ـ يؤمن بوجود قواعد ثابتة للكتابة، متفق عليها، ومفروغ منها .. أنه يحيط
علماً بكافة هذه القواعد، ونتيجة لذلك لا يمثل رأيه في عمل أدبي مجرد وجهة نظر، بل
حكم عادل منبثق عن تاريخ الكتابة .. يعتبر أن هذه الأساسيات من الممكن حقاً
إدراكها كلياً، وأنه ينبغي أن يتطابق حضورها في وعي الكل، كما أن مقاربتها لابد أن
تتم بنسق موحد عند جميع البشر، وأن التصورات الناجمة عن هذه المقاربة من الحتمي أن
تتخذ طبائعاً متماثلة .. يوقن أن التحرر من هذه القواعد خرافة لا يجب تضييع الوقت
في محاولة تصديقها، أما لو كان هذا التحرر (أي التجديد) حقيقة بالفعل فينبغي عليه
الالتزام بأنماط محسومة لا يجب تجاوزها .. يرى أن هناك قواعدا ثابتة بالطبع، ومن لا
يفهم هذا عليه أن يتعلم أو يعالج نفسه قبل أن يقرأ ويكتب، أو يتراجع عن التفكير في
القراءة والكتابة وسيكون هذا أفضل.
ـ يحكم على العمل الأدبي الذي لا يروق له بأنه (عمل سيىّء)؛ فأي كاتب حينما
يقرر كتابة أي نص لابد ألا يحدد له هدفاً يتجاوز إرضاءه هو بالذات، وبناءً على ذلك
يصبح عملاً رديئاً إذا لم يحقق هذه الأمنية.
ـ إذا وجد في العمل الأدبي الذي لم يعجبه تناصاً بارزاً مع عمل آخر، أو صلة
ظاهرة بمادة فنية أو محتوى تاريخي، أو اشتباكاً مع نظرية نقدية معينة، أو مضامين
فلسفية محددة، أو مع أفكار وتحليلات في علم النفس، أو استخداماً لتقنية سرد مقصودة
مثلاً فإنه لا يجد مبرراً لبذل جهد في التفكير والبحث ـ ولو باستخدام (جوجل) ـ
للعثور على اكتشافات يمكن أن تثمر عن هذه التناصات أو الصلات أو الاشتباكات .. هو
يثق تمام الثقة في صحة انطباعاته، وصواب رؤيته التي تتضاءل أمامها أهمية أي
إدراكات أخرى .. ثقته في ذاته تجعل الأمور أكثر سهولة بالنسبة إليه؛ فهي تحميه من
ممارسات ذهنية شاقة يرى أنه ليس مضطراً لها خاصة لو كان مدافعاً عن الأدب المحترم،
المقاوم للقبح والظلم والابتذال، والملتزم بالأخلاق الحميدة .. الكتابة الرافضة
للفحش والبذاءة، التي تقدس قيم الحب والحق والخير والجمال؛ حيث لابد لأي كاتب ـ
مهما كان جحيمه ـ أن يدهن (روح) هذا القارىء بها، وبالكيفية التي (تُريحه).
ـ عند كتابة ريفيو للنص الذي لا يروق له يجب أن يستخدم تعبيرات كـ (أخفق
الكاتب في ...)، (لم ينجح الكاتب في ...)، (فشل الكاتب في ...) لأن هناك ثمنً
ينبغي للكاتب أن يدفعه نتيجة عدم إرضائه شخصياً، وذلك بتوثيق الأسباب التي حرمته
من الإشباع في صيغة إدانة تحمّل الكاتب مسؤولية عدم معرفته باحتياجات هذا القارىء
بالذات التي ـ دون شك ـ هي نفس احتياجات مجتمعه وتلبيتها .. تضحكه سخافات مثل:
(لكل عمل أدبي قانونه الخاص) .. (المنطق الشخصي للكاتب) .. (الدوافع الجمالية
للنص) .. بالنسبة له كل هذه اللافتات البراقة مجرد هراء ذائع، وتفاهة طاغية؛ فلا
يوجد سوى قانونه هو، الذي لابد أن يكون قانون الجميع، ومنطقه هو الذي لابد أن يكون
منطق الجميع، ودوافعه هو التي لابد أن تكون دوافع الجميع، وإلا لصارت الحياة عبثية
ليس لها حاكم.
ـ تعبيرات مثل (أخفقت في التواصل مع هذه الرواية)، (لم أنجح في تكوين علاقة
مع هذه القصة)، (فشلت في استيعاب هذا الكتاب) التي يستعملها قراء آخرون هي بالنسبة
له عبارات مائعة، رخوة، تتسم بقدر غير مقبول من الدونية؛ إذ أنها لا تتفادى عقاب
الكاتب بشكل قاطع ومباشر وحسب، بل وتمرر أيضاً بطريقة أو بأخرى انطباعاً بتوجيه
هذا القارىء الاتهام لنفسه باعتباره موصوماً بالخلل الذي تسبب في (غياب
الاستفادة)، و(منع التوافق) مع النص، وهو العار الذي لا يمكن ـ بديهياً ـ إلحاقه
إلا بالكاتب.
ـ إذا صادف احتفاءً لجمهور من القراء بكاتب ما يعتبره (سيئاً)، أو بعمل
أدبي يراه (رديئاً) فإنه لابد أن يمتد بالإدانة التي سبق ووجهها للكاتب أو للعمل
الأدبي إلى هذا الجمهور من القراء باعتبارهم فئة من الساذجين والحمقى الذين أثبتوا
أنهم (لا يعرفون كيف يقرأون) بعدما أعجبوا بكاتب (لا يعرف كيف يكتب) .. يؤمن بأن
عليه واجب مطاردتهم، ومعاقبتهم بالشتائم أحيانأً، وبالسخرية أحياناً، وبالتساؤلات
المستنكرة أحياناً، أو بمزيج من كل أسلحة الردع هذه في أحيان أخرى، ليس فقط جزاءً
لهم على عدم اعتناقهم ليقينه تجاه ذلك الكاتب، وعجزهم عن إدراك (العيوب الواضحة)
في عمله الأدبي، وإنما كدور تنويري ملزم به، ورسالة تطهيرية تحتم عليه التدخل
لتصحيح (الحالة الأدبية العامة)، وإنقاذ (المناخ الثقافي) من الرذائل السائدة.
ـ لديه احتياج عظيم إلى المتعة الناتجة عن (الإبداع) في الإدانة سواء على
صفحات التواصل الاجتماعي أو مواقع القراءة أو المدونات؛ إذ يشعر بأن وجوده في
الحياة يكتسب قوة وقيمة مع كل لحظة يكتب فيها أنه كاد يتبول على إحدى الروايات، أو
ألقى بها في القمامة، أو طوّحها من نافذة البيت أو شباك القطار، أو أعطى كتاباً ما
إلى بائع الطعمية أو بائع اللب، أو عرضه كهدية مجانية لأي أحد يرغب في الحصول
عليه.
ـ إذا واجه تعليقاً أو رأياً مخالفاً بعد كتابة إدانته لعمل أدبي، يريد
إقناعه بأنه لا ينبغي تناول الكتابة بتصنيفات الجودة والرداءة، أو بمعايير الصواب
والخطأ فإنه يقوم على الفور باستدعاء الرد التقليدي الجاهز وكتابته: (رأيي ليس
حكماً مطلقاً، بل مجرد وجهة نظر تعبّر عن ذائقتي الشخصية، التي يمكن أن يتفق أو
يختلف معها الآخرون) .. يكتب هذا الرد وعلى وجهه ابتسامة مطمئنة لا تخلو من التهكم
تقول: (أنجزت العقاب وانتهى الأمر، لقد وضعت هذا الكتاب في مكانه المناسب).
ـ القراء الذين يتفقون مع يقينه عن عمل أدبي ما أو عن أحد الكتّاب لا يعدون
بالنسبة له مجرد مثقفين حقيقيين، أو أخوة
في المعرفة الأصيلة، أو أصدقاء في الفهم السليم بل علامات من الغيب، يعتبر نفسه
جديراً بأن تُبعث إليه كي تؤكد له من حين لآخر بأن الحق معه، ولتهوّن عليه مصاعب
الرحلة، وتثبّت إيمانه بضرورة الاستمرار فيها، متمسكاً بعزيمته.
ـ أحياناً يجد في نفسه ميلاً لتقديم لمسة رحيمة إلى ذلك الكاتب الذي عاش
لحظات قاسية من الانتظار المرعب بعد صدور عمله الأدبي مترقباً بمنتهى القلق
والتوتر انتهاء هذا القارىء شخصياً من قراءته حتى يعرف حقيقته ومصيره .. في بعض
الأحيان يفتح نافذته، وينظر إلى الكاتب وهو جالس تحتها يبكي، ويخبره بأنه يعلم
جيداً أن حكمه كان قاسياً، ولكن عليه أن يتقبله لأنه يليق بحجم الجريمة التي
ارتكبها، وأن عليه مراجعة نفسه، والرجوع عن الطريق الفاسد الذي يمشي فيه، وأن يبدأ
من جديد مسترشداً بنور هذا القارىء .. يرى أنه مهما كان قاسياً، لا يجب على من (يعرفون
قواعد الكتابة والقراءة) أن يكونوا مجاملين لمن (لا يعرفون قواعد الكتابة
والقراءة) .. يؤمن بأنها أمانة إلهية .
ـ يعتبر نفسه أكثر البشر استحقاقاً لحمل لقب (ناقد)، خاصة لو كان نشطاً على
صفحات مواقع القراءة، لا يقوم بأكثر من كتابة سطور تختزل (المعاني العامة)، و(الأهداف
الكلية) للأعمال الأدبية، أو ملخصات لـ (حواديت) الروايات، والمجموعات القصصية،
و(أفكار) دواوين الشعر ـ يراها ميزة نادراً ما توجد في أحد ـ وخاصة أيضاً لو كان أكاديمياً،
يعلّم الصغار ما هو (الأدب)!.
*ورقة أوليّة ضمن مخطوط (نقد استجابة القارىء العربي) /
مشروع قيد الكتابة.