الثلاثاء، 25 نوفمبر 2025

مراوغة الرثاء

... وكلما جاءتني طفلتي بفيديو (تيك توك) جديد لها كي أشاهده؛ فإنني أبصر نسخة مصغرة منكِ أنتِ يا أمي، ليس لقوة الشبه بين ملامحكما فحسب، وإنما لأن طفلتي حينما تؤدي بطريقة lipsync أو مزامنة الصوت المسجّل مع حركة الشفاه، وتجسِّد حركيًا ما تدعي غناءه أمام الكاميرا فإنها تفعل نفس ما أُجبرت عليه طوال عمرك الذي بدأ بالموت وانتهى بالفناء: تتفوهين بخرسك .. تتظاهرين بنطق كلمات ليست من صنعك .. كلمات لم تتغيّر حتى في داخلك وأنتِ تطبقين شفتيكِ .. الفرق أن هذه الكلمات لم تكن غناءً، ولا تُقترن بالرقص على إيقاعاتها .. لا أسمع الصوت في الفيديو .. أسمع صوتك أنتٍ .. أستبدل الغناء الذي يتمثّل على شفتي طفلتي بكل الإكراهات الملغّمة التي كنت ترددينها في الماضي .. أجعلك تستعيدين الأداءات التعبيرية المصاحِبة لكل توسل لفظي، توهمتِ حتى لحظتك الأخيرة أنه اختيارك .. أنه الطريقة الصحيحة للنجاة .. أفعل ذلك رغمًا عني .. ليس لأنه وحسب الشكل القهري للتذكر، وإنما لمراوغة الرثاء أيضًا .. رثاء طفلتي من قبل أن تكون عجوزًا بنظارة ذات عدستين سميكتين وتخطو ببطء خارج نفسها.

اللوحة: الجدة مع الحفيدة / ماكس رينتل