السبت، 30 أكتوبر 2021

تحميل كتاب "راي آرمانتروت ـ مختارات شعرية" / ترجمة: ممدوح رزق


https://drive.google.com/file/d/1gNAIlCIqSUUAo3I6QhOEXP_yz-IAMqlK/view?usp=sharing

عادة غيبية

يعجبني أنك تفهمني جيًدا .. تدرك تمامًا ما أريده وتنفّذه بدقة ومهارة ...

تجلس أمامك امرأة تلو الأخرى فوق مقعد الاستغاثة: زوجة تعرضت للضرب والإهانة على يد شريك حياتها .. أم اختطف طليقها أبنائهما .. ربة منزل استولى زوجها على مشغولاتها الذهبية وطردها من المنزل .. المآسي المضجرة التي تُحصّن الحياة .. تبدأ في تصوير كل واحدة كأنك تؤدي مهمتك الروتينية كمصوّر لموقع صحفي .. لكنك تعرف أن عليك أن تبدأ من أسفل .. أن تمر عدستك أولًا ببطء فوق فخذيها .. البطء الذي تزيد قيمته عندما ترتدي المرأة ثوبًا ضيقًا .. في الطريق إلى وجهها تتوقف كاميرتك لحظة واحدة عند مفترق الفخذين .. مجرد لحظة واحدة قد لا تُلاحظ ولكنني بالطبع أكون في انتظارها .. ثم تكرر التوقف نفسه عند ثدييها لزمن أطول قليلًا .. وبعدما تبدأ المرأة في الحكي والبكاء ستستمر عدستك بين حين وآخر في التنقل بين وجهها المحترق بالدموع وفخذيها .. بين ملامحها المحطمة وثدييها .. تنقلات تثير وتمتع كلما تصاعدت قوة النحيب وهي تتوسل لإنقاذها من مصيبتها .. ربما تستوعب أن تلك الأداءات التصويرية تعيد اكتشاف عينيها .. تمنح وجهها جمالًا شهوانيًا خاصًا.. كأنك بحركة كاميرتك أمام جسدها قد جعلتها تعرفني .. تعرف أنني أراها، وأن عليها لذلك أن تظهر كما يليق بإيمانها بوجودي .. كأنك تجعلها برجاءاتها المقهورة تمارس تعريًا سريًا .. تقوم بإغواء ضمني عبر استنجاداتها المكلومة .. تجعلها تبدو مهتاجة من أجلي .. تتوق لي .. تحلم بالخلاص في مخدعي.
أنت بارع في تبليغ الرسالة التي أيقنتها وحدك .. تؤدي الأمانة كما لو أنني قد كلفتك بها حقًا من حيث أتوارى ولا يستطيع أن يراني أحد.
اللوحة لـ Edward Hopper

أنطولوجيا السرد العربي ـ 29 أكتوبر 2021 

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

ضد "تأويل" سوزان سونتاج

كتبت سوزان سونتاج مقالها الشهير "ضد التأويل" عام 1964 بدافع الاستياء والضجر من الغريزة القرائية التي تخلق البشر كماكينات للتفسير وإنتاج المعرفة .. الغريزة التي أنتجت طبيعة نمطية للنقد وهي "الاستقراء الدلالي" أي اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الأفكار التي تُشكل العمل الأدبي أو الفني، وتكوّن جمالياته .. تطويع ما هو شعوري أو حسي إلى مبدأ محدد أو مفهوم ثابت.

لكن ذلك ليس تأويلًا وإنما هو "قمع للتأويل"؛ إذ أن تفسير وترجمة عناصر القصيدة أو المسرحية أو الرواية أو القصة إلى شيء آخر، أو الفهم المحصور لنقاد الأدب عن مهمتهم كما تقول سونتاج؛ هو كبت للاحتمالات والإلهامات غير المحكومة التي يثيرها النص، وإخضاع استفهاماته لقوالب صارمة أو سياقات جاهزة تمثل الحقيقة في وعي "المفسِر" .. هو إخماد للفرضيات المتعددة للعمل الفني والتي ينبغي أن تكون مكونات للعبة لانهائية غير مشروطة بقواعد .. سونتاج تخلط بين "التأويل" كتحريض على تفكيك "المعنى"، وبين "التفسير" كتقييد لجموح التلقي أو إعادة الكتابة .. لماذا تفعل ذلك؟ .. ما أكتبه ليس إجابة على هذا السؤال، ولكنه "تفكير" في الإجابة بما يعني توليد المزيد من الأسئلة.

هل كانت سوزان سونتاج تحلم بسلطة كونية إعجازية أو قدرة غيبية خارقة تُجبر مثلًا قارئ قصة "أمام القانون" لكافكا على عدم الاستجابة العفوية لاستدعاء صورة "القانون" في ذاكرته أو ما تمثله تلك الكلمة في تجربة حياته أثناء قراءة القصة، أو تُحتم على مشاهد لوحة man in a bowler hat لرينيه ماجريت الامتناع التام عن الاسترجاع التلقائي لما يعنيه "الطائر" في نفسه خلال تلك اللحظة، أو لما تثيره رؤيته وفقًا لخبرة ماضيه؟ .. إن هناك من يتوقف عند حدود اليقين الخاص بردود الأفعال البديهية تلك، وفي المقابل هناك من يتجاوزها .. هناك من يستقر عند الإدراك الفوري المروّض للنص أو اللوحة اعتمادًا على ما يُنظر إليه كـ "أصل" معرفي، وهناك من يراوغ الحضور الاستباقي لهذا الإدراك .. هناك من يظل محتجزًا داخل التعريف التقليدي لـ "القانون" في قصة كافكا، وهناك من يتخطى ذلك التعريف، كما كتبت في قراءتي النقدية للقصة والتي تضمنها كتابي "هل تؤمن بالأشباح؟ ـ قراءات في كلاسيكيات القصة القصيرة": "هو يتفحص القانون الأكثر اتساعاً ومراوغة وتوحشاً من إمكانية التعريف .. الذي لا تؤسسه يقينيات حاسمة، ولا تنظم حركته مشيئة أخلاقية مفهومة، ولا يسعى لتحقيق أهداف يمكن استيعابها" .. هناك من تمتلكه الإحالات المألوفة لـ "الطائر"، وهناك من يحاكم هذه الإحالات في لوحة رينيه ماجريت لتجعله ـ كالقانون ـ لغزًا لا يُجسّده إلا الظنون المتغيرة.

إن "الابتذال" ـ وبتجاهل الحكم الأخلاقي في الوصف الذي استعملته سونتاج ـ لا يكمن في المرجعية الاجتماعية أو السياسية أو النفسية أو الدينية التي تبدأ مسارات "فهم" النص منها، وإنما ـ ودون إدانة قيمية ـ في انتهاء تلك المسارات عندها .. سيطرة "الإيمان" على "الفهم" الأمر الذي يمنع تحوّله إلى "لعب" .. الذي يُبقي النقد وظيفة إيدولوجية بشكل ما وليس مقاومة للمطلق باستخدام أدوات همينته نفسها .. مرة أخرى هذا هو الفرق بين "التفسير" أو الرغبة في الشعور بالرضا، وبين "التأويل" أو الرغبة في تحفيز القلق .. ما جعلتهما سوزان سونتاج شيئًا واحدًا.

ربما نعتقد أن سوزان سونتاج كانت تحلم بهذه السلطة الكونية أو القدرة الغيبية حقًا حين نفكر في دعوتها لعدم طرح الأسئلة عما يعنيه النص .. مشكلة سونتاج كما كتبت من قبل في عدم قدرتها على التفرقة بين التفسير والتأويل من حيث أن التفسير يتعلق بالمعني بينما التأويل يرتبط بانتهاكه .. لاحظ أن استشهاداتها الخاصة بالأساطير تدعم عدم قدرتها على هذه التفرقة: زيوس يمثل السلطة، الهجرة الجماعية في سفر الخروج والوصول إلى أرض الميعاد تمثل الخلاص النهائي إلخ (تفسيرات جامدة تصفها "بسذاجة" بالتأويلات) .. إن "إيروسية الفن" أو الاكتفاء بوصف شكل العمل الفني أو مظهره، أو بالقراءة المجردة للنص الأدبي كما تقترح سونتاج ستتطلب حتمًا استعمال كلمات، والكلمات تمتلك أنساقًا لغوية طالما أن "الواصف أو "القارئ" لديه ذاكرة، وبالتالي فالأنساق ستعلن عن نفسها كبنية غير مكتملة أي كمحتوى من الغموض، إما أن يجاب على أسئلته فورًا أو يتم تحريض أسئلته على التناسل، أي أن ما تقترحه سونتاج لن يتم إلا باستخدام الاستفهام كباطن أو جوهر لكل ممارسة لغوية يحتاجها الوصف أو القراءة المجردة، المسألة تتعلق بالتعامل مع الاستفهام: هل نقنع بالردود المشبعة أم نعتني بالأرق؟.  

يبدو الأمر أقرب إلى عاطفة انفعالية فحسب عند سوزان سونتاج، احتاجت للتعبير عنها استعمال مفردات لا يوجد ما يمكنه أن يعوق عمل دلالاتها وتساؤلاتها في وعي متلقيها، حلم باختفاء الأفكار، بتنقية الذهن من لعنة اللغة، أن تصير "الحسية" خارج ثقل الكلمات التي يمكن أن تحيلها إلى شيء آخر، ومن أجل إكساب هذا الحلم موضوعية ملفقة لم يكن عليها بالضرورة تحرير مفهومها عن "التأويل" باعتباره "الخيال" الذي يحقق "إيروسية التلقي" أو محاولة ضمان عدم رضوح الرؤية الحسية لنمط أو عقيدة متعالية، بالتناقض مع "التفسير" الذي يجرد الحسية من المرونة ويحرمها من إمكانات طيشها .. هذا التحرير كان سيمنعها من استعراض حلمها الحسي في رداء نظري "مهترئ" .. إن وجهة النظر الاستبدادية هو ذلك الإجراء المتسلط العبثي اللامنطقي وغير القابل للتحقق الذي تريد سونتاج من "الفرد اللغوي" ـ أي الذي خلقته وكوّنت ذاكرته وشكّلت وعيه اللغة ـ بإعطاب خواصه العقلية عمدًا بحيث يمحو على نحو قاطع ماضي الكلمة وماضي المشهد حين يقرأ أو ينظر .. ما يبرز تناقض سونتاج هو دفاعها عن رغبتها: "الاقتراب المباشر بوعي حسي عال يجسّد معاني واحتمالات عديدة" .. حسنًا هذا هو التأويل، ومضاده التفسير الذي يفترض أنها تجابهه مع افتقارها للتمييز بينهما .. المعاني والاحتمالات العديدة التي تطمح إليها ـ مع تجنّب المناهج والقوانين ـ ستمر أولًا على عتبة بديهية اسمها "كلمات الحواس" أي الأثر الذي سبق أن تركته عناصر المحتوى الأدبي أو الفني في الذاكرة .. المعاني والاحتمالات العديدة هي ما ستصير إليه تلك الكلمات، أي ما لا يجب أن يبقى مؤطرًا، بل في حالة استعداد دائم لتجاوز نفسه .. سوزان سونتاج لديها مشكلة في تحديد ماهية "التأويل"، "التفسير"، "المضمون"، "الحواس"، "القوانين" .. لكنها مشكلة غير متعمدة لإنها مرتبطة بانفعالها "الوجداني" الذي اشترط "سياقًا كتابيًا" لطرحه .. السياق الذي لم ينجح ـ لأنه قائم على الانفعال المحض ـ في إخفاء ثغراته الساطعة وأبرزها "أنا أتحدث عن القوانين فقط / افتراض وجود مضمون خطأ" .. لو كان خطابها إدانة للقوانين فهي تقر بوجود مضمون ولكنها ترفض مقاربته بالقوانين "التفسير كما يغيب عن فهم سونتاج"، ولو كان خطابها إدانة لافتراض وجود مضمون فهي تقر بأنه ليست هناك مقاربة بالقوانين أو بغيرها إزاء هذا الغياب لأن الحسية ذاتها تفترض كيانًا يمكن "لمسه" بطريقة ما، وهذا اللمس حين يثير شعورًا فإن عدم القدرة حتى على تحديده سيترجم إلى كلمات تلقائية، وبما أن الكلمات ليست كائنات مستقلة، مبتورة الأطراف في التاريخ الشخصي فإنها ستفرض "مضمونًا"، هذا "المضمون" ليس ظاهريًا ولا مجازيًا كما تتصوّر سونتاج بقدر ما هو "إيهامي" حيث "كل ما يبدو عليه العمل الفني" ليس فضاءً من الصمت فاقد الذاكرة بل ذخيرة صراع وجدل تشير إلى حاملها الخفي (التجارب والخبرات)، أشباح من الرموز والعلامات التي يستحضرها الذهن عفويًا حين يتم تنبيهه إلى ما يرتبط بها (نعم التفاحة ليست ما تبدو عليه في اللوحة سواء بالنسبة لي أو للرسام لأنها ببساطة استدعت ذكريات جعلتها شريكًا في تأثيرات وجودية تؤسس رؤيتي للوحة مثلما كانت بالنسبة لرسامها؛ إما أن أنتهز مفترق الطرق هذا في تحويله إلى متاهة أو في جعله مجرد محطة وصول آمن) .. أما المضحك فعلًا أن سونتاج حينما أرادت استعمال كلمة "راديكالية" جعلتها وصفًا "اتهاميًا" لإعادة الكتابة / محو النص / تعديله / تغييره، أي ـ بحسب وجهة نظرها ـ ما يستتر وراء ادعاء جعل النص واضحًا ومفهومًا فحسب بالكشف عن معناه الحقيقي  .. إن إعادة الكتابة أو المحو أو التعديل أو التغيير هي مهام "تأويلية" تحمي النص من أن يكون واضحًا ومفهومًا "مخصيًا"، أو خاضعًا لـ "معنى حقيقي"، أي تحميه من "التفسير" .. كأن سونتاج تدافع عن "التفسير" ـ وهو المضحك في الأمر ـ من حيث أرادت إدانة "التأويل" المناقض له.

كان يمكن لسوزان سونتاج أن تفكر في الأمر كرجاء رومانسي فحسب .. أمنية أسطورية .. لكنها أرادت ـ بنزق طفولي ـ تحويلها إلى "قانون" واقعي، ولمنحه "مشروعية" ما تعاملت مع "التأويل" بمنظور قاصر ربما يدفعنا للتفكير في أن الناقد المشغول بإيروسية الفن حقًا ينبغي أن يكون "ضد ما تعتقده سونتاج عن التأويل" وإلا ظل ناقدًا مفسِّرًا.

أراجيك ـ 26 أكتوبر 2021

 

الجمعة، 22 أكتوبر 2021

“مرجيحة حرير” .. مسرحية قصيرة في فصل واحد

المسرح منقسم إلى جانبين: غرفة منزلية صغيرة، شاحبة الإضاءة، وخالية إلا من أشياء قليلة قديمة ومتكسّرة، بما يشير إلى استخدامها كمخزن للأغراض غير المستعملة، ملقى على أرضها مغشيًا عليه رجل في منتصف العمر، يرتدي ملابس غير مهندمة، وتسيل دماء من رأسه .. على الجانب الآخر حجرة معيشة تقليدية، مضاءة تمامًا، يجلس فوق أحد مقاعدها رجل في منتصف العمر أيضًا، يرتدي ملابس البيت، يدخن سيجارة، ويُمسك مسدسًا في يده .. يفصل بين الجانبين جدار كبير، في منتصفه باب الحجرة المغلق.

يبدأ الرجل المغشي عليه في الإفاقة تدريجيًا .. ينهض من فوق الأرض بإنهاك كبير، متحسسًا موضع الجرح في رأسه .. يتلفت حوله مستكشفًا سجنه ثم يقترب من الباب ويطرق عليه بوهن.

الرجل في حجرة المعيشة بعد سماعه صوت الطرقات: هل أفقت؟

الأسير: أين أنا؟

السجّان: في البيت الذي حاولت اقتحامه...

ـ هل أنت ...؟

ـ نعم .. أنا الذي جئت لقتله ...

ـ وما الذي ستفعله الآن؟

(بسخرية) ـ ماذا تتوقع؟

ـ ستقتلني .. أليس كذلك؟

ـ بالتأكيد .. لم يعد في عمرك سوى خمس عشرة دقيقة فحسب.

ـ نعم .. لو كنت مكانك لفعلت نفس الشيء.

ـ كنت سأكون مكانك ذات يوم .. أنت تعرف؛ كان يتحتم عليّ أنا أيضًا التسلل إلى منزلك ومحاولة قتلك، وربما كنت قد نجحت أنت في مباغتتي من الخلف بضربة قوية على الرأس وتمكنت من أسري كما فعلت معك .. كنت ستقتلني بطبيعة الحال .. كل ما في الأمر أنك قمت بذلك أولًا .. ومن يدري؛ ربما ألاقي مصيرك في بيت آخر على يد أحد هؤلاء الذين يجب عليّ قتلهم.

ـ ولماذا لم تقتلني على الفور؟

(بسخرية) ـ وأضيّع على نفسي متعة تعذيبك بأن أجعلك تعيش العد التنازلي لحياتك.

ـ لم تعد الحياة تهمني الآن .. طالما سأموت بطلًا.

ـ نعم .. كلنا أبطال في هذه الحرب الأبدية .. القاتل والمقتول.

(يتوجع متحسسا رأسه) ـ هل يمكنني أن أسألك عن شيء؟

ـ أجل  ...

ـ لو كنت مكاني .. هل كنت ستتمنى أن تعيش؟

ـ دون شك.

ـ ألن يكون ذلك باعثًا للخزي؟

ـ لا أعتقد ذلك .. طالما أنك تستقبل الموت بشجاعة.

ـ وكيف تكون تلك الشجاعة بالنسبة لك؟

ـ على الأقل .. مهما كان الهلع الذي يمزق أحشاءك؛ فلا تتوسل لقاتلك حتى يُبقي على حياتك.

ـ نعم .. هذا صحيح.

(بسخرية) ـ ألن تتوسل لي؟

(يضحك بهستيريا) ـ بالتأكيد لا، فإذا كنت راغبًا في الحياة؛ فإن الموت في سبيل الواجب أكثر شرفًا من أي حياة.

ـ معك حق .. أنت رجل شجاع.

ـ حسنًا .. فقط من باب العلم بالشيء .. هل كنت ستعفو عني لو توسلت لك؟

ـ العفو خيانة كما تعلم .. لكني لا أعرف .. ربما كنت سأعتبر عفوي عنك نوعًا من التضحية التي يمكن تعويضها .. الأمر يتوقف على التفاصيل.

ـ أي تفاصيل؟

ـ الكلمات التي ستستخدمها في التوسل .. نبرة صوتك .. انفعالاتك الجسدية .. هل ستبكي أم لا .. كيف سيكون بكاؤك .. مساحة الصمت بين عبارة وأخرى .. طريقتك في التنفس .. وهكذا.

ـ أنت كاذب.

(بسخرية) ـ طبعًا .. أنت ميت مهما فعلت.

ـ لن أفعل شيئًا .. فانا أيضًا كنت سأقتلك مهما توسلت لي.

ـ أجل .. إنه أكثر الأمور عفوية .. يحدث منذ الأزل بمنتهى البساطة في كل لحظة من كل يوم .. حتى أنه في الأغلب لا يُلاحَظ.

ـ هل فكرت من قبل في أننا ربما نكون على خطأ؟

ـ فكرت .. مرة واحدة فقط.

ـ وبعد ذلك؟

ـ أدركت أن الأمر لا يتعلق بما قد نظنه عن الصواب والخطأ .. إننا نتبع ضرورة الصواب والخطأ وليس ما يُحتمل أن يخطر في أذهاننا عنهما من أفكار أو مشاعر .. إنها الضرورة التي تسبق أجسادنا .. أنت مكلف بالوجود، وطالما أنك كذلك فعليك أن تؤدي ما يتطلبه وجودك فحسب .. وجودنا يلزمنا بأن أجلس على هذا المقعد، وأن تقف أنت وراء باب هذه الحجرة في انتظار موتك المحتوم على يدي.

ـ نعم .. أنا أيضًا فكرت في الأمر مرة واحدة فقط، وأدركت نفس المعنى .. هذا هو الصواب سواء استمتعنا به أو لا .. سواء شعرنا بطابع القداسة تجاه ما نفعله أو لا .. سواء تذكرنا أحد ونحن في قبورنا أم خُلِدنا في النسيان .. علينا أن نستجيب لضرورة الوجود حتى لا نكون مخطئين مهما كان الثمن .. أما إذا أخطأنا وتوقف أي منا لسبب ما عن مطاردة الآخر وقتله؛ فإن لدينا دائمًا الفرصة للامتثال مجددًا إلى تلك الضرورة.

(صمت)

السجّان يصفّر فجأة لحنًا ما وعلى وجهه ملامح اللامبالاة.

الأسير (متلهفًا): هذه الأغنية التي تصفّرها .. أنا أعرفها جيدًا...

ـ إنها أغنية طفولتي المفضلة .. أحب دومًا أن أدندنها من وقت لآخر .. هل تحفظ كلماتها؟

ـ نعم .. (يغني) فتّحي يا زهور فتّحي .. واضحكي للنور وافرحي .. وافتحي قلبك افتحي ...

(السجان يُكمل الغناء) ـ دي النسمة عبير .. مرجيحة حرير ...

(يغنيان معًا) ـ بتقول يالا اتمرجحي، واصحي وصحصحي، واضحكي وافرحي، فتّحي فتّحي، فتّحي يازهور.

(يضحكان).

ينهض السجان من على كرسيه ويسأل الأسير: هل أنت مستعد؟

الأسير: نعم ...

يتقدّم السجان شاهرًا مسدسه ليفتح باب الحجرة.

يسود المسرح ظلام تام ...

(صوت رصاصة).

(صمت).

السبت، 16 أكتوبر 2021

سيرة الاختباء (33)

كنت ومحمد محفوظ عضوين في قصر ثقافة الطفل بالمنصورة بداية التسعينيات.. كنا في المرحلة الإعدادية، ونكتب قصصنا القصيرة الأولى، ونحلم ـ منطقيًا ـ بنشرها.. لا أتذكر أننا كنا قد أرسلنا أيًا من تلك القصص القليلة المبكرة إلى الصحافة حينما أخذنا نسخًا بخط اليد منها وتوجهنا ذات يوم كصبيين رومانسيين إلى دار سنابل في شارع بورسعيد وعرضناها على صاحبها علاء وحيد طالبين منه أن ينشرها لنا في كتاب.. أخبرنا الرجل بتعاطف أبوي حاسم بأننا مازلنا صغيرين، وأن علينا الاستمرار في الكتابة، وأنه يجب نشر أعمالنا في الصحف والمجلات أولًا ثم بعد ذلك نفكر في إصدار مجموعة قصصية.. شعرنا بالإحباط ونحن عائدين إلى القصر في تلك الظهيرة الصيفية البعيدة بعدما أدركنا أن حلم رؤية اسمينا مطبوعًا على غلاف كتاب سوف يتأخر.. استقبلتنا مشرفة المكتبة في القصر بإعلان عن مسابقة في القصة القصيرة على مستوى محافظة الدقهلية.. سلّم كل منا قصة من أعماله التي رفض صاحب مكتبة سنابل طباعتها إلى المشرفة دون حماس.. لم يكن هذا هو الهدف الذي غادر كل منا بيته في ذلك اليوم من أجله، وربما كان اشتراكنا في المسابقة فقط حتى لا نعود بتلك القصص التي خرجنا بها كما هي.

بعد فترة أخبرتنا المشرفة ذات صباح بأنه على أعضاء قصر ثقافة الطفل التوجه معها إلى احتفال تقيمه المحافظة بمكتبة المنصورة العامة.. بدأ الحفل الذي حضره المحافظ مصطفى كامل وبعض المسؤولين وكثير من الأطفال والصبية الآخرين من خارج القصر؛ بدأ بتوزيع جوائز مسابقة القصة القصيرة.. حتى ذهابي إلى المكتبة وجلوسي بين الحاضرين؛ لم يكن لدي علم بأن توزيع الجوائز سيتم في ذلك الحفل، ولم يكن لدي علم بأن قصتي قد فازت إلا عند النداء على اسمي لكي أصعد إلى المنصة وأتسلم شهادة التقدير من المحافظ، ولم يكن لدي علم بأنني حصلت على المركز الأول إلا بعدما فتحت مظروف الشهادة وقرأت التهنئة المدوّنة بها.. كانت المفاجأة الأدبية السعيدة الأولى في حياتي وأنا في عُمر الثالثة عشر.. لحظتها شعرت بنوع من الانتصار على صاحب مكتبة سنابل، وبأنني لا أريد مواصلة البقاء في المكتبة ومتابعة بقية فقرات الحفل مثل بقية الحاضرين.. شعرت بأن عليّ العودة فورًا إلى البيت حتى أطلع أفراد أسرتي على جائزتي.. بالفعل تسللت خارج المكتبة وعدت إلى البيت وأنا أفكر في أن قصة محمد محفوظ لم تفز.

في العام التالي حصلت على شهادة تقدير في القصة القصيرة أيضًا من المركز القومي للثقافة وكانت جائزة على مستوى الوطن العربي وتسلمتها في حفل مسائي بدار الأوبرا مع زملاء لي في قصر ثقافة الطفل من الفائزين في مجالات أخرى.

بعد ذلك وفي السنة الدراسية الأولى بمدرسة جمال عبد الناصر الثانوية العسكرية حصلت على شهادة تقدير بعد الفوز بمسابقة القصة القصيرة التي أقامتها المدرسة.

وبعد خروجي من قصر ثقافة الطفل؛ حصلت كذلك على شهادة تقدير في القصة القصيرة بالمسابقة الأدبية التي أقامها نادي الأدب بالمنصورة في العام الأول لانضمامي له.

مازلت أحتفظ بشهادات تقدير البدايات تلك، وحينما أفتح في إحدى الجولات المتباعدة لتنظيم الأغراض القديمة ذلك الصندوق الكارتوني المترب الذي تستقر في خفائه؛ لا أتأملها كجوائز، وإنما كتعزيزات بدائية لروح التنافس التي طالما حاولت قتلها بداخلي.. لم أخلق منعدم الإحساس بالمنافسة مثلما كتب جون شتاينبك في رسالته إلى جون أوهارا، بل إنني لست واثقًا بشكل كامل في وجود هذا “الانعدام” بالمعني الحرفي للكلمة.. إن الأمر أشبه بأن تعاود أجزاء من نفسك النمو طوال استمرارك في قطعها بسكين ثلم.. ما تجذّر وتراكم وتشعّب وتوطد وتواطأ مع الهيمنة المبتذلة والخرقاء للتنازع وإثبات الأفضلية في “الحياة الثقافية العامة”.. ما أنت مُجبر عليه ومدفوع إليه غصبًا بسلطة الماضي الذي يسبق وجودك، والواقع المتجاوز لحلبات المصارعة التي يجذبك إليها رغمًا عنك آلهة التفوق الأدبي الرسمي من ناحية والمتفاخرون برضى تلك الآلهة عنهم من ناحية أخرى.

لكن محاولة قتل روح التنافس قد لا تعني سوى الاستمتاع بمراقبتها وهي تتمادى.. بتشريحها بينما تمعن في ترسيخ سيطرتها وقهرها لحظة بعد أخرى.. بالسخرية (المنتهكة للحياء) من موظفي الكتابة، المسجونين في القيمة، وعبيد المقارنات التي يرعاها أولياء أمور الثقافة حيث لابد أن تنحاز معاييرها الزائفة والانتهازية إليهم؛ لأنهم من دونها لا يستطيعون النظر إلى أنفسهم بعين التقدير.

      موقع "الكتابة" ـ 16 أكتوبر 2021

مصلى السيدات

ـ هل شاهدتِ فيديو الفتاة التي ألقت بنفسها من الدور السادس في المول أمس؟

ـ نعم .. الله يرحمها ويغفر لها.

ـ تخيلي؛ لو قررت خلال تلك اللحظات أن تترك المقهى الذي كانت تبكي فيه قبل انتحارها وتتوجه إلى أقرب مسجد .. بالتأكيد كانت ستشعر هناك بالراحة والسكينة ولم تكن خسرت دنياها وآخرتها.

ـ وهل تعتقدين أنها كانت ستعثر على مسجد مفتوح في ذلك الوقت؟ .. للأسف المساجد تغلق أبوابها بمجرد الانتهاء من صلاة العشاء.

ـ أعتقد أنها كانت ستجد مسجد "الرحمة" القريب من المول لا يزال مفتوحًا .. كنت أمر أحيانًا من أمامه بعد صلاة العشاء، وأجد بعض المصلين داخله.

ـ كان هذا منذ زمن بعيد، أما الآن فكما قلت لكِ؛ المساجد تُغلق مبكرًا، فضلًا عن أن ذلك المسجد لا يوجد به مصلى للسيدات.

ـ صحيح؛ لكن يوجد مسجد آخر على بعد شارعين من المول فيه مصلى للسيدات اسمه مسجد "الرحمن" .. كان على الفتاة فقط أن تعبر إلى الجهة المقابلة ثم تدخل الشارع الذي تقع محطة البنزين على ناصيته وحينما تصل إلى نهايته تنعطف يمينًا ثم تسير بضعة أمتار وهناك ستجده على يسارها .. هذا المسجد يصلي به أبي أحيانًا، وأنا أيضًا صليت فيه من قبل، وأعرف أنه يظل مفتوحًا في المساء لبعض الوقت.

ـ ربما لم تكن الفتاة تعرف بوجوده.

ـ كان يمكنها أن تسأل أحدًا في محطة البنزين.

ـ الحياة صارت أسوأ منذ أن أصبحت المساجد تُغلق أبوابها مبكرًا.

ـ بل أصبحت أسوأ منذ أن ابتعد الناس عن الله كما تقول أمي.

ـ أعتقد أنني رأيت الفتاة المنتحرة من قبل.

ـ وأنا أيضًا .. ملامحها ليست غريبة عني.

ـ لكني لا أتذكر أين أو متى قابلتها.

ـ ربما في الشارع مثلًا.

ـ ربما ...

ـ أظن أنها صادفتنا في يوم ما ونظرت إلينا بطريقة ساخرة.

ـ كانت تنظر إليكِ وحدكِ يا مجنونة.

ـ أنا لست مجنونة .. أنتِ المجنونة.

ـ حسنًا، لا تغضبي .. كانت تنظر لي أيضًا.

ـ هل تعتقدين أن علينا الذهاب إلى ذلك المول ومشاهدة مكان انتحارها؟

ـ لو كنتِ ترغبين .. بشرط ألا نتأخر، أنتِ تعرفين أنه غير مسموح لي بذلك.

ـ اتفقنا .. ينبغي أن أخرج من الحمام الآن قبل أن يعتقد أبي وأمي أنني عدت للتحدث مع نفسي مجددًا.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 13 أكتوبر 2021 

الأحد، 10 أكتوبر 2021

سيرة الاختباء (32)

لدي حاوية محظورين كبيرة على فيسبوك.. تعددت الأسباب التي دفعتني لإلقاء كل منهم داخلها وإغلاق غطائها عليه (ربما سأكتب عن تلك الأسباب بالتفصيل فيما بعد)، لكنهم مع ذلك يمتلكون فضيلتين لا تتوفران في شخصيات أخرى: المصير المحسوم، حتى لو تحوّل في أحيان نادرة إلى وجود مؤقت (ولشرح هذه الفضيلة كتابة محتملة أيضًا)، والاختفاء وإن لم يكن كاملًا نتيجة عوامل لا يمكن السيطرة عليها.

لدي مخطط ساخر تجاه المحظورين المقيمين في هذه الحاوية، ولأنه لم يأت موعد تنفيذه بعد؛ فإنهم يخطرون على ذهني في بعض الأوقات بطريقة سيئة.. أفكر في ما يمكن أن يكتبوه عني على صفحاتهم دون أن أعرف (استعراضات القهر الباعثة على الاستهزاء والشفقة).. في كيف يمكن أن يمر ما قد يكتبونه عني دون أن أدهس وجوههم بشكل فوري.. هل أريد أن أعرف؟ (يسهل عليّ ذلك دون شك).. طبعًا لا.. لماذا أفكر إذن بهذه الطريقة؟

هل لاهتزاز الثقة (المنطقي) في أن أظل حيًا حتي يأتي موعد تنفيذ المخطط الساخر؟ (أعمل الآن على معالجة تلك المعضلة في روايتي “وصية كلنكسر”).. هل لأنني محكوم بطبيعة لا تريد أن تسمح لأحد بأن يُفصح عن عداء ما تجاهي ولو في أدنى مستويات التجسّد؟.. هل لأن “الإختباء” يشترط ذلك الإخضاع حيث لا يمكن لمخبأك أن يصبح فردوسًا حقيقيًا إلا حينما تصفّي جميع حساباتك خارجه؟.. هل كل ما كتبته يطالبك دائمًا بذلك (كانتزاع بديهي لنوع من التعويضات “الثقافية” العادلة)؟.. هل تؤمن بأنه يتحتم عليك الاستجابة لهذا الإلحاح الذي لا يخمد؟

لا يتوقف الموت عن التحقق حتى عند تأتي اللحظة الملائمة لتنفيذ مخطط ما.. لا يتوقف إدراك العداوات عن التصاعد مهما ساد الصمت من حولك.. الصمت نفسه ـ الذي تكافح لإبقاء عزلتك في حمايته ـ هو الموطن الماكر للعداء.. أنت خاضع كلما أخضعت ـ أي كلما شعرت بنجاحك في ذلك ـ حيث لا حسابات تُصفّى، ولا مخبأ يتخلى عن كونه جحيمًا.. الكتابة التي تطالبك بتعويضها العادل هي سر وعيك بالموت المطلق والعداء المحصّن والجحيم المتجذر داخلك من قبل أن يتمثل في حجرة صغيرة، منزوية ومغلقة.. هي سر وعيك بأن التعويض العادل خرافة استعبادية.. فإذا كانت استجاباتك حتمية لإلحاحها بالانتقام؛ فإن الكتابة ذاتها هي جنية الأحلام التي تتواطأ مع كينونتك الغائبة على تفكيكه.

      موقع "الكتابة" ـ 8 أكتوبر 2021

الخميس، 7 أكتوبر 2021

"مكان في الزمن" في المغرب

بعد الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وإيطاليا، سيُعرض فيلم "مكان في الزمن" في المغرب للمرة الأولى وذلك في الدورة الـ 26 لـ مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، والذي سيقام من 21 إلى 30 أكتوبر 2021 .. الفيلم للمخرج نواف الجناحي عن قصة لممدوح رزق.

الأربعاء، 6 أكتوبر 2021

قصائد قصيرة / ترجمة: ممدوح رزق

 

ملاءمة

مارغريت آتوود

أنت تلائمني

كما يتلاءم الخطّاف مع العين

خطّاف السمكة

والعين المفتوحة.

مخاطرة

أنيس نين

ثم جاء اليوم

عندما أصبحت المخاطرة

أن تبقى منكمشة

في برعمها.

كان ذلك أكثر إيلامًا

من المخاطرة

التي ينطوي عليها الأمر

لتزهر.

الاستيقاظ في نيويورك

مايا أنجيلو

الستائر تفرض إرادتها

ضد الريح

ينام الأطفال

يتبادلون الأحلام مع الملائكة

المدينة تسحب نفسها

لتبقى مستيقظة على قضبان مترو الأنفاق

و أنا، جرس إنذار، مستيقظة

مثل شائعة عن الحرب،

كذبة تمتد حتى الفجر،

عفوية، وغير مبالية.

سمكة غير مرئية

جوي هارجو

تسبح الأسماك غير المرئية في هذا المحيط الشبحي الذي تصفه الآن أمواج الرمل، والصخور البالية .. قريبًا ستتعلم السمكة الصغيرة العوم ثم يأتي البشر إلى الشاطئ ويرسمون الأحلام على الحجر المحتضر .. في وقت لاحق، بعد ذلك بكثير، سوف تخترق قاع المحيط شاحنات تحمل أحفاد الحالمين، الذين كانوا في طريقهم إلى المتجر القديم.

مجازات

سيلفيا بلاث

أنا لغز في تسع مقاطع

فيل، بيت مضجر،

بطيخة تتنزه على وترين

فاكهة حمراء وعاج وخشب ناعم

رغيف كبير بخميرة زائدة

مال جديد في حقيبة سمينة

أنا وسيلة، مرحلة، بقرة في عجل

أكلت كيسًا من التفاح الأخضر

واستقللت القطار الذي لا يمكن مغادرته.

مصادفة

ريتا دوف

عندما ظهرت؛ بدا الأمر كما لو أن مغناطيسًا ينظف الهواء.

لم أر تلك الابتسامة من قبل

أو شعرك، وهو يطير بلونه الفضي كتلويحة وداع

بالطبع لم ترني

ناديتك بهدوء

حتي يمكنك أن تختار عدم الإجابة

ثم ناديتك مرة أخرى

حينئذ استدرت نحو الضوء

عيناك

كانتا تبحثان عن اسمك.

أمي

لوسيل كليفتون

كانت أمي تتنقل بين الأيام

مثل جنية الأحلام في حقل؛

بدا وكأن ما لمسته كان لها …

بدا وكأن ما لمسته لم تستطع الإمساك به

وصلت إلينا تقريبًا عبر العشب العالي

ثم بدت وكأنها استدارت وركضت:

“ينبغي أن أعود الآن …

ينبغي أن أعود إلى الداخل الآن”.