الأربعاء، 13 أغسطس 2025

مقطع من رواية قيد الكتابة

كانت لوحات كيرياكو أقرب لمرحلة ما بعد الانطباعية؛ يسكنها مزيج من الدراما الحلمية الخفية كما في أعمال سيزان، وما يشبه كاريكاتورية مأساوية كالتي نجدها لدى فريدا كاهلو، في عمق سكون خافت ومقبض، يستدعي الروح الأسطورية عند رامبرانت.

أكثر لوحة أثارت انتباهي كانت منقسمة إلى منظورين متساويين .. الأول يمثل كيرياكو طفلًا صغيرًا ممددًا على سرير في حجرة نوم، مغمض العينين، ومبتسمًا كمن ينعم بسبات هانئ، وبجوار السرير يقف رجل على يساره وامرأة على يمينه، يتطلعان إليه بنظرة عناية وتدليل .. المنظور الثاني لحجرة النوم نفسها ولكن الرجل والمرأة أصبحا ممددين على السرير بوجهين عجوزين وعيون مغمضة، وتغطي جسديهما ملاءة بيضاء، بينما يقف "كيرياكو" شابًا أمام السرير، معطيًا ظهره للرجل والمرأة، ومنهمكًا في رسم لوحة غير مرئية على حامل خشبي، وشابة فائقة الجمال تجلس عارية تمامًا فوق مقعد وثير على مقربة منه، وبينهما قصاصات متناثرة على الأرض لما يبدو أنها صورة ممزقة للمرأة التي يرسمها كيرياكو.
بدا كأنني استغرقت في تأملها زمنًا يعادل ما قطعه كيرياكو في اللوحة من الطفولة إلى الشباب حتى أعادني صوته اللاذع فجأة إلى ملامح العجوز الواقف بجواري وهو يسألني عن رأيي .. أبديت له إعجابي الشديد فأخبرني بأن الحجرة المرسومة هي نسخة من حجرة نومه التي وُلد بها في هذا البيت: نفس السرير، النافذة، الستارة، المرآة، المقعد، السجادة، وأن الرجل والمرأة أبواه .. سألته عن الشابة العارية التي يرسمها داخل اللوحة فلاحت دهشة غائمة على وجهه ورد السؤال لي باستنكار شاحب: ألا تعرفها؟ .. عاودت التمعن في ملامحها .. نعم أعرفها .. رأيت هذا الوجه من قبل .. أنا متأكد من هذا .. لكنني لا أتذكر صاحبته مطلقًا .. سألني كيرياكو مجددًا: هل شاهدت أفلام محمد عبد الوهاب؟ .. أجبته: نعم، منذ وقت طويل .. قال كيرياكو: هذه بطلة أجمل أفلامه .. ملاك يوناني عبر سماء المنصورة في لحظة خاطفة ثم احترق.