بعد أن يموت الجميع، ولا يتبقى من الذين كانوا يحاولون التظاهر
بالحياة في هذا البيت سواك؛ ربما حينئذ يجدر بك الشعور بالذنب .. ربما عليك أن
تفكر في أن كل ما فعلته طوال الماضي بعيدًا عنهم لم يكن سوى خيانة لعمائهم ..
الشوارع التي مشيت فيها وحدك .. الأصدقاء الذين رافقتهم .. المدن التي سافرت إليها
بدونهم .. الأماكن التي جلست فيها مع الغرباء .. المكالمات التليفونية والخطابات
والرسائل والمحادثات الإلكترونية مع بشر لم يعرفوهم أبدًا .. زوجتك وطفلتك .. كل
ما كتبته .. كل شيء قمت به، ولم يتعلق بهم كان انتهاكًا عظيمًا لغفلتهم .. ربما
عليك أن تندم لأنهم لم يكونوا معك دائمًا في كل خطواتك .. نعم .. كان يجب أن تظل
بجانبهم طوال الوقت في هذا البيت، وألا تفعل شيئًا سوى مساعدتهم في العثور على
الحياة .. حتى لو كان كل ما ستقوم به ليس إلا منح فنائهم مزيدًا من العتمة .. حتى
لو لم يكن بوسعك سوى الصمت أو الضحك أو البكاء كمتفرّج مدرّب جيدًا على ترويض السأم
من العروض المتكررة .. حتى لو ظلوا يحاولون بلا هوادة قتل الغيب الكامن داخلك ..
كان من الممكن ألا تشعر في وحدتك الآن بكل هذه الحسرة المقبضة لو فطنت مبكرًا إلى
حقيقتك كشيء خارق، يصدّق أشباحه.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 27 مارس 2019
اللوحة لـ فان جوخ.