بعد فترة أخبرتنا المشرفة ذات صباح بأنه على أعضاء قصر ثقافة الطفل التوجه معها إلى احتفال تقيمه المحافظة بمكتبة المنصورة العامة.. بدأ الحفل الذي حضره المحافظ مصطفى كامل وبعض المسؤولين وكثير من الأطفال والصبية الآخرين من خارج القصر؛ بدأ بتوزيع جوائز مسابقة القصة القصيرة.. حتى ذهابي إلى المكتبة وجلوسي بين الحاضرين؛ لم يكن لدي علم بأن توزيع الجوائز سيتم في ذلك الحفل، ولم يكن لدي علم بأن قصتي قد فازت إلا عند النداء على اسمي لكي أصعد إلى المنصة وأتسلم شهادة التقدير من المحافظ، ولم يكن لدي علم بأنني حصلت على المركز الأول إلا بعدما فتحت مظروف الشهادة وقرأت التهنئة المدوّنة بها.. كانت المفاجأة الأدبية السعيدة الأولى في حياتي وأنا في عُمر الثالثة عشر.. لحظتها شعرت بنوع من الانتصار على صاحب مكتبة سنابل، وبأنني لا أريد مواصلة البقاء في المكتبة ومتابعة بقية فقرات الحفل مثل بقية الحاضرين.. شعرت بأن عليّ العودة فورًا إلى البيت حتى أطلع أفراد أسرتي على جائزتي.. بالفعل تسللت خارج المكتبة وعدت إلى البيت وأنا أفكر في أن قصة محمد محفوظ لم تفز.
في العام التالي حصلت على شهادة تقدير في القصة القصيرة أيضًا من المركز القومي للثقافة وكانت جائزة على مستوى الوطن العربي وتسلمتها في حفل مسائي بدار الأوبرا مع زملاء لي في قصر ثقافة الطفل من الفائزين في مجالات أخرى.
بعد ذلك وفي السنة الدراسية الأولى بمدرسة جمال عبد الناصر الثانوية العسكرية حصلت على شهادة تقدير بعد الفوز بمسابقة القصة القصيرة التي أقامتها المدرسة.
وبعد خروجي من قصر ثقافة الطفل؛ حصلت كذلك على شهادة تقدير في القصة القصيرة بالمسابقة الأدبية التي أقامها نادي الأدب بالمنصورة في العام الأول لانضمامي له.
مازلت أحتفظ بشهادات تقدير البدايات تلك، وحينما أفتح في إحدى الجولات المتباعدة لتنظيم الأغراض القديمة ذلك الصندوق الكارتوني المترب الذي تستقر في خفائه؛ لا أتأملها كجوائز، وإنما كتعزيزات بدائية لروح التنافس التي طالما حاولت قتلها بداخلي.. لم أخلق منعدم الإحساس بالمنافسة مثلما كتب جون شتاينبك في رسالته إلى جون أوهارا، بل إنني لست واثقًا بشكل كامل في وجود هذا “الانعدام” بالمعني الحرفي للكلمة.. إن الأمر أشبه بأن تعاود أجزاء من نفسك النمو طوال استمرارك في قطعها بسكين ثلم.. ما تجذّر وتراكم وتشعّب وتوطد وتواطأ مع الهيمنة المبتذلة والخرقاء للتنازع وإثبات الأفضلية في “الحياة الثقافية العامة”.. ما أنت مُجبر عليه ومدفوع إليه غصبًا بسلطة الماضي الذي يسبق وجودك، والواقع المتجاوز لحلبات المصارعة التي يجذبك إليها رغمًا عنك آلهة التفوق الأدبي الرسمي من ناحية والمتفاخرون برضى تلك الآلهة عنهم من ناحية أخرى.
لكن محاولة قتل روح التنافس قد لا تعني سوى الاستمتاع بمراقبتها وهي تتمادى.. بتشريحها بينما تمعن في ترسيخ سيطرتها وقهرها لحظة بعد أخرى.. بالسخرية (المنتهكة للحياء) من موظفي الكتابة، المسجونين في القيمة، وعبيد المقارنات التي يرعاها أولياء أمور الثقافة حيث لابد أن تنحاز معاييرها الزائفة والانتهازية إليهم؛ لأنهم من دونها لا يستطيعون النظر إلى أنفسهم بعين التقدير.
موقع "الكتابة" ـ 16 أكتوبر 2021