شاب وفتاة يقفان بجوار رصيف المستشفى في الليل البارد .. كلاهما في العشرينيات، وينتظران تاكسي يعيدهما إلى البيت بعد خروجهما من المستشفى .. شاب وفتاة ارتديا ملابسهما الثقيلة على عجل قبل مغادرتهما البيت .. أحدهما كالعادة شعر فجأة بعدما أغمض عينيه بضيق في التنفس، وبدقات قلب قوية ومتلاحقة فأيقظ الآخر .. إما أن الشاب نهض من سريره في الظلام وتوجّه حافيًا على ضوء وناسة الصالة إلى حجرة الفتاة ليقف عند عتبتها ويناديها خائفًا ومترددًا: "ماما .. أنا تعبان"، أو أن الفتاة نهضت من جوار زوجها ودخلت إلى حجرة الشاب التي يتشاركها مع أخته الكبرى ثم أيقظته بنبرة قلق ورجاء خافتة: "معلش، قوم وديني المستشفى" .. الشاب والفتاة يتشابهان في الملامح والصوت والمرض، وبالطبع في نعاس عيونهما وارتعاش جسديهما بينما يقفان أمام المستشفى انتظارًا لتاكسي .. يضع الشاب يديه في جيبي بنطلونه ويسترق النظر بتوجس وشفقة إلى الفتاة التي تضم طرفي شالها الصوفي الداكن بقوة على صدرها، وتتطلع إلى الطريق في شرود واستسلام .. سواء كان هو أو هي؛ لا تتغيّر كلمات كل طبيب يستقبلهما في الساعات المتأخرة من الليل: "راحة الأعصاب والهدوء النفسي أهم شيء" .. يراقب الشاب شعر الفتاة البني الناعم الغزير وهواء الشتاء يجتاح خصلاته المتعرجة فيتمنى أن يمد يده ليتحسس رأسها ثم يضم وجهها إلى صدره ويحتضها كما لم يستطع أن يفعل مطلقًا في بيتهما .. أن يقبّل شفتيها الصغيرتين بنهم تحت الأضواء الصفراء الساطعة لعواميد الإنارة حولهما .. الفتاة لا تنظر إليه لكنها تتخيّل نفسها تسكب بكاءً جارفًا في حضنه .. أن تغفو بين ذراعيه لأطول وقت ممكن، حتى لو لم تستيقظ إلا على لحظة موتها .. كان الشاب غاضبًا والفتاة يائسة .. أما الرجل في منتصف العمر الذي يراقبهما وهو جالس في المقهى المقابل للمستشفى فلم يكن وقوفهما بالنسبة له مجرد انتظار لتاكسي يعيدهما إلى البيت، وإنما تفاوضًا جنائزيًا مع لقاء لم يحدث أبدًا .. لقاء يتم استبداله منذ اللحظة الأولى بمتاهة وعرة بين سريرين في البيت نفسه .. هي نفسها المتاهة بين قبر امرأة عجوز ومقهى يجلس رجل في منتصف العمر وحيدًا بجانب نافذته الزجاجية، ولا ينتظر شيئًا.