حربية فيها مجموعة من معتقلي الحرب، وخرج جميع الجيران لرؤيتهم، فإذا بواحدة من السيدات تعرب عن دهشتها والمفاجأة المحبطة التي شعرت بها حين رأت أن الأعداء لا يبدون بالشكل الشيطاني نفسه الذي تحدث عنه القس".
سيؤدي غناء الزوجة في قصة "الهارب من الجندية" دورًا مشابهًا لمجسّم القرية .. يعود زوجها المحارب الهارب من الخدمة العسكرية بعد أن جرحته شظية إحدى القنابل اليدوية، وأصبح عليه الآن أن يختبئ من جنود الحرس الوطني الذين لو نجحوا في القبض عليه سيكون مصيره الموت .. ذات صباح لن تجد الزوجة إلى جوارها المحارب الهارب، بل ستعثر عليه ميتًا أعلى الهضبة بين الصخور وقد فُتح جرحه مجددًا خلال محاولته الطويلة للهرب من الجنود .. يكتب ميرينو أن الزوجة بعد عودة زوجها وقبل موته كانت تغني في بعض الأحيان، وهي بين أهل القرية دون قصد منها، وكان أهل القرية في صمتهم يستقبلون تصرفها بدهشة .. الغناء تحت وطأة الخوف والتكهنات المشؤومة .. تغني الزوجة بالعفوية ذاتها التي شيّد صانع نماذج السفن الحربية مجسّم القرية بها .. الغناء الذي يسترجع ذاكرة الموت .. التاريخ الشخصي للزوجة وعلاقتها بزوجها وبأهل القرية .. الغناء الذي يحاول تعطيل مفاجأته المتوقعة .. تغني الزوجة كأنها تريد أن تتقدّم على النهاية المنتظرة .. كأن ذلك هو طريقتها الخاصة في الانتقام من الحرب.
"قدم الدكتور بعد ذلك فرضية جديدة أدهشت سيلينا باييخو، وهي أن الكلمات إحدى الأدوات الأساسية لتواصل الجنس البشري، حافظت على بقائها بفضل المجهود العنيف الذي تبذله الذاكرة، ويقوم به كل إنسان بشكل مستمر منذ معرفته الأولى بمبادئ اللغة الأساسية، وإذا حدث وتعثرت هذه الإرادة السرية، بفعل النسيان، فإن هذه القلعة اللغوية الضخمة سوف تنهار. دون أدنى شك ـ بحسب ما قاله ـ فإن هذا ما حدث له؛ لقد كف عن بذل أي مجهود في داخله، لكي يتذكر ويصوغ أصوات الجمل، التي تنبع أصواتها من محيط الطبيعة مثل خرير المياه، وصوت الرعد، وحتى ضجيج المحركات. كتب الدكتور سوتو عبارات أخرى: في الكلمات المكتوبة توجد إشارة للأشياء .. الأشياء التي توجد بالفعل هي فقط التي لها أسماء .. الكلمات هي العالم".
لكننا حينما نتحدث عن محو الحياة فكأننا نشير إلى اللغة التي يكمن الموت داخلها .. في قصة "كلمات العالم" يختفي الدكتور سوتو بعد أن أصبحت العبارات بالنسبة له مجرد أصوات غير مفهومة .. اللغة هي ادعاء الوجود، حيث يمارس الموت عمله، وبالضرورة فإن فقدانها يبدو كوظيفة للخيال الذي سبق أن جرّد أهل القرية من الحياة، أي حينما نزع عنهم تلك الأجساد التي تكوّنها الكلمات حتى يتمثل الفناء ناصعًا .. اللغة إذن كأنها القاتل الذي يزيّف أدلة إدانته، الأمر الذي يعيدنا إلى حديث الواعظ في الكنيسة عن الحرب في قصة "الهارب من الجندية" وعلاقته بغناء الزوجة قبل موت المحارب .. هنا يصبح الحيز الفارغ من الطبيعة الذي اختفى الدكتور سوتو داخله كأنه الأصل الغامض لما قبل الكلمات أي ما قبل الزمن .. كأنه العدم الذي يسبق الموت.
من الجدير بالانتباه بالنسبة لي أن قصة "كلمات الموتى" للكاتب الفرنسي فيليب كلوديل تمثل اندماجًا بصورة ما بين قصتي "الميلاد في الغرفة العلوية" و"كلمات العالم" لخوسيه ماريا ميرينو:
"ربما ليس لأن حقيقة أو معرفة مخلّصة ستتسرب خلسة أو تنكشف على نحو مفاجئ من مناقشة تقليدية أو جدل مكرر؛ بل ربما لأن العماء التام لا يمكنه العيش والخلود إلا بواسطة الكلمات، وهو ما يعني الفناء اللحظي السهل والبديهي للعميان بطبيعة الحال .. وحدها الغفلة تلك التي تبدو حاكمة للغة البشر في المواقف المختلفة، وحامية لقرار التعتيم الأزلي على أي إمكانية أو فرصة للفهم أو للتبرير .. الغفلة التي لا يمكن السيطرة على خفائها الممتد لكل حيز ومقصد واحتمال للحروف المتداولة في الحياة والموت .. ذلك الشيء أو تلك المسارات والسياقات المتبلدة والمتشابكة التي لا يسكنها سوى موتى".
في قصة كلوديل التي تدور في القرون الوسطى يموت الناس أثناء الثرثرة العادية، فاتحين أفواههم دون فزع .. كأن هؤلاء الموتى هم أهل القرية التي شيّد نموذجها صانع مجسّمات السفن الحربية القديمة، وكأنهم جميعًا الدكتور سوتو الذي اختفى حين لم تعد هناك كلمات .. القتل الجماعي الناجم عن تحوّل اللغة في لحظة مفاجئة من قناع للحياة إلى وجه للموت .. من التظاهر بالوجود إلى بلوغ ذروة الفناء الكامن منذ الكلمة الأولى.
جريدة "أخبار الأدب" ـ 5 مايو 2019

الاثنين، 15 أبريل 2019

الوصية المضحكة لمستر بين

آخر كل مساء يجلس مع زوجته وطفلته كي يحكي لهما عن المعجزات الواقعية لأصدقائه الذين يتنقل بينهم يومًا بعد آخر .. كان يعرف أنه مع تراكم الليالي ستحلم زوجته برجال آخرين، مثلما ستحلم طفلته بآباء يشبهونهم .. حتى الآن، لا يزال يخرج من بيته كل مساء، فقط كي يجلس وحيدًا أمام النهر لوقت يطول أو يقصر وفقًا لقوة البكاء التي يعتقد أن بإمكان قلبه تحمّلها، ثم يعود إليهما ليواصل الحكي .. في نهاية الليلة يعطي بلا قصد الصوت الأكثر مهادنة لطغيان الصمت داخل حواسه؛ فلا يحلم سوى بـ "مستر بين" وهو يقرأ وصيته المضحكة لصديقه "تيدي".
أنطولوجيا السرد العربي ـ 14 إبريل 2019

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

صدور كتاب: نقد استجابة القارئ العربي للناقد ممدوح رزق

عن دار ميتا للنشر والتوزيع صدر كتاب "نقد استجابة القارئ العربي" ـ مقدمة في جينالوجيا التأويل ـ للناقد ممدوح رزق .. يُمثل الكتاب مدخلًا لدراسة الأسس المعرفية للكتابة الأدبية العربية، وكذلك تحليل التكوينات الثقافية للظواهر النقدية، وتشريح الجذور التاريخية للسياقات والأبنية اللغوية الخاصة بمراجعات الكتب وتدوينات القراءة؛ ويضم جميع المقالات التي نشرها الناقد في باب إسبوعي على موقع "الكتابة" الثقافي تحت العنوان نفسه.
من سطور الكتاب:
"لا يتوقف الكبت كعقيدة منفردة عند تخوم مقفلة لحيز ذاتي، وإنما يصبح هذا الصد لتخطي المضامين مبدأً مقطوعًا به ـ ضمن مبادئ أخرى ـ ويصبح منع الانتقال المستمر، واختراق التجارب قانونًا لا شك فيه ـ بمشاركة قوانين مختلفة ـ حينما تمتد الهيمنة (القيمية) للذائقة الأدبية من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام .. إنه إسباغ القداسة المضيئة بالأحمر على (المرض) الذي كان يعني عند (نيتشه) التوقف عن الحركة".
يُذكر أن ممدوح رزق قد انتهى مؤخرًا من متوالية قصصية بعنوان "أحلام اللعنة العائلية"، ويُنتظر صدورها قريبًا.
صحيفة "المثقف" العراقية ـ 9 إبريل 2019

السبت، 6 أبريل 2019

حياة الكتابة: كتابة الموت

قبل أن تنقذ قصص إدواردو غاليانو عن كرة القدم حياة فيكتور كوينتانا العضو السابق في الكونغرس المكسيكي حين رواها للقتلة المأجورين الذين اختطفوه عام 1997؛ فإن كتابتها قد أنقذت غاليانو نفسه .. كان إنجازها خطوة متقدمة على الموت بتعبير راي برابيري حيث القتلة المأجورين لا يتواجدون في الخارج وحسب بل في الداخل قبل أي شيء .. كل إنقاذ لاحق من الموت عبر قراءة القصص يمعن في تأكيد تلك الخطوة الأصلية التي تقدمت على الموت، وأنقذت كاتبها في المقام الأول.
"عندما نشرت "مرايا" لأول مرة بالإسبانية العام الماضي، افترض "خورخي" أن الكتاب لا يمكن توفره بسهولة في "بنما"، لأنه سيكون متداولًا حول العالم من قارئ إلى آخر. ورغم أن مدخراته لم تكن كبيرة، فقد قام برحلة واهمة، استغلها كلها لشراء نسخ "مرايا"، ووضعها بشكل فج في المقاهي والمتاجر والأكشاك وصالونات الحلاقة، وفي كل مكان. لقد استدرج بها جميع الأشخاص".  
ثمة شيء ثابت يمر عبر مقالات "حياة الكتابة" الصادر عن دار مسكيلياني، بإعداد وترجمة عبد الله زماي، ويطرح من خلال صور مختلفة تلك المواجهة مع الموت بالكتابة، أو ما نفترض أنها محاولة لذلك عبر سرد الحكايات .. أن تسبق الموت حين تنتهي من قصة ما .. أي موت نتحدث عنه، وما هي الكيفية التي يتم بواسطتها هذا الإنقاذ أو التقدّم على الموت بخطوة، وكيف لا تتوقف حكاية ما منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها بذلك عن إنقاذ الآخرين، لتثبت مع كل قراءة لها أنها فعلت الأمر نفسه مع كاتبها في الماضي؟
"في مارس من عام 2007، في "يوكاتان"، كان "كتاب المعانقات" محظورًا في سجن "ميريدا" لاحتوائه على بعض الأفكار الشيطانية. قبل ذلك، في "سان خوسيه" في كوستاريكا، قابلت فتاة بصدد قراءته في محطة الحافلات. "دائمًا ما أحمله معي عندما أسافر" قالت لي، "إنه صديقي المحمول".
ربما يتعلق الأمر بكتابة الموت .. أن يكون الكاتب هو الموت ذاته الذي يحاول أن يسرد حكاياته مستخدمًا الجسد الذي قرر اكتشافه بواسطة الكتابة .. أن يكون كل قارئ هو هذا الموت بينما يعيد كتابة قصته .. ذلك ما يخلق المجاز الكوني للكتابة، أو ما يُعرّف طبيعة الإنقاذ المجازي الذي تؤديه الحكايات: الموت لا يستطيع أن يقتل نفسه.
"حينما رويت هذه القصة في الجامعة بالمكسيك، وقع أمر لم يحدث من قبل في غيرها من الأمسيات الكثيرة التي أقمت. صفق أربعة آلاف طالب بأقدامهم وضربوا بصدورهم، كما لو أنهم يجلسون في ذلك المسرح في "مدريد" قبل سنوات عديدة. فيديريكو، استمع".
كان إدواردو غاليانو هو السجينة ماتيلد لاندا التي ألقت بنفسها من فوق السطح لتنفجر كقنبلة قبل مراسم تعميدها، والتي كان يُفترض أن تعلن خلالها توبتها عن معتقداتها الشيطانية .. ثمة بحر أيضًا لم يره غاليانو، قد لا يكون البحر ذاته الذي طلب منه عمال المناجم أن يحدّثهم عنه، ولم يروه مطلقًا، ولكنه يتشابه معه في كونه وجهًا مجهولًا للموت .. الوجه الذي سيبدو الكفاح لتخيّل ملامحه كأنما الموت يحاول التطلع لظلامه في المرآة.
"دخلت هذا العالم بنوع من الشجاعة الفريدة، شجاعة لا يتحلّى بها سوى عديمي الخبرة أو الجهلاء أو كليهما، لم أكن أشعر بالخوف، فغصت برأسي في هذه الحديقة البحرية مفتونة بعجائبها".
يمكن التفكير في أن كتابة الموت تقوم على الاقتحام المتواصل للفجوة المخيفة بين عيني الكاتب والأشياء والأشخاص الذين يراهم بحسب إليف شافاك .. الفجوة التي لا تسعى الحكايات لاحتلالها بل لخلق جذورها المحتجبة .. أن تتم في كل مرة محاولة تعيين قصة ما لتكون الجوهر الاستقرائي المحتمل لتلك الفجوة، بحيث يمكن للآخرين استعمالها كأساس مفترض لإعادة صياغة الفجوات المخيفة بين عيونهم وكائنات العالم.
"حين شرعت في التجول في شوارع إسطنبول، تحضيرًا للرواية والمتحف، داهمت أسواق السلع المستعملة ومتاجر الكتب القديمة ومنازل الأهل والأصدقاء بحثًا عن علب الدواء القديمة ومنافض السجائر، وصور المساجد المؤطرة وبطاقات الهوية وصور جوازات السفر، وقد أدركت أن جمع القطع الفنية للمتحف لا يختلف كثيرًا عن جمع القصص والحقائق لتأليف رواية".
بينما كنت أقرأ ما كتبه أورهان باموق عن "متحف البراءة" الذي يضم أشياء الرواية أو ذكريات الحب في إسطنبول في السبعينيات والثمانينيات وجدت نفسي أفكر في البحر الذي طلب عمال المناجم من إدواردو غاليانو أن يحدثهم عنه .. هذه الأشياء والذكريات بجانب كل ما يمكنها أن تمنحه من أفكار وعواطف واستفهامات فهي ـ مثل ذلك البحر ـ تجسّد فراغًا مهيمنًا، أو كأنها تبدد نفسها حين تصوّر ما ينبغي عليها أن تمثله .. هي موجودات لا يمكن رؤيتها ولا الإحساس بها بأكثر مما يتجاوز الفقدان الغامض .. فقدان يتخطى الحياة نفسها .. لنقل أنها تفرض نوعًا من العماء الحتمي لا بوصفها نتاج الماضي بل نتاج الموت .. باعتبارها وجوهًا مجهولة للموت .. هذا ما يضمن عدم ثباتها .. تظل الأشياء والذكريات في حالة تغيّر دائم مهما بدت وضعيتها جامدة داخل متحف ما ..  كل كتابة وكل إعادة كتابة تمارس هذا التحوّل في بنيتها .. تصبح موجودات أخرى .. أو كأنها تستعمل الحكايات البشرية المتعاقبة كي تستمر في إنتاج نفسها .. كأن للأشياء والذكريات حكمة مخبوءة أو خرافات سرية لا تتوقف القصص عن مطاردتها عبر الزمن.
"لكنني اكتسبت رذيلة سرد القصص في سن مبكرة نوعًا ما. تقول أمي إنني حالما امتلكت القدرة على الحديث أصبح لدي ميل لتعذيب إخوتي المساكين بسرد قصص تميل إلى الكآبة، قصص تملأ نهاراتهم بالرعب وأحلامهم بالكوابيس. بعد ذلك تحتم على أولادي المرور بالمعاناة نفسها. كنت أحكي القصص منذ أبعد تاريخ أتذكره، لكنني لم أصبح كاتبة حتى بلغت الأربعين تقريبًا. قبلها لم أكن أمتلك الثقة الكافية، وانشغلت برعاية أسرتي وبالعمل لكسب قوتي".
هل تثبت حكاية العجوز الذي سرق اللصوص صندوق رسائل الحب التي استقبلها في مختلف مراحل حياته الطويلة ثم قرروا إعادتها إليه واحدة تلو الأخرى، بوتيرة رسالة في الأسبوع، وظل العجوز ينتظرها بشوق وفرح رغم أنه يعرف كل شيء فيها؛ هل تثبت هذه الحكاية التي أشارت إليها إيزابيل الليندي ما ذكرته عن متحف أورهان باموق؟ .. لو تصورنا أن صندوق الرسائل هو ذلك المتحف، وأن الخطابات هي الأشياء والذكريات التي يحتويها فإن اللهفة السعيدة للعجوز الذي ينتظر عودة هذه الخطابات كأنها تُرسل إليه للمرة الأولى تعني أن الرسائل لم تعد هي تلك التي احتفظ بها طوال حياته .. أصبحت هي البحر الذي لم يره من قبل .. وجوه مجهولة للموت الذي سيحاول العجوز أن ينقذ نفسه منه كلما حاول تخيّل ملامحها.
"بعد وفاة باولا، كانت الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أبقى عليّ سليمة العقل. فالأسى رحلة جحيمية طويلة، كالمشي وحيدًا في نفق مظلم، ووسيلتي للمشي عبر ذلك النفق هي أن أكتب! كل صباح كنت أسحب نفسي من السرير وأتجه إلى المكتب، أضيء الشمعة أمام صورة باولا، أفتح جهاز الكمبيوتر، وأغرق في البكاء".
هو نفس ما قامت به إيزابيل الليندي حين استمرت في كتابة رسالة لجدها المحتضر الذي لم تتمكن من العودة إلى تشيلي لتوديعه .. رغم أنه لن يعيش حتى يقرأها .. رغم أنه مات بالفعل وهى تواصل كتابتها .. كانت تحاول إنقاذ نفسها في الجانب الآخر من الموت .. الموت الذي يجب أن تكونه بواسطة الكتابة .. كانت رسالة وداعها إلى جدها التي تحولت إلى رواية "بيت الأرواح" هي وسيلة إيزابيل اللندي كي لا تُنسى .. أن يتم تذكر محاولتها لأن تسبق موتها الخاص بخطوة عندما يسعى قارئها للتقدّم على موته الشخصي عبر روايتها.
يتحدث روبرتو بولانيو عن هذا الأمر في إطار الشجاعة التي يمتلكها الكتّاب، وبالنسبة لي أحب أن أضعها كمرادف للحظة التي أعلن فيها توم وايتس في أغنيته "ذراعا روبي" أن قلبه قد كُسر .. الأغنية التي سمعها كازو إيشيغورو وتتحدث عن جندي ترك حبيبته نائمة في الساعات الأولى من النهار ليهرب بعيدًا على متن قطار، وكان لها أثرًا لدى إيشيغورو في إبقاء ستيفنز بطل روايته "بقايا اليوم" متكتّما على عواطفه حتى النهاية .. هي شجاعة اقتحام الفجوة المخيفة التي حدثتنا عنها إيف شافاك، والتي شيّدت هذا التوحد بين توم وايتس وكازو إيشيغورو وستيفنز بطل "بقايا اليوم" وجعلتهم يمتلكون العيون نفسها التي تتناثر في دوامات الظلام.
جريدة "أخبار الأدب" ـ 7 إبريل 2019

الخميس، 28 مارس 2019

كشيء في السماء

بعد أن يموت الجميع، ولا يتبقى من الذين كانوا يحاولون التظاهر بالحياة في هذا البيت سواك؛ ربما حينئذ يجدر بك الشعور بالذنب .. ربما عليك أن تفكر في أن كل ما فعلته طوال الماضي بعيدًا عنهم لم يكن سوى خيانة لعمائهم .. الشوارع التي مشيت فيها وحدك .. الأصدقاء الذين رافقتهم .. المدن التي سافرت إليها بدونهم .. الأماكن التي جلست فيها مع الغرباء .. المكالمات التليفونية والخطابات والرسائل والمحادثات الإلكترونية مع بشر لم يعرفوهم أبدًا .. زوجتك وطفلتك .. كل ما كتبته .. كل شيء قمت به، ولم يتعلق بهم كان انتهاكًا عظيمًا لغفلتهم .. ربما عليك أن تندم لأنهم لم يكونوا معك دائمًا في كل خطواتك .. نعم .. كان يجب أن تظل بجانبهم طوال الوقت في هذا البيت، وألا تفعل شيئًا سوى مساعدتهم في العثور على الحياة .. حتى لو كان كل ما ستقوم به ليس إلا منح فنائهم مزيدًا من العتمة .. حتى لو لم يكن بوسعك سوى الصمت أو الضحك أو البكاء كمتفرّج مدرّب جيدًا على ترويض السأم من العروض المتكررة .. حتى لو ظلوا يحاولون بلا هوادة قتل الغيب الكامن داخلك .. كان من الممكن ألا تشعر في وحدتك الآن بكل هذه الحسرة المقبضة لو فطنت مبكرًا إلى حقيقتك كشيء خارق، يصدّق أشباحه.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 27 مارس 2019
اللوحة لـ فان جوخ.

الجمعة، 22 مارس 2019

امرأة محبوبة

كانت تستطيع أن تتعرّف على نفسها ككائن لم يعد محتملًا .. في كل مرة تفتح فمها تقول شيئًا بشعًا دون استيعابه .. أصبحت المحبة تتقلص تجاهها من الجميع: الغرباء .. الأشخاص الذين تحبهم .. البشر الذين تعرفهم بمستويات محدودة، وكانت تأمل أن يكونوا ذات يوم من أصدقائها .. حتى لو لم تقل أي شيء .. حتى لو كان ما تفعله يبدو عاديًا .. مجرد الانطباع الذي يظهر على وجهها، أو النبرة الناعمة التي تتعمّدها في ردود أفعالها؛ كل ذلك كان غير مرغوب فيه دائمًا، باستثناء الحالات القليلة التي نجحت خلالها في إقناع الآخرين بأنها ما زالت إنسانًا يستحق المحبة، ولمدة لا تتجاوز الثواني الأربع .. أكثر من ذلك كان مستحيلًا.
لماذا لا تستطيع أن تكون محبوبة؟ .. أين المشكلة؟ .. هل لم تعد تستمتع بالعالم؟ .. هل ابتعد العالم عنها؟ .. هل أصبح العالم أسوأ؟ .. ربما، وربما لا .. ربما أصبح العالم أسوأ بطرق عديدة، ولكن ليس بالكيفية التي تحوّلها لامرأة غير محبوبة .. هل لم تعد تحب نفسها؟ .. حسنًا .. لم تعد تفعل بالطبع .. لكن هذا أيضًا ليس بالشيء الجديد.
ربما أصبحت ببساطة أقل جدارة بالحب نتيجة التقدم في السن .. لم تتغير عاداتها، ولكنها الآن في الواحدة والأربعين، وليس العشرين .. أصبحت غير محتملة لأن ما تفعله أي امرأة في الواحدة والأربعين لن يكون مرغوبًا مثلما تفعله امرأة في العشرين .. هل تشعر بهذا حقًا؟ .. هل تدرك في أعماقها أنها غير محتملة بالفعل، وأنه ينبغي بدلًا من مقاومة الأمر، أن تنحني أمامه كما لو أنها تتعرّض لريح باردة؟ .. ربما اعتادت أن تقاوم، لكنها الآن تشعر بعدم الجدوى .. لهذا عندما تفتح فمها كل صباح ستكون امرأة غير محبوبة على نحو متفاخر .. قبل النوم كل مساء لن يكون مرغوبًا فيها، وستواصل الحياة يوميًا بهذه الطريقة .. ستستمر في إعطاء الأشياء القبيحة للآخرين، والحصول على المزيد من عدم المحبة كل ساعة، إلى أن يأتي صباح ما  وتكون امرأة مكروهة تمامًا .. غير محتملة بشكل مزعج للغاية، بحيث يتعيّن ركلها إلى حفرة ما وتركها هناك.
ديب أولين أونفيرث
صحيفة "المثقف" العراقية ـ 22 مارس 2019
ديب أولين أونفيرث: كاتبة وروائية وكاتبة قصة قصيرة 
مواليد  1968في الولايات المتحدة ـ تخرجت من جامعة سيراكيوز  1998
حصلت على جائزتي Pushcart، وUnferth كما تعمل أستاذة مشاركة في الكتابة الإبداعية بجامعة تكساس في أوستن، حيث تقوم بالتدريس في مركز ميشنر ومشروع الكتاب الجدد. 
أسست وتدير برنامج Pen-City Writers ، وهو برنامج لشهادة الكتابة الإبداعية مدته سنتان في أحد السجون مشددة الأمان في جنوب تكساس، حصلت بهذا العمل على جائزة خدمة العدالة الجنائية لولاية تكساس لعام 2017.

الأربعاء، 20 مارس 2019

ضمير الغائب

بعد خروجي من البيت أصادف أحيانًا شخصًا له نفس ملامحي، يرتدي ملابسي ذاتها، ويمشي بالكيفية التي يطوّحني الموت بها في الشوارع .. كل مرة أستوقفه، كأنما قابلت صديقًا قديمًا، لم أره منذ زمن طويل .. أمد يدي إليه، وحينما أصافحه أشعر كأنني أطبقت كفيّ على بعضهما مثلما أفعل دائمًا حين أجلس وحدي وراء باب مغلق .. يتمعّن في وجهي بنفس عينيّ المرتبكتين، ويخبرني باللجلجة التي تتناثر عادة بشكل مضحك من ابتسامتي التائهة أنه لا يعرفني .. يعاود السير معتذرًا على النحو التقليدي البائس لهروبي المتعثر من المواقف المحرجة مع الغرباء .. لا أمنعه، وإنما أواصل المشي وراءه بحرص كي لا يشعر بخطواتي المتلهفة لمعرفة أين سيذهب .. لكنني أتوقف عن تتبعه، والتفت راجعًا إلى البيت بخيبة الأمل المعهودة حينما أراه كل مرة يستوقف شخصًا له نفس الملامح والملابس وطريقة المشي ثم يمد يده إليه كي يصافحه.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 18 مارس 2019
photo by shokry mannaa

الثلاثاء، 19 مارس 2019

مثقفون لـ«عكاظ»: الروائيون لا يملكون القدرات الكافية للفصل بين المتسابقين .. إقصاء النقاد من تحكيم جائزة الشرقي للرواية يثير التساؤلات

یرى الناقد المصري ممدوح رزق أنه من الممكن أن تتكون لجنة تحكیم لجائزة روایة من روائیین فقط بشرط أن یكون لكل منھم رصید معروف من الدراسات عن فن الروایة وإسھامات دائمة في تحلیل الخطاب الروائي واكتشاف جمالیاته على حسب وصفه، وأضاف: من المھم أن تتوافر مقاربة الأعمال الروائیة حتى لو كانت في شكل مراجعات كتب، أو تدوینات قراءة. ویجب كذلك تمیز ھذا الرصید باللعب التخییلي مع النصوص الروائیة، أي بعدم النمطیة، أو الخضوع إلى التأویلات التقلیدیة، والتفسیرات الجاھزة، كما ینبغي في ھذه الإسھامات تخلصھا من الیقینیات السھلة، التي تستند إلى معاییر ذاتیة صارمة تتخذ طبیعة المطلق حول جودة الكتابة ورداءتھا، ذلك لأن التحرر من تلك الشروط الاستعلائیة الساذجة سیتیح للكتابات الروائیة المختلفة أن تحصل على الفضاءات اللازمة للتحاور والتجادل مع قرائھا «أعضاء لجنة التحكیم» في مستوى یتجاوز ضرورة التقییم أو الوصول إلى نتائج، دون إقصاء استباقي، ووجود الناقد في لجنة تحكیم لجائزة روایة لیس حتمیا في حد ذاته بل ما یجدر النظر إلیه ھو ما یمثله ھذا الناقد.. ما تعكسه إرادة الھیئة المانحة للجائزة من خلال اختیار التاریخ النقدي الذي یتجسد في ناقد معین؛ فمن الممكن أن یكون في لجنة التحكیم ناقد أو أكثر، أو أن تتشكل جمیعھا من نقاد، ولكن تحكمھم انحیازات منفصلة عن فن الروایة، وعن موضوع الكتابة بشكل عام، أو یقدمون من خلال أدوارھم في لجنة التحكیم صورا قاصرة عن الفن الروائي، لا تتخطى الحدود المألوفة التي یختزلون العالم داخلھا.
أروى المهنا (الرياض)
صحيفة "عكاظ" ـ 19 مارس 2019