السبت، 26 نوفمبر 2016

توق الحواس وكشف الفراغ

في مقاربة لعالم القاص, ومحاولة إعادة قراءة وطرح ماتموج به مجموعة ” قبل القيامة بقليل” لممدوح رزق, وعلى مدار 24 قصة قصيرة يطرح القاص ” عالمنا” قبل أن يكون عالمه الخاص, رغم ما يبدو تحرك ذات فردية خلال العمل على مستوى المجموعة, لتبدو حالات الاستبطان شديدة الخصوصية, والتقاط المشاهد التي يختارها الكاتب بعناية بالغة ليضفر في نهاية الأمر عالما أشبه ” بفجيعة ” خاصة, والتي تتمثل في الـ ” الفجيعة ” ذاتها الجماعية..
لقد تم تشكيل اللحظات في المجموعة بعناية شديدة, وبين لحظة وأخرى, وأثناء اللحظة ذاتها يطل علينا الكاتب بأسباب حالة الفجيعة التي تكمن وراء الحياة والتي يعيشها كل واحد منا بصورة مغايرة شكلا, ولكنها قد تكون حالة جماعية في عمق التجارب المشتركة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي, وما أصاب الفرد من عمليات التجريف الممنهج واستلاب آدميته!
فأمام العالم الواقعي يتم – من خلال هذه المجموعة القصصية – تشكيل وصناعة فخاخ خاصة لمزيد من استحضار حالات متتابعة ولاستمرار العالم الخاص على حالة حيوية مصنوعة, فيما تشبه الحيوية!
ربما أشبِّه هذه اللحظة – في المقاربة – بإلقاء حجر في بحيرة راكدة وهادئة على الدوام, الحجر لن يفجر فوران الماء, وتوازيا في عالم الواقع لن تتفجر حالة الحيوية الطبيعية, بل يصنع اللحظة المغايرة مهما تكلف الأمر من أحداث درامية صغيرة في حياة الفرد, أو الذات التي تقطعت علاقاتها بالحياة الجماعية, الحياة الجماعية التي لم يعد لها وجود بفعل التجريف المتعمد, وربما أيضا يظل بحث هذه الذات بشغف وتوق لما يمنحها ” حياة”.
تتجلى صناعة زخم خاص يقاوم الموت, ويؤكد على الحياة ما تطرحه حالة النص ” إخفاء العالموترميز هذا العنوان – بصنعة فنية – في نص قصصي يطرح بانسيابية أسلوبية وربما تعمد السطحية في الطرح أن تظل حرفية القاص في إضفاء واستمرار شعور بالقلق.. يقول في نص ” العالم ص 5″:
كان قلبي يدق بعنف بسبب التوتر فطلبت منها أن تسرع لأن زوجتي يمكن أن تأتي في أي لحظة …” بعد هذه العبارة المشحونة بالتوتر يقول: ” طلبت منها أن تغني الأغنية..” ولعل تناول هذا المشهد بسطحية سوف يظهر تضارب في الحالة الفنية, ولكن تعمد صناعة لحظة متوترة على الدوام ليظل القلب ” يدق بعنف” أو حالة الحياة, لتصل لزروتها في “الفقرة الأخيرة ص 7 “:
” كنا نسمع صوت قدمين تصعدان السلالم وتقتربان من الباب ثم سمعنا رنة الجرس, ولكنها واصلت الغناء وأنا لم أرفع عيني عنها.“
تشكيل اللحظة بما تطرحه من إقبال على حالة, وليست “حياة” هي في حقيقتها إخفاء وإن كان إخفاء فاشلا لهذا الواقع, أو لهذه الحياة, ويبدو أن فكرة “الإخفاء” وتغييب العالم الواقعي بقبحه تقنية فنية يستخدمها القاص في استلهامه في طرح الخاص الناتج عن العام؛ أو المتشابك معه على الدوام؛ فالتشبث بلحظة من عالم الطفولة التي تشبه ومضة مؤثرة على الروح, والتذكرلهذه اللحظة يفتح بابا جديدا لاستعادة – من هذه اللحظات البعيدة – حالة تيقن مؤقت, ومؤقت بحجم حالة الاستدعاء, لصناعة حيوية.
ربما تمثل الحياة الاجتماعية والسياسية شديدة الإحباط دافع أكبر للبحث عما هو شديد الخصوصية ولحظيا, بل يظل التخطيط في توسيع دائرة اللحظة لتستنفذ زمنا أكبر, بين استدعاء حدث طفولي وإعداد المسرح والقفز داخل اللحظة في نص ” إخفاء العالم ” وهو يستوجب أيضا عمل ” الفخاخ ” التي تجعل القلب يدق, والرغبة الجامحة في استرار اللحظة
محاولة مستمرة في نزع الذات المحبطة أمام هذا العالم الذي يستحق الإخفاء, وتأتي عملية “إخفاء للعالم” ضمن آليات بحث الذات عما قد يكون ” شديد الخصوبة لحظيا”, وهي في نهاية الأمر “لحظة”, تلعب الحواس المجبولة على الانقطاع القصري والمؤقت عن العالم وتصبح الكيانات الأخرى هامشية وبلا ملامح!!
الحواس هنا محور الوجود الفردي لتأكيد وجوديتها, والفردية – في هذه المقاربة – تستمد لحواسها ما تراه في الكيانات الأخرى للتخلص من الروافد الواقعية شديدة الوطأة والإحباط, فالأسماء مهملة بصورة كبيرة.. أسماء الكيانات الواقعية, تختفي الملامح الدقيقة والإنسانية لهذه الكيانات ولا تظهر إلا بصورة محدودة وعابرة.
فإذا كانت الملامح الإنسانية مهملة بهذه الصورة, أو الروح الأخرى مهملة, فماذا يستدعى الفرد بفرديته في الآخرين؟! وأي مشاركة تتشكل هنا!! لقد تمت عملية الاغتيال لكياناتهم, وقد تكون محاولة “إخفاء العالم” شكلا وجيها وجاهة المناخ السائد, ووضوحه الفج المسيطر, وواقع الركود المحبط, والذي أصبح حالة مجتمعية, سياسية, أخلاقية, يومية, على مدار العقود السابقة وبفجاجة, وكلها تقضي على إنسانية الإنسان, وتنال من روحه, فيصل – كمراد أمني – للعجز الكامل, لتأتي “الوحدة” النفسية “المُمْرِضة” مثل أبخرة ملل وإحباط مزعج, يدعو للتأفف قسوة ومرارة, الوحدة ضمن كيانات كل منها يعيش وحدته, جزر منعزلة على كثرتها المشهدية, كيانات ضربت في إنسانيتها بآليات متعمدة!!
الخوف أيضا في مواجهة حقيقة هذه المناخات الفقيرة والمحبِطة كلها تدفع إلى ضرورة ” إخفاء العالم “, وإيجاد البدائل بصناعة اللحظة, ليس على سبيل الهروب, فهناك مقاومة – في أدنى صورها – وقد تكون “اللحظة” وتنشيط الحواس التي تصنع صناعة وإن كانت غير حقيقية بالكامل, وتلعب الحواس فيها الدور الرئيسي, قد تكون المحفز – ليس على الحياة الفاعلة أو الوجود الفاعل, وليس حضورا فاعلا وجماعيا كما يجب أن تكون عليه الحياة, لكنه على وجه التقريب ” حَفاظٌ ما ” أشبه بالكمون عن الدور الطبيعي للإنسان, أو الحفاظ على أدنى مكونات الفرد للحظة حقيقية يكون فيها فاعلا قد لا تجيء أبدا.
هي حالة النص أيضا حين ننظر على مشهدية النصوص وتتابعها وما بينها من ترابط عضوي, – مجموعة النصوص – أو القصص, نجد أننا أمام عالم ممتد, يتكشف شيئا فشيئا عبر حالات لايمكن أن تقف عند العين الزجاجية الكبيرة في رصد المشاهد, فوراء هذه العين ” التجربة ” التي دفعت العين للرؤية الواضحة.
محاولات متتابعة لهذه الـ ” ذات ” الفردية وسط ” أفراد / ذوات ” ونشهدها وكأنما استسلمت لوضع مثقل, مترهل, غامض, بلا حيوات حقيقية, بلا مشاركات تظهر ما كان يجب أن تكون, أو ما يجب أن يقتحمه الفرد إلى حالة جماعية فاعلة تُكسب المجموع وبالتبعية الفرد وجودا خاصا, حيويا, وجماعيا مفعما!!
ومثلما كان العنوان فاعلا فنيا في حد ذاته, يلقي ظلالا على النص, رغم مايبدو عليه من انفصال شكلي عنه, ولكنه فاعل مضمونيا بين وجوب ” إخفاء العالم ” وبين ظلال صناعة “اللحظة” التي تكتسب عمقها الدلالي من المناخ الغير مرئي في هذه اللحظة, فنجد كشف الكاتب/ القاص الذي يجسد حالة القهر الإنساني كنتاج لما امتلأبه هذا افنسان تاريخيا, منذ تسلم الحياة بموروثها الاجتماعي والسياسي تحديدا, بفعل تراكم, وما تم تكريسه لعقائد مقدسة مفروضة فرضا لتشكيل حالة “زائفة” وسط حالات مثقلة بذات الزيف, الخلل الذي يصيب الإنسان وينتقص من إنسانيته حتى يصل الأمر أن يعيش الإنسان محتقرا لذاته, متهما إياها بالخزي من الوجود البشري, وطبيعة هذا الوجود..
ربما استدعاء القاص في العنوان – وبمعزل شكلي عن النص – لـ ” جريجور سامسا ” وهو عنوان يستدعي إحدى شخصيات فرانتس كافكا في ” الدودة الهائلة ” أو ” المسخ ” من قصص التحول , ليلقي ظلالا واسعة على ما أصاب الفرد ” الإنسان ” من تداعي كامل حينما تم النيل من ” إنسانيته ” فالتهكم والسخرية والتراكمات التاريخية, والمقدس / الزائف بفعل النفعية السلطوية, كلها أدوات إبادة شديدة القسوة, تقلص حجم إنسانية الإنسان وتصيبه بارتداد إلى داخل ظلامي موحش, شديد المرارة والإحباط, ويظل الإنسان مضطربا وفي حالة اغتراب حاد عن المجتمع والواقع, الواقع ” صانع الخراب”.
فمن خلال الطرح الفني في نص ” جريجور سامسا ” يضع الكاتب حالة الغموض كآلية شكلية, وتظل الشخوص في العالم الافتراضي ” الفيسبوك” ظلالا من بداية النص لآخره, شخوص ليست من لحم ودم, لكنها تمارس التجاهل تجاه إحدى ” ذوات ” الكاتب, ويضع مصطلحات العالم الافتراضي ” الفيسبوك” WALL, LIKE, REFRESH,..  وهكذا ليعطي الإطار الفني واقعية أكثر من الشخوص, وتلعب حالة الاستبطان واللعب بالمستوى النفسي دورها الرئيسي في النص, حالة الحيرة والارتباك, انفصال الشخص عما يحيطه, والتعلق بمجموعة من الافتراضات, تكشف ما يناله من دونية وتعلق بافتراضات واهية, يتحرك بها:
أليس من الوارد أن يشعر أحدهم بالذنب حينما يقرأالرسالة؟ وتحت ضغط الندم يرسل إليه رسالة اعتذار عن التجاهل السابق…” ( صـ 10 جريجور سامسا), ” لماذا حتى لم يضغط أي منهم على like كأنما جمعهم اتفاق سري على تجاهله؟..” ( صـ 16 جريجور سامسا)
وتظل قدريته بأن ينفصل عن الواقع الحقيقي فعندما يجلس مع بعض أصدقائه في المقهى, لا تكون المشاركة الفاعلة والحضور مع هذا الواقع, بل يظل متعلقا بالعالم الافتراضي وشخوصه, ويتحكم هذا العالم في مشاعره وتفكيره, وتأتي علاقته بالواقع الحقيقي رد فعل لتأثير العالم الافتراضي على حالته:
كان يشعر بدوخة متبلدة تفتت عظام دماغه, وبحريق داخلي يقطع كل أعصاب جسمه ولكن كل هذا اختفى فجأة حينما وجد رسالة على الإيميل تفيد بقيام أحد الذين شكرهم بكتابة تعليق على رسالته.. كل شيء تغير للدرجة التي جعلته وهو يفتح الرسالة كي يقرأ التعليق يطلق دعابة عابرة أنتجها ذهنه على الفور إثر التقاطه لطرف حديث كان يدور بين أصدقائه لم يكن متدخلا فيه من البداية..” ( صـ 17 جريجور سامسا).
يكمن الارتباط الفاعل بين العنوان والمضمون في ” جريجور سامسا” في أعلى صوره حين يقول القاص في سرده:
” كان عاجزا تماما عن التحرر من سلطة يعرف أنها متوارية في كل حيز من الخفاء الكوني, وكان على وعي تام بأنها متوغلة في كيانه بشكل لا يمكن الإحاطة بها وتستخدمه كأداة ينفذ بها على نفسه وعلى الآخرين مشيئة مجهولة..” (صـ 12 جريجور سامسا)
ويسرد أيضا ” القاص” ليؤكد استطاعات هذه السلطة وانتصارها في خمش روح الإنسان, وتعطيلها بصورة كاملة:
” لم يكن بمقدوره الانفلات من أسر الإرضاء الحتمي لهذه السلطة التي بدا أنه لا يمكن تضليلها أو تعطيل الإذعان لها فكان عليه الإيمان وبثبات قهري متجذر بكونه مجبرا على الاستجابة لكل ما تمليه عليه أفكاره ومشاعره الباطنية المطبوخة بأيدي هذه السلطة, وكان عليه أن يعتنق وبرسوخ مثالي فكرة أن إشباع شهوتها سيسفر عن إشباعه هو شخصيا في النهايه…” ( صـ 12 جريجور سامسا).
هذه هي الفكرة الأخطر والتي تواجه إنسانية الإنسان في عمق ذاته, لتمسخها كلية, وتترك لها منفذا وحيدا لا يفضي إلا تعايشا على سبيل التماهي مع في هذه السلطة المتوحشة والتحول إن استطاع إغلاق علامات الاستفهام عن وجوده ومشتهياته الروحية والجسدية!!
يسرد: ” كان يريد الحصول على دعم خارجي محايد لتثبيت مسئوليته عن الأزمة والتي كان الإقرار بها أهون لديه بالتأكيد من فشله في التوصل لسب التجاهل ولكنه حينما حُرم من الفوز بهذا الدعم أدرك بشكل تلقائي بأنه تورط في متاهة بارعة لا تخدم سوى هدف واحد وهو تمزيقه بإيقاع متصاعد ومدروس ودون جلبة” ( صـ 14 جريجور سامسا).
حالة من البحث عن إنسانية الإنسان التي أبيدت بفعل فاعل, لقد تم تحوله واقعيا, وفي مواجهة عوالم افتراضية, يفتح الباب لهيمنة سلطة تتحرك بدأب لمسخ الكائنات وضرب إنسانيتهاودفعها للتمحور حول نفسها / ذاتها, فلا تجد إرادة تذكر للمقاومة!! ويرضخ: ” أدركُ أن ثمة أسبابا خفية تدفع بالعالم للتصرف معه على هذا النحو, ولم يكن يمكنه بالطبع ن يصمد أمام رعبه….” ( صـ15 جريجور سامسا).
حالة “الروح القدس صـ 53 ” تطرح أداة السلطة, هذه الأداة التي تتمثل في “الإعلام” وسائل فاعلة موجهة للتخلص من أي موقف جماعي موازي مِن قِبَل الأفراد والمجتمع, فهي أكبر إسهام لانتهاك إنسانيتهم وتدمير الروح الجماعية, ويطرح كيف تنجح السلطة/ الحكومات والنخبة في حظيرتها, والتيارات الدينية الشائهة  – وفق آليات التغييب المستمر – والدائم لعزل الإنسان الفرد والجماعي عن أي قدرة لرد فعل: “بدأ الأمر أثناء حرب غزة نهاية 2008 وبداية 2009 .. على مدار اليوم كان التليفزيون هو الوسيط البارد الذي يمرر بتلقائية نشطة وعمياء سيل الهذيان الوحشي المتدفق بانسيابية غير معقولة, والغريب ببشاعة عن أي خبرة واقعية ممكنة…., أصبح هذا الهذيان أشد انتماء للخيال الهزلي“, بالتأكيد ليس فعل المشاهدة هو أكثر ما يناسب وصف العلاقة يين الجالس أمام التليفزيون وبين الصور الحية التي يستقبلها“( صـ53 الروح القدس)
يسرد: ” ازدياد كم الرسائل التي تأتيني من جهات مختلفة كثيرة جدا كي تبلغني بأن قبورا جديدة تم فتحها كشفت عن أن جثث موتى طالبان والقاعدة وحماس وحزب الله وشيوخ السعودية لم تتحلل في حين أن قبورا أخرى كشفت عن موتى يعذبون عذابا فظيعا لأنهم كانوا مقصريين في أداء الصلاة.. ” ( صـ 56 الروح القدس).
خراب العالم الذي يشارك فيه الجميع, والعالم يكتسب دلالة آنية بين ” حرب غزة ” وبالتوازي مع مأساة “سعاد” المومس التي تجاوزت الخمسين, ولم تعد مرغوبة, فتتشكل حالةالقهر الذي أوجد هذا التضافر في النص بين سطوة الإعلام الممثل للسلطة والتيارات الدينية والنخبة معا  من ناحية, وسقوط “مومس” بفعل الزمن, ربما يمكننا أن نعكس الحالة المتضافرة لنرى التماهي, نكتشف “العهر السياسي” جليا, لا شيء يستر عوراتنا, عجز المتلقى” المشاهد أمام التليفزيون”, ويده المغلولة فيأتي فعل الانتصاب توازيا من خارج المشهد كحالة اعتراض فج, لا يمثل حالة حياة وإخصاب بل عماء خاص, وانفصال – لا يخلو من فجيعة للذات – عن كل شيء, يقول:
كنت مفتونا بذاتي وأنا أشعر بجسدي يتخلص من عاديته ويتحول إلى ما يشبه روحا متحررةغير محكومة بشروط الزمان والمكان..”( صـ 59 الروح القدس).
ستأتي اللحظات في أي لحظة وبلا مبرر كما في بوك استورز, فالجنس هنا نفس حالة العماء بلا إيمان حقيقي بقيمة الحالة, تأتي “لحظة” أخرى كهبةٍ إذ لم تكن متوقعة كما في نص” جماليات الفضيحة” لتصبح عملية البحث دائمة وتجهيز المسرح نوع من الهرولة لإخفاء العالم, وكأنه سيختفي للأبد!!
تحفل أدوات الكاتب في تنوع إطارات القص, وألياته إذ نجد رحابة وقدرة على استدعاء هذه القوالب بسلاسة عفوية, يعتمد على تفجير حالات الأفراد والتي قد تمثل حالته هو في أغلب المحاور أو المضامين, وتظل متماسكة ومتضافرة بقوة, لتخرج بالمجموعة إلى حالة إبداع تتشابك مع العالم بالتنافر فني, حتى يمكن القول من خلال هذه المقاربة لعالم “النصوص/ النص/ المجموعة” أنها وحدة متكاملة تخلص في نهاية الأمر إلى تشكيل عالم خاصر في مرحلة خاصة, وإدانة مضمونية تطرح إشكاليات الواقع, الوجودي الهش, وكيف لهذا الواقع وما يحركه من سلطة متجلية في الواقع, ومتمثلة في نصوص المجموعة, وقدرتها على تقريب الجزع والصمت, وتحويل الذوائق البشرية إلى استساغة المرارة والعجز, بالقوة المفرطة, والإعلام المتماهي بالفساد, والدين البراجماتي / تأويل السلطة للسيطرة على الإنسان!!
 حسني الزرقاوي