ـ نعم .. الله يرحمها ويغفر لها.
ـ تخيلي؛ لو قررت خلال تلك اللحظات أن تترك المقهى الذي كانت تبكي فيه قبل
انتحارها وتتوجه إلى أقرب مسجد .. بالتأكيد كانت ستشعر هناك بالراحة والسكينة ولم تكن
خسرت دنياها وآخرتها.
ـ وهل تعتقدين أنها كانت ستعثر على مسجد مفتوح في ذلك الوقت؟ .. للأسف
المساجد تغلق أبوابها بمجرد الانتهاء من صلاة العشاء.
ـ أعتقد أنها كانت ستجد مسجد "الرحمة" القريب من المول لا يزال
مفتوحًا .. كنت أمر أحيانًا من أمامه بعد صلاة العشاء، وأجد بعض المصلين داخله.
ـ كان هذا منذ زمن بعيد، أما الآن فكما قلت لكِ؛ المساجد تُغلق مبكرًا،
فضلًا عن أن ذلك المسجد لا يوجد به مصلى للسيدات.
ـ صحيح؛ لكن يوجد مسجد آخر على بعد شارعين من المول فيه مصلى للسيدات اسمه
مسجد "الرحمن" .. كان على الفتاة فقط أن تعبر إلى الجهة المقابلة ثم
تدخل الشارع الذي تقع محطة البنزين على ناصيته وحينما تصل إلى نهايته تنعطف يمينًا
ثم تسير بضعة أمتار وهناك ستجده على يسارها .. هذا المسجد يصلي به أبي أحيانًا،
وأنا أيضًا صليت فيه من قبل، وأعرف أنه يظل مفتوحًا في المساء لبعض الوقت.
ـ ربما لم تكن الفتاة تعرف بوجوده.
ـ كان يمكنها أن تسأل أحدًا في محطة البنزين.
ـ الحياة صارت أسوأ منذ أن أصبحت المساجد تُغلق أبوابها مبكرًا.
ـ بل أصبحت أسوأ منذ أن ابتعد الناس عن الله كما تقول أمي.
ـ أعتقد أنني رأيت الفتاة المنتحرة من قبل.
ـ وأنا أيضًا .. ملامحها ليست غريبة عني.
ـ لكني لا أتذكر أين أو متى قابلتها.
ـ ربما في الشارع مثلًا.
ـ ربما ...
ـ أظن أنها صادفتنا في يوم ما ونظرت إلينا بطريقة ساخرة.
ـ كانت تنظر إليكِ وحدكِ يا مجنونة.
ـ أنا لست مجنونة .. أنتِ المجنونة.
ـ حسنًا، لا تغضبي .. كانت تنظر لي أيضًا.
ـ هل تعتقدين أن علينا الذهاب إلى ذلك المول ومشاهدة مكان انتحارها؟
ـ لو كنتِ ترغبين .. بشرط ألا نتأخر، أنتِ تعرفين أنه غير مسموح لي بذلك.
ـ اتفقنا .. ينبغي أن أخرج من الحمام الآن قبل أن يعتقد أبي وأمي أنني عدت للتحدث مع نفسي مجددًا.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 13 أكتوبر 2021