الاثنين، 24 ديسمبر 2018

سيرة الرواية المحرمة: هل يجب أن نصدّق نجيب محفوظ؟

ما سأتناوله في هذه القراءة لا أعتبره محتوى ينقص كتاب "أولاد حارتنا: سيرة الرواية المحرمة" لمحمد شعير الصادر عن دار العين، وإنما الفكرة التي كان الاهتمام بمناقشتها سيجعل استمتاعي بالكتاب أكثر عمقًا .. يتعلق الأمر باستفهام لا ينفصل عن الطبيعة التسجيلية للكتاب بما تشتمله من خطوات اقتفاء الأثر لرواية "أولاد حارتنا" عبر الزمن، وتتبع الأحداث والشخصيات، والتنقيب في المصادر والمراجع، والربط بين تفاصيلها، وكذلك التحليلات المقترنة بهذا التوثيق، وإن كان هذا الاستفهام سيساهم في دفع هذا التدوين المجتهد نحو الجدل النقدي غير التقليدي الذي تتطلبه بالنسبة لي كتابة سيرة لرواية كـ "أولاد حارتنا" .. يترصّد هذا الاستفهام بحتمية اقتناعنا بالدفاعات التفسيرية المتعددة لنجيب محفوظ عن "أولاد حارتنا" منذ صدورها وحتى وفاته، وهو بذلك لا يتوقف عن خلق المزيد من التساؤلات التي لا تخص الرواية نفسها فحسب، وإنما تنتمي بالتأكيد إلى الجانب التأريخي لها أيضًا.
ماذا لو أن محفوظ قد أراد حقًا في روايته أن يهدر دم المقدسات التي تم اتهامه بأنه تجرّأ بالتطاول عليها؟ .. لا شيء بوسعه أن يجبر أي قارئ لأولاد حارتنا أن يظل مؤمنًا للأبد بالشروح المتبرّأة لنجيب محفوظ سواء كانت متعلقة بنقد النظام الناصري، أو بالمعالجة الاشتراكية للأزمات الاجتماعية والوجودية، أو بالسعي نحو تفاهم منقذ بين الدين والعلم، خاصة لو كان هذا القارئ واعيًا بقوة المراوغة في الرواية، وتمردها على الأسلوب الفني المألوف في أعمال محفوظ السابقة ـ وهو ما يمكن مقاربته باستفاضة في مجال آخر ـ وخاصة أيضًا لو تم وضع الإيضاحات المختلفة والمتعارضة ـ كما وصفها شعير نفسه في الكتاب ـ لمحفوظ عن "أولاد حارتنا" بجانب ما كان يُسمى بدبلوماسيته الشهيرة، والتي كانت تبدو كقناع متسامح لجوهر ساخر لا يمكن لأحد أن يضبط حدوده، فضلا عن الاستحالة البديهية لكاتب مثله أن يسلّم نفسه بسذاجة قاتلة لأعدائه.
"وهكذا تتواصل تفسيرات محفوظ المتعددة، المتقاطعة أحيانًا، والمتعارضة أحيانًا أخرى على مدى فترات زمنية مختلفة. بعد نجاته من محاولة الاغتيال، كان تفسير محفوظ للرواية سياسيًا بحتًا، على العكس من المرات السابقة، التي كان يراوح فيها بين تفسيرات "دينية" طوال سنوات الستينيات، وبين خليط ما بين الديني والسياسي في السبعينيات والثمانينيات. وهذا التحول لم يكن مقصورًا على محفوظ نفسه، بل امتد أيضًا إلى عدد من النقاد الذين اختلف تفسيرهم النقدي للرواية".
إذا كنا دائمًا ـ وفقًا للتعارضات، والقرائن الغامضة، والاستنتاجات غير المحسومة ـ نتحدث عن احتمالات لا يحتاج إفساد اللعبة أو الدعابة التي تُشكّلها سوى تأويلها كملامح ليقين ثابت؛ فإننا نستطيع التفكير في الاستفهام السابق كاحتمال مغاير .. كتصوّر له مبررات يمكن تأملها وتشريحها ومراقبة إشاراتها المحفّزة .. كأرق فلسفي غير مستقر، أو قبول وارد لحقيقة مؤقتة أو دائمة لدى نجيب محفوظ عند كتابة "أولاد حارتنا" .. لهذا سأصوغ هذا الاحتمال وعلى نحو مختصر في شكل تساؤلات ناجمة عن الاستفهام الأصلي الذي سبق أن أشرت إليه: ماذا لو أن نجيب محفوظ كان يفكر أثناء كتابة الرواية ـ أو لم يستبعد هذا الهاجس ضمن هواجس عديدة ـ في أن هذا التاريخ المحظور منذ بدايته المرجعية، وبكل ما يتضمنه من وقائع مكوّن في الحقيقة من سرديات متصارعة، أو تراكم فادح ومتشابك من مرويات السلطة القابلة لإعادة الكتابة أي للتقويض المستمر .. ماذا لو أن نجيب محفوظ قد استخدم السمات المميزة والأثيرة لعالمه الكتابي في هذا التقويض: الحارة والفتوات والوقف على سبيل المثال، لا لكي ينّقي أو يعدّل أو يكتشف حكمة مثالية مهجورة لهذا التاريخ ـ كما يشيع في تفسيراته خارج الرواية، وكما تتجه المناقشات السائدة حول تأثر محفوظ بالموروث الديني، واستثماره للقص القرآني ـ وإنما ليمحوه، ليساعد زيفه المعرفي على أن يبدو ناصعًا حين يُجسّد، وهو ما يمكن النظر إليه كتطور لهذه العلاقة بين محفوظ وذلك الموروث السردي .. ماذا لو أن نجيب محفوظ قد أراد في "أولاد حارتنا" أن يفكك وهم المطلق من أساسه المترفّع، وعبر صوره وتمثلاته المتعاقبة سواء كان هذا المطلق مهيمنًا بالغيب، أو متنكرًا في سيطرة العلم .. ماذا لو أن هناك جذورًا متوارية لما يُسمى بالغضب الفلسفي ـ الذي يتجاوز المُشار إليه في الكتاب بالقلق الفكري ـ عند نجيب محفوظ قد وصلت به إلى ذروةٍ ما بعد يوليو 1952 ـ وهو ما سيظهر بوضوح في الأعمال التالية لأولاد حارتنا ـ الأمر الذي جعله يرصد في الرواية هذا التناسخ الأزلي بتجلياته المختلفة بين فتوات الميتافيزيقا وفتوات الواقع .. ماذا لو أن نجيب محفوظ قد قصد أن يستعمل "أولاد حارتنا" كحيلة روائية محرّضة على التفكير في أن كل "بطل كوني" يمتلك الخصائص الإنسانية مهما كان يستطيع أن يكون نقيضه، أو أنه يحمل هذا النقيض في أعماقه بفضل الأصل الذهني المشترك الذي لا يقدر أن يكون محصّنًا، ولهذا يمكن لأي تقسيم بشري أن ينطوي على دلائل عبثيته، أي الدوافع اللازمة لخلخلته .. لماذا لا تكون "أولاد حارتنا" هي المعادل الروائي للمنظومة التي بلا وزن بحسب جان بودريار؛ حيث الرب الذي يضمن استبدال الرمز بالمعنى يمكن محاكاته، واختزاله في الرموز التي تكوّن العقيدة "الاشتراكية .. الدين .. الثقافة .. القومية .. الأخلاق ... إلخ"، الزيف العملاق الذي يستحيل معه استبدال المنظومة بشيء حقيقي، لأنها تتبدل بنفسها في دائرة محكمة بلا مرجع أو محيط .. لماذا لا نتخيل أن محفوظ قد أراد أن يخدع الجميع، وبعيدًا حتى عن الاستحالة البديهية التي ذكرتها لأن يؤكد غرضه التخريبي للأساطير المتعالية في "أولاد حارتنا" في مواجهة الشيوخ والضباط والكتّاب والنقاد والصحفيين والقراء، وبعيدًا أيضًا عن "دبلوماسيته" المعهودة؛ لماذا لا نعتبر أن الشروح المتبرّأة والمتعارضة كانت تنويعات متغيّرة لهذه الخدعة، أي طريقة للاستمرار في كتابة الرواية تعتمد على المبالغة المتعمّدة أحيانًا في الاختباء وراء توافق ما، أو تبني الاقتراحات التأويلية الأقل إزعاجًا ـ كالحل الموفق بين من اتهموا الرواية بالإلحاد، ومن وصفوها بأنها عمل صوفي، والمقصود به علاقة "أولاد حارتنا" بـ "العودة إلى متوشولح" لبرنارد شو، وهو الحل ذاته الذي يمكن توظيفه لإثبات رؤية مضادة لما كتبه نجيب محفوظ إلى فيليب ستيوارت، أو بالأحرى لطبيعة تأثر محفوظ المحتملة بعمل برنارد شو ـ أو التمسّك بنوع من التوازن الخبيث بين ما يُطلق عليه "الحفاظ على كرامة الإبداع"، وبين عدم التورط في حروب خاسرة تهدد هذا الإبداع، بين أن تكون حرًا في أن تعتقد أو تكفر بشيء، وبين أن تحاول الحصول على ضمان ولو في حدّه الأدنى من الأمان الشخصي داخل هذه الحرية .. لماذا لا نفكر في أن هذه الرغبة في إحداث التوازن عند نجيب محفوظ لا ترجع إلى الخوف ـ وهو شيء لا يمكن إدانته فضلًا عن براهين غيابه، أو على الأقل عدم توّحشه عند محفوظ ـ بقدر ما هو نابع من استمتاع عظيم بتنظيم المفارقات الساخرة خارج الكتابة، أو التي بوسعها أن تحافظ على امتداد غير محكوم لمتن الرواية، تواصل من خلاله إنتاج نفسها كسرٍ مستفز حقق إرادته، ويريد أن يحصل على صك الاعتراف حتى من خصومه، باعتبار أن هذه الخصومة خاطئة في حد ذاتها، لأنها راجعة لسوء فهم تلك النيّة المبيّتة لتمرير الانتهاك الذي سيظل متمنّعًا.
موقع "الكتابة" ـ 23 ديسمبر 2018

الأربعاء، 12 ديسمبر 2018

حكاية صغيرة عن "جرثومة بو" ومملكة العجائب

أثناء كتابتي لنوفيلا "جرثومة بو" طلب مني أحد الأصدقاء، وكان قد تحدث مع ناشر سوري عن موضوعها أن يُطلع هذا الناشر على جزء مما كُتب منها بناءً على رغبته .. تواصل الناشر السوري معي مباشرة بعد قراءة الجزء الذي أرسلته لصديقي، وأبدى رغبة قوية في نشر النوفيلا .. لكنه في نفس الوقت طلب مني استبدال اسم الدولة التي جاء في سياق النوفيلا أن شابًا مصريًا تم اعتقاله وتعذيبه بوحشية في أحد سجونها، وهي قضية صحفية اشتغلت عليها بالفعل في أواخر التسعينيات؛ طلب الناشر السوري استبدال اسم الدولة بـ "المملكة" فقط .. قال لي أن عدم تحديد البلد المقصود سيكون أنسب الحلول لتفادي العواقب السيئة الأكيدة؛ حيث يمكن أن تكون هذه الدولة هي المملكة الأردنية أو المغربية أو البحرين أو السعودية .. قلت له: أو "مملكة العجائب"؛ فضحك الناشر متوقعًا موافقتي على اقتراحه لكنني رفضت .. كان لدي تفهّم تام لحرص هذا الناشر على استثماراته في هذه الدولة، ولكن رغبتي في وجود تفاصيل القضية داخل النوفيلا كما كانت، وكما عشتها تمامًا لم تسمح لي بمجرد التفكير في القيام بهذا التنازل .. هذه الرغبة تتضمن كل شيء: ألا يُنسى هذا الشاب، وما حدث له دون إخفاء أية معلومات .. أن يكون هناك ما يُذكّر دائمًا بمصيره الغامض .. أن أنهي ما بدأته قبل عشرين عامًا من أجل قضيته .. على هذا اعتذرت للناشر السوري، شاكرًا له اهتمامه، ورغبته التي أكدها لي مرارًا في نشر النوفيلا .. ونظرًا لعدم استعدادي لخوض هذا النقاش ثانية مع أي دار نشر عربية أخرى، وكي لا أتسبب في أي حرج لأصدقائي من الناشرين المصريين فقد قررت نشر النوفيلا إلكترونيًا عن دار عرب التي يملكها صديقي العزيز شوقي عثمان وفقًا لطلبه .. بعد أن نشرت الغلاف في صفحتي على فيسبوك مع إعلان موعد نشرها بعد أسبوع؛ طلب مني العديد من الأصدقاء تأجيل النشر حتى يكون هناك إمكانية لإصدارها ورقيًا .. في نفس اليوم وصلتني رسالة كريمة من صديقي المبدع العزيز د. لؤي حمزة عباس يخبرني خلالها برغبته في أن يحاول نشرها في العراق .. بكل التقدير أرسلت له النوفيلا، وأعلنت على فيسبوك أنني سأؤجل نشرها إلكترونيًا بالفعل انتظارًا لهذه المحاولة، ولكن بعد فترة جاء الرد المتوقع .. قال لي د. لؤي بأنهم أخبروه في دار النشر التي عُرضت النوفيلا عليها أن نشرها كفيل بمنع إصداراتهم من دخول معارض الخليج، وهم بالطبع على حق .. لكن خلال فترة الانتظار هذه استمعت لكثير من نصائح الأصدقاء المبدعين والقانونيين الذين تحدثت معهم عنها، وأجمعوا على ضرورة إجراء هذا التعديل ـ ليس خوفًا من المناشير J ـ وإنما لتفادي ردود الفعل العدائية المحتملة للغاية في مصر من أي "مواطن شريف" أو "محامي غيور" أو "إعلامي وطني" .. في عام 1998 نشرت قصة هذا الشاب بوضوح كامل ولغة كانت صادمة للجميع حينئذ، في الوقت الذي لم تجرؤ خلاله أكثر الصحف "شجاعة" على نشر ما يتجاوز "استغاثات مقتضبة" عن الموضوع .. كان هذا جزءًا حتميًا مما كنت أعتبره واجبًا ومسئولية أثناء عملي في الصحافة .. لكنني الآن ـ ومثلما حدثني الأصدقاء ـ لست في حاجة لمواجهة تهديد قائم دون ضرورة .. أعترف أنني أجريت هذا التعديل بشعور سيئ، ولكنني أعترف أيضًا بقوة مبرره أو بالأحرى بداهته التي كانت علاقتي القديمة بقضية هذا الشاب تقف بيني وبين الإنصات له .. هذه الدولة لا تعنيني، وأبسط ما ينتمي إلى حياتي الخاصة يجرّد حكّامها من أي أهمية، كما أن النوفيلا ليست مشغولة بالمكان الذي تم اعتقال وتعذيب هذا الشاب المصري فيه بما يتجاوز البُعد التوثيقي الذي ذكرته، وإنما بالتوظيف الخيالي لتفاصيل هذه القضية، ولهذا فإنني ـ بالطبع ـ لا أريد أن أدفع ثمنًا أكثر قيمة مما يُسمى بـ "الوطن العربي" بأكمله مقابل شيء ليس محل اعتبار عندي أصلًا .
ورغم هذا التعديل فإنني أصررت على نشر النوفيلا إلكترونيًا، وذلك لثلاثة أسباب: كي لا يتم تصنيف هذا التعديل كرضوخ لرغبة دار نشر أيًا كانت .. مرور وقت طويل على الانتهاء منها، ورغبتي في عدم تأجيل نشرها أكثر من ذلك .. صدور مجموعتي القصصية "المطر في كارمينا بورانا" ورقيًا في بداية العام الجديد، وهو ما يعني الحاجة بشكل ما إلى ترك مسافة مناسبة بينها وبين كتاب جديد آخر.
أختم هذه الحكاية الصغيرة بالتأكيد على ثقتي في وعي أصدقائي الأعزاء في هذه "المملكة" من الكتّاب والنقاد الذين تربطني بهم صداقات قديمة منذ ما قبل الفيسبوك، ويعلمون جيدًا محبتي واحترامي لهم.
تحميل النوفيلا
موقع "الكتابة" ـ 9 ديسمبر 2018

الأحد، 9 ديسمبر 2018

ورشة فن كتابة القصة القصيرة (بالمنصورة)

تعلن مؤسسة Motivation للتدريب و التطوير بالمنصورة عن فتح باب قبول الدفعة الثانية من ورشة (فن كتابة القصة القصيرة).
المطلوب للدفعة 10 متدربين فقط.. مدة الدراسة شهران، بواقع محاضرتين أسبوعيا.. مدة المحاضرة 3 ساعات، فيما يساوي 48 ساعة تدريبية.
يشرف على الورشة الكاتب و الناقد الكبير/ ممدوح رزق..
تتضافر الدراسة النظرية (من خلال دراسة أهم نماذج القصة القصيرة في العالم، و دراسة تقنيات الكتابة القصصية) مع الدراسة العملية (من خلال تمارين الكتابة المتنوعة، و التدرب على تقنيات القص عمليًا) لتضع المتدرب في بيئة مثالية للتعلم و تطوير مهاراته و أدواته الأدبية.
يتم إصدار كتاب إلكتروني – بالتزامن مع حفل التخرج – يتضمن القصص التي كتبها المتدربون خلال فترة الورشة، و يُنشَر هذا الكتاب على كبرى المواقع الإلكترونية المعنية بالكتابة الإبداعية.
_________________
المحتوى:
ـ قراءة القصة القصيرة وتحليل عناصرها وجمالياتها عبر نماذج متعددة من التاريخ.
ـ رصد الأفكار، وتشريحها، وتحويلها إلى نص قصصي.
ـ خلق الشخصيات والأحداث والمشاهد، وكيفية تحويل القصة الأصلية إلى قصص أخرى مختلفة.
ـ اكتشاف الموضوع القصصي من خلال أسئلة الذاكرة والخيال وتدوين الواقع.
ـ بناء الخدعة القصصية: تكوين الفراغات، واللعب بالزمن والانتقاء اللغوي، وتدبير المفارقات بواسطة الرموز، وتركيب الكولاج عبر الصور المتباينة.
__________________
عن المشرف:
-
ممدوح رزق
-
كاتب وناقد مصري.
-
صدرت له العديد من المجموعات القصصية والشعرية والروايات والمسرحيات والكتب النقدية..
-
كما كتب سيناريوهات لعدة أفلام قصيرة.
-
حصل على جوائز عديدة في القصة القصيرة والشعر والنقد الأدبي.
-
تُرجمت نصوصه إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
-
أشرف على ورشة "أركادا" للقصة القصيرة.
-
شارك في تحكيم العديد من جوائز القصة القصيرة.
-
يكتب مقالاته النقدية في جريدتي "أخبار الأدب" و"الحياة" اللندنية، ومجلة "عالم الكتاب"، وموقع الكتابة الثقافي.
___________________
قيمة الورشة: 500 جنيه ..
خصم خاص 40% بمناسبة افتتاح المؤسسة، لتصبح قيمة الورشة: 300 جنيه.
للحجز يُرجى الاتصال على الأرقام التالية:
01030001670
050 - 2386506
أو عن طرق المكان:
ش الجلاء الرئيسي، أمام حمام سباحة التربية و التعليم و مدرسة شجرة الدر، أعلى صيدلية د. فكري صديق، الدور التاسع، مؤسسة Motivation للتطوير و التدريب.
____________________
آراء بعض متدربي الدفعة الأولى:
لا أعتقد أنني استطعت أن أجمع داخل جٌعبتي كُل الخبرات، ولكن الورشة كانت نافذة مُختلفة لكتابة وقراءة القصة القصيرة، مساحة لتلقي رؤية جديدة، تبادل خبرات وتجارب مُتنوعة، مساحة للابداع والتحرر من الشكل التقليدي للقصة القصيرة. فكلمة كُل الخبرات بكُل تأكيد – وأنا مُرتاحة- أقول أنّها تحتاج وقت أطول.” _ الكاتبة/ سارة طوبار.
إذا أردت الحديث عن الورشة، فلن أجد أفضل من تلك اللحظة التي انفجرت فيها فكرة ما في رأسي، ومضيت أكتبها بكل سهولة، لأنطلق منها وبسببها. ومنذ بدأت الكِتابة في سن صغيرة، لم أكتب ولو مرة واحدة بنفس السهولة التي شهدتها في الورشة، دومًا كنت خائفة أو مُرهقة أو تائهة. وعلى مدار الورشة لم تصبني أي من كُل هذا إلا بنسب لا تّذكر مقارنة بالماضي. الفضل يعود للأستاذ ممدوح الذي كان يعمل على إزالة الحدود والحواجز لننطلق، يضع بين أيدينا المساعدات ويشدد على عدم خوفنا.
أذكر مثلاً في إحدى المرات، طلب منا إعادة كِتابة قصة لكاتب كبير، برؤيتنا الخاصة. عُدت للمنزل وفكرت في الأمر، امتلاك القدرة على إعادة تشكيل ما لا يعجبني، وإخضاعه لرؤيتي أنا، فهذا أمر غريب، ولكنني مضيت أكتب، وبما يُناسبني ويناسب عالمي الخاص. استطاع الأستاذ ممدوح أن يفتح لي بابًا لم أتجرأ على الاقتراب منه. هذا ما فعله معنا –ومعي تحديدًا- أنّه نزع عني الخوف.
أذكر في حفل التخرج، ويوم الختام، أخبرته بأنني لن أسمح مجددًا بأن يُخبرني أي أحد مهما كان بأنني لا أستطيع الكِتابة، لحظتها تغيرت ملامحه للجدية التامة مشوبة ببعض الاستنكار، وطلب مني ألا أسمح بهذا. نظرته تلك هي تلخيص للورشة. هو آمن بنا جميعًا، حتى في أقل لحظات إبداعنا، فجعلنا نؤمن بأنفسنا.” _ القاصة و المترجمة/ نداء الحلوجي.
لما احتضنت القلم لأول مرة في ورشة القصة، أدركت أنني لن أشعر بالوحدة والعجز مرة أخرى.” _ نورهان البدوي.
______________________
روابط هامة:
-
لتحميل كتاب تخرج الدفعة الأولى (ست وعشرون عينًا على الجسر).
https://tinyurl.com/ybye75yk
-
لمشاهدة صور حفل تخرج الدفعة الأولى:
https://tinyurl.com/yawcboyy
-
بعض ما كُتب عن الورشة:
https://tinyurl.com/ydholq7f

الاثنين، 3 ديسمبر 2018

جزء من نوفيلا "جرثومة بو" ... تُنشر قريبًا

دكتور محمد الحسيني سيد خاطر .. العيادة ممتلئة عدا كرسي واحد، كأنه المخصص من أجلي، ولن يجلس عليه أي شخص آخر .. أدفع ثمن الكشف بارتياح لكفاية ما معي من نقود .. أجلس حريصًا على عدم حدوث مواجهة بين عينيّ وعيون الآخرين .. لكنني لا أستطيع الحفاظ على هذا الحذر .. أرفع بصري بتردد نحوهم .. لا أحد ينظر لي .. لا أحد ينظر إلى الآخر .. لكل عينين نقطة في الفراغ تحدقان فيها .. لكل نظرة ممر تعبر منه خارج هذا الفراغ .. رجال ونساء بأعمار متفاوتة تغطي رحلة الإنسان منذ المراهقة حتى نهاية منتصف العمر .. رجال ونساء صامتون .. لا يمكن تحديد أي منهم بمفرده، ومن منهم برفقة آخر .. لكنني أعرفهم جميعًا .. لا يوجد بينهم من لم أقابل وجهه بمكان ما في هذه المدينة .. في شارع، حديقة، مقهى، صالة فندق، داخل محل، فوق كوبري، على رصيف محطة القطار .. لكنهم لم يكونوا هكذا .. كانوا حينئذ بشرًا عاديين، يظهرون بسلوكيات نمطية تخلو من الغرابة، أي لا يبدو عليهم الاستعداد للمجيء إلى هنا، أو ربما كان ذلك المظهر الطبيعي هو دليل اقترابهم من هذه الكراسي .. حينما يُفتح هذا الباب المُقبض ليخرج شخص ما ثم تُشير الممرضة لأحد الجالسين بالدخول؛ أعرف أنهم ليسوا جميعًا فرادى .. هناك زوج وزوجة .. أم وابنها .. أب وابنته .. رجل وأخ أو ربما صديق أو قريب له .. لكنهم كانوا يبدون كأنما جاءوا إلى هنا بعد أن طردتهم اللغة خارجها .. لم يتكلم أي منهم كلمة واحدة مع الآخر فتحوّلت حجرة الاستقبال إلى ما يشبه سرادق عزاء ينقصه التوصل إلى معرفة هوية الميت .. ربما يستطيع هذا الإله الجالس في الداخل بملامحه المجهولة لي، والذي يتعاقب على الامتثال بين يديه كل هؤلاء المنبوذين من فكرة الألوهة؛ ربما يستطيع أن يعيد الحياة إلى ذلك الشيء المبهم الذي لا يستوعبون كينونته، وهو ما قد يعني إعادة تدوير المزيد من الكلمات المؤقتة .. أنا أريد هذا .. أتمنى ألا يتعدى الأمر بالنسبة لي سوى الاحتياج إلى تلك الرحمة الزائفة من اللغة .. التي سأستمتع بتفتيتها مع علب السجائر، وزجاجات الستلا، وأطباق الفول سوداني داخل "مارشال المحطة" في كل مرة أستطيع خلالها أن أسرق شيئًا ثمينًا مخبوءً لن يمكن ملاحظة اختفائه من مقتنيات أسرتي ثم بيعه للمخنثين من تجّار المسروقات برخص التراب .. أتوسل إليك يا من تمثل الدناءة الغامضة في ذاتها أن تجعل هذا الطبيب يخبرني بأن التنميل والخذلان في أطرافي ليس بداية ضمور النخاع الشوكي، وأنني في حاجة فقط ـ مثلما يخبرني أطباء آخر الليل في المستشفيات ـ لـ "راحة الأعصاب".
* * *
في صباح اليوم التالي يخرج من منصور من بيته .. يمشي ببطء مبتهج، خفيفًا كطفل يخطو خطواته الأولى .. مشي أقرب إلى طيران متمهل، ثملًا بنقائه الخالص في بداية معجزة تتحقق .. يسير داخل المسارات التي تعوّد طوال الأربعين سنة الماضية أن يدور بينها كأنما صارت هذه الشوارع اختزالا جامدًا لهويته المكانية في تاريخ المدينة .. يتأمل الوجوه باحثًا عن الغنائم الملائمة بالنسبة إليه كي يبدأ بها في دفع العالم نحو أسطورته الأخيرة .. الملامح التي يعرفها منصور تمامًا بوصفها نسخًا متوارية من ملامحه، والتي سيستعملها لتنفيذ المهمة التي كتبت زيارة الغراب له أمس نقطة انطلاقها .. لم يكن منصور يبحث عن الوجوه المألوفة التي لن يستبعدها من الضحايا المشردين، والمعدمين، والصعاليك التقليديين، والمنبوذين، والخائفين، والمقامرين، والمعطّلين، والفائضين عن الحاجة، والذين يجلسون في المقاهي الصغيرة المنزوية في الوقت الذي يجب أن يكونوا خلاله داخل بيوتهم .. بل كان يفتش أولًا عن ملامح أخرى، أقل عمومية وأكثر دقة من أبناء سفاح المدينة .. عن الذين يشبهونه في كيفية التخطي لأحلام وكوابيس الحياة والموت نحو الحقيقة الصافية للعالم التي ستمحو أية صور أو احتمالات أخرى له .. الحقيقة التي ستولد وتنمو وتتطور وتتعاظم وتطغى وتبتلع كل شيء لتكتب النهاية بنفسها.
موقع "قاب قوسين" ـ 1 ديسمبر 2018