الأربعاء، 29 مارس 2017

«رجال التحري المتوحشون» لروبرت بولانيو ... شعراء مغامرون

أن تكتب تاريخاً روائياً لحركة شعرية، فهذا يعني بالضرورة أن تمنح سيرتها حقيقة تتجاوز احتمالات الواقع والخيال. الحقيقة التي سيتكفل السرد بتكوينها تدريجياً، ليس فقط بواسطة الذخيرة المعروفة: الشخصيات والأماكن والأزمنة والأحداث والحوارات والإيقاع والتنظيم الشكلي، وإنما أيضاً بواسطة المحتجب في عتمة التفاصيل، والمتواري داخل الفراغات الذهنية والنفسية للحكايات. فتح روبرت بولانيو (1953 - 2003) في روايته «رجال التحري المتوحشون»، الصادرة حديثاً عن منشورات الجمل، بترجمة رفعت عطفه، باباً كبيراً للتفكير والجدل حول العلاقة بين الحياة والأفكار الجمالية للتمرد. بين الكتابة كمواجهة للعالم، والأجساد التي تتحرك في هذا العالم بتحريض من هواجس ورؤى الكتابة. ماذا عن السلطة (الجماعية) في الأفكار والحياة؟ ما الذي يسيطر على العلاقات المتشابكة، أو يحكم الصراع بين أبطال (عصابة) أدبية، وهم يحاولون تحقيق انتصارات لائقة بما يؤمنون به؟ من الذي يستعمل الآخر: الكتابة أم أجساد الكتّاب؟
(سجلت بعد شهر في ورشة شعر خوليو ثِسَر آلامو، في كلية الفلسفة والآداب، وبهذه الطريقة تعرفت إلى الواقعيين الأحشائيين أو الأحشائيين الواقعيين، بل وحتى الأحشائيين، كما يحبون أن يسموا أنفسهم أحياناً).
في هذا العمل الروائي الضخم (832 صفحة)، والمقسّم إلى ثلاثة أقسام «مكسيكيون ضائعون في المكسيك 1975»، «رجال التحري المتوحشون 1976 - 1996»، «صحارى سونورا 1976»؛ يعطي روبرت بولانيو من خلال يوميات خوان غارثيا مادرو، ما يشبه الإجابة الضمنية أو ما يمكننا أن نسميه موقفه الخاص من هذا الجدل على نحو غير مباشر، فتكوين الحقيقة لدى بولانيو هو عمل مخادع، ساخر، ذلك لأن التاريخ الروائي الذي يكتبه لحركة «الواقعيين الأحشائيين» هو بالأساس شكل من كتابة التاريخ الشخصي لبولانيو نفسه، وهو تاريخ بالضرورة أيضاً يتجاوز احتمالات الواقع والخيال. هذه الذاتية التي ترسم صورة الجماعة الأدبية هي ما تمنحها البُعد الحلمي أو الأسطوري الذي لا يتحقق في الطرق التجريدية الأخرى للكتابة. لقد جعل صاحب «النجم البعيد»، و»تعويذة»، و «ليل تشيلي» للحركة الشعرية إطاراً سردياً ينطوي على شيء أبعد من الأفكار، أو من تجليات هذه الأفكار في كتابات أعضائها، وهو التوتر الهازئ. الدعابة البوليسية الممتدة بين أدمغة الشخصيات عبر جغرافيات وحقب مختلفة، والتي حوّلت أجسادهم إلى عناصر في لعبة أكروبات حكائية.
(كنت أقرأ وكان ينظر إلى السقف أو الجدران أو إلى وجهي، وروحه لم تكن هناك. قرأت له بعد ذلك مختارات من قصائد سالفادور نوبو وحدث الشيء ذاته... دخلت أمه إلى الغرفة ولمست كتفي. لا تتعبي نفسك، يا آنسة، قالت).
ربما يمكننا الشعور أثناء تتبع تلك الخطوات التي تمزج بين الشعر والجنس والصداقة بأن الشغف لا يكمن في التفاعل أو الصدام بين خيوط حبكة محددة وأطرافها، وإنما يأتي من تلك المسافة المبهمة التي يحتلها روبرت بولانيو بين ماضيه، والمشهد الروائي العام الذي يتلاحق بقوة التهكم. لا يسعى بولانيو في «رجال التحري المتوحشون» للدفاع عن قيمة ما، أو لإثبات نوع من التناغم أو الانسجام في رحلة البحث عن الشاعرة المكسيكية ثساريا تيناخيرو، التي تبدو كأنها بالتعبير الميثولوجي (ربَّة شعر) غامضة أكثر من كونها كاتبة مختفية، بل يريد الاحتفال بالمتاهة ذاتها، بالتناسخ بين العالقين في أوهامها، وبالكتابة التي تسخر من الفرضيات والدوافع التي قادت إليها. إذا كان بإمكان أي منا أن يكون «أرتور بلانو» أو «عوليس ليما»، رجلي التحري المتوحشين، بتناقضاتهما؛ فهذا سيعني أيضاً أن لدينا شهادات يمكن توثيقها حول تلك المتاهة، رصد لما حصلنا عليه أو بالأحرى لما فقدناه أثناء التنقل بين مواقع (صحاري) مختلفة بحثاً عن حرية أو إلهام أو ثغرة منقذة، أي أن لدى كل منا قصيدة واحدة على الأقل لم تُكتب، يمكن أن تكون بصمته الوحيدة الحقيقية، أو الأثر الذي يعطي الصيغة الأعمق لغيابه.
(لم أتأخر في معرفة أنه تعلم اللغة المحلية، لغة تلك الأرض التي لا قيمة للحياة فيها، وأنها في الجوهر المفتاح الوحيد - إلى جانب المال - الذي يفيد في كل شيء. غادرت في اليوم التالي إلى مخيمات اللاجئين وحين عدت لم يكن موجوداً، وجدت في الفندق ملاحظة يتمنى لي فيها حظاً سعيداً).
إن الدليل الأكثر قوة للدعابة عند روبرتو بولانيو في «رجال التحري المتوحشون»، هو الارتفاع بنبرة التهكم داخل المساحات التنظيرية والجنسية في الرواية، والتي يتخذ أسلوبها بطريقة ما سمة التساذج المتعمّد، أو على الأقل الحياد المدبّر بغفلة مقصودة، لكن هذا التهكم يبدو كذلك كأنه يضع السر، أو ما يظهر كسرٍ روائي في مكان آخر. إنه ينقل عتمة التفاصيل، والفراغات الذهنية والنفسية التي أشرتُ إليها في البداية إلى حكايات الكتابة عند ذلك الكاتب الذي يقرأ ويراقب ويجمع المعلومات، خصوصاً تلك التي تشكّل هويّات أولئك الذين يحاصرونه من الكتّاب الآخرين داخل ما يسمى بـ(الحياة الثقافية) ثم يختبرهم كخامات يمكن استخدامها في خلق رحلة كونية يحاول أن يكتشف الموت من خلالها، المزحة التي يجب للكاتب ارتكابها كرجل تحرٍ متوحش يطارد ذاته.
جريدة (الحياة) اللندنية ـ الثلاثاء، 28 مارس/ آذار 2017 

السبت، 25 مارس 2017

السينما المصرية القديمة: أحلام سكان المريخ بالأبيض والأسود

حينما يستخدم السينمائيون المصريون الأكليشيهات والأنماط التمثيلية القديمة لأفلام الأبيض والأسود في أعمالهم؛ فذلك غالبًا من أجل إنتاج كوميديا تتهكم على المبالغات الخطابية والرومانسية التي ميزت هذه الفترة الطويلة من السينما .. لكن الأمر يتجاوز بالتأكيد الأشكال الأدائية ليمتد مهيمنًا على كل ما له علاقة بصناعة الفيلم: العنوان والسيناريو والحبكة الدرامية والشخصيات والتصوير والإخراج .. يمتد إلى سؤال أظن أن هناك كثيرين فكروا في إجابته ولو مرة واحدة على الأقل: ما هي نوعية المشاهدين الذين كانوا يتفاعلون مع هذه الأفلام ويصدقونها ويتجاوبون معها؟ .. أي متفرج كانت تؤثر فيه هذه القصص الركيكة، والحيل السينمائية الساذجة، والشخصيات النمطية الباهتة التي تملأ كل هذه الأفلام بحوارات وانفعالات تصل في كثير من الأحيان إلى حد البلاهة؟ .. الذي يتساءل مستخدمًا هذه التوصيفات لن تعوزه قطعًا الأمثلة والنماذج التي يمكنه أن يدلل بها على استفهامه، والذي لن يخلو من التعجب والاستنكار: يكفي أن تستعيد أداء ممثلين كـ (زكي رستم) و(عبد الوارث عسر) و(حسين رياض) و(يحيى شاهين) و(شكري سرحان) و(عماد حمدي)، وبالطبع (يوسف وهبي) .. يمكنك أن تستعيد أيضًا من الممثلات: (مديحة يسري)، (فاتن حمامة)، (مريم فخر الدين)، (هند رستم)، (نادية لطفي)، (أمينة رزق)، وبالطبع كذلك (ماجدة) .. كل هؤلاء وغيرهم الكثيرين بالتأكيد، ربما لم يخطر في بالهم ـ حتى وهم في قمة الإيمان بأن معظم أفلامهم خاضعة لشروط السوق التجاري وقتئذ ـ ربما لم يخطر في بالهم أن جانبًا كبيرًا من الخلود الذي ستحققه أفلامهم سيعتمد على توظيفها في البرامج الفكاهية، ومسلسلات السيت الكوم بعد مرور عشرات السنوات عليها!. يسهل القول أن كل شيء في الماضي كان مختلفًا لأقصى درجة: الوعي الفردي، وثقافة المجتمع، والظروف السياسية والاقتصادية ... إلخ .. لكن التساؤل الأهم في تصوري هو لماذا يعطي الاختلاف هذه النتيجة؟ .. ما الذي يجعل الأفلام القديمة تبدو خصوصًا وهي تتناول ما يمكن تسميته بالمآسي الكبرى والفواجع الهائلة تبدو مضحكة إلى هذا الحد بالتوازي مع كونها ذات تأثير سيئ على المرارة؟ .. ما الذي يجعلها في أحسن الأحوال أقرب إلى الكارتون الممل منها إلى الواقع؟ .. ( الواقع ) إذن ربما تكون هي الكلمة الهامة التي يمكننا أن نفكر فيها طويلا .. نفكر في الواقع التالي لنا بنفس الشغف الذي نفكر من خلاله بالواقع الذي سبقنا؛ حيث يمكن بعد سبعين عامًا أو أكثر من الآن أن يجلس شخص آخر ويكتب كتابة كهذه عن أفلام اليوم .. ستبدو سينما اليوم طفولية ـ رغم أن معظمها يبدو لي كذلك الآن ـ لا تنفع سوى للتسلية في أدنى درجاتها إن وجدها أحد مسلية فعلا .. لكن اليوم هناك من يجلس لمشاهدة أفلام الأبيض والأسود من أجل التسلية أيضًا رغم كافة عناصر الفرجة الترفيهية الحديثة التي تملأ حياته عن آخرها .. ليس المشاهد الذي كان يجلس في صالات السينما منذ أكثر من خمسين عامًا مثلا ، ولا يزال وفيًا للأفلام التي تركت أثرًا في وجدانه فحسب، بل أيضًا المشاهد الحديث الذي يرى في مشاهدة الأبيض والأسود استرجاعًا لطفولة غائبة .. ليست طفولته الشخصية، وإنما طفولة العالم حيث كانت الدنيا بالنسبة له لاتزال منعزلة في رفاهية التعتيم عن قسوة المستقبل الذي يعيشه هو الآن كحاضر .. رغم أن الحياة كانت في الماضي لديها قسوتها الخاصة، لكنها بالنسبة له الآن فردوس غير مدرك تكفل السينما القديمة أن يدخله دون التورط فعليًا في شروطه حتى لا يخسره.
ما سبق لا ينفي الآتي: خصوصية المشاهد الحالي الذي يجد في هذه الأفلام تعبيرًا أمينًا عن ذاته، وعن الآخرين بشكل ما .. قد يتجاوز الأمر لديه حدود الرؤية الخاصة التي تجعله يؤمن أن ثمة أشياء ثابتة تتم مقاربتها بأشكال مختلفة وفقًا لأدوات وحساسية كل عصر .. قد يرى أن التفكير الإنساني يعيش دائما حالة من الاكتشاف المتواصل لمدى قدرة أفلام الماضي على مواصلة الانتماء لوجوده الراهن مهما بلغت درجة انفصالها عنه، وأن ما يصل إليه من إلهامات في هذا الشأن هو نتاج جدله الشخصي ليس مع السينما فحسب وإنما مع الحياة نفسها.
على جانب آخر فسينما اليوم يظل احتمال أن ينظر إليها سينمائيو الماضي باستهجان عظيم أكبر من أي احتمال آخر، ولن يكون ذلك مرجعه سوى حصانة القيمة التي يتمسك بها هؤلاء تجاه أعمالهم .. الحصانة التي لابد أن تنزع في تصورهم عن سينما الأجيال اللاحقة باعتبارها نتاج التشوه، وغياب القيم النبيلة التي كان أسلافهم رغم كل شيء يدرسونها للمتفرجين في أفلامهم .. من الجميل الانتباه إلى هذا الفرق المحتمل: التهكم على أفلام الماضي هو تهكم على قناعات سينمائية تبدو قادمة من الفضاء الخارجي لم تعد مقنعة لسكان الأرض!، أما التهكم على أفلام اليوم من فرسان (زمن الفن الجميل) فهو تهكم متحسّر على تخلي البشر عن أحلامهم بأن يكونوا مخلوقات فضائية فعلا !!.
لا يجب بالضرورة أن نتجاهل أيضًا الحرص الثابت في تاريخ السينما على توظيف النزعة الخطابية والبلاغة الرومانسية بأساليب مختلفة على اعتبار أنها الأداة الخالدة التي لا يمكن بواسطة غيرها إكساب الفيلم (حكمته الأخلاقية) أو (توصيل فضيلة ما) للجمهور .. التي لا نعرف من مدى الإيمان بحتمية استهلاكها عبر العصور أنها (أداة التأثير العاطفي المضمون) فحسب، أو أنها الدرع التقليدي لحماية استباقية من الاتهام بأن الفيلم لا يحمل (قيمة إنسانية) فقط .. نعرف من هذا الإيمان أيضًا أنها الكيفية التي تعبّر من خلالها كل جماعة بشرية في زمن معين عن رغبتها في الاستفادة من أزماتها.
هل أصبح الجزء الأعظم من تاريخ السينما المصرية غير قادر سوى على المراهنة على احتياج المشاهد للاندماج المتخيل مع الزمن الذي يسبق وقتيًا خبرته وخبرة مجتمعه؟ .. ليس هذا سؤال السينما المصرية القديمة فحسب وإنما سؤال الفن والإنسان عمومًا، وهو في كافة الأحوال غير قابل للاكتفاء بالحقيقة البسيطة التي تقول بأن السينما تعطي لكل جمهور احتياجاته عبر الزمن .. البشر يحتاجون أيضًا للأساطير الخرافية التي لم يعيشوها، حتى وهم يعاملونها بأقصى درجات السخرية والرفض
.
مجلة (الفوانيس السينمائية) / 9 ـ 3 ـ 2012 

مناقشات كتب








الأحد، 19 مارس 2017

قرّاء (مكان جيد لسلحفاة محنطة) على Goodreads


مجموعة قصصية مختلفة عن النمط المعتاد للقصة القصيرة
بعض النصوص لم أشعر معها أني أمام قصة
إنما أمام أفكار الكاتب المنسكبة على الورق دون تجميل.
أسلوب الكاتب مميز، بسيط، غير متكلف
مع ذلك تحتاج أن تُقرأ بتركيز.
لقاء السعدي

مجموعه قصصيه العامل المشترك فيها كلها هوه قصرها الى فى بعض الاحيان بيوصل القصه لسطر واحد . القصص جميله جدا و الاسلوب سلس فى اغلبها مع نظره فلسفيه للحياه فى اغلب القصص . الكتاب ككل يستحق القراءه
Bassam Salah

ثاني الأعمال التي أقرأها للكاتب بعد روايته خلق الموتى
المجموعة تضعُ كلَّ ثقلِها في رهانٍ حداثيّ وتصنيفيّ يناسب ممدوح رزق جدًا حيث يحاولُ في كلِّ كلمةٍ يكتبُها أنْ يكسرَ الصورة التقليدية للنص القصصي ويعطي نثرًا يبدو عاديًا فرصةً مناسبة وواعية ليكونَ نصًا قصصيًا طارحًا لتساؤلاتٍ حقيقية وغير محسومة .
القصص تشقُّ طريقَها السحريّ الخاص في عالَمٍ عاديّ ويوميّ فتومض بإضاءات ذكية ممتعة تستحق القراءة وتنشئ جدلًا خاصًا يستحق المتابعة
محمد قنديل

مجموعة قصصية مختلفة وغير تقليدية في الأفكار وطريقة السرد
والقصص القصيرة جدا في الجزء الأخير من الكتاب كانت مميزة فعلا
Sawsan

ظللت طيلة قرائتي للمجموعة أنتظر قصة بعنوان ( مكان جيد لسلحفاة محنطة ) الاسم رائع حقيقة لجذب قارئ لقصة، وعلى العكس المتوقع ربما القصص التي كانت أقرب للتقليدية أو المعتادة ك( ماريا نكوبولوس ) –(حكاية الرجل الذي كتب قصة قصيرة)–(بورخيس) التي برأيي مضاهية لقصة الآخر لبورخيس ذاته كانت في رأيي الأنجح. اللعب بالفقاعات البناء القصصي بها مختلف عن أي بناء قصصي معتاد، العنوان أساسي ومهم جدا في تحديد مسار القصة لدى الكاتب، القصص القصيرة جدا أحببت أكثرها، في النهاية لم أجد قصة بعنوان (مكان جيد لسلحفاة محنطة ) ولكن اللغة الجافة –وهي مقصودة من الكاتب- والبناء الشذري للمجموعة و القصص التي وضعها الكاتب كما هي دون تنسيق أشاروا لدلالة العنوان بصدق والذي تطلب منه الكثير لكسر القوالب التقليدية المعتادة للقصة القصيرة
Eslam Ashry

"جذبنى عنوان الكتاب " مكان جيد لسلحفاة محنطة
قرأت الكتاب كله الى نهايته لم اجد قصة بعنوان الكتاب ،ربما كانت حيله خبيثة من الكاتب لجذب القراء ولا القى اللوم عليه .
اسلوب الكاتب رائع لا شك لغته ثرية سرد جذاب و بالرغم من هذا
فبعض القصص قد لا تفهم المغزى منها او قد لا تفهمها !! كما حدث لى فى بعض القصص .
نصيحتى لمن سيقرأ الكتاب عليك ان تقرأ بتركيز
***
القصص التى اعجبتنى ****
••
حكاية الرجل الذى كتب قصة قصيرة (اعجبتنى النهاية ، تشبه الاساطير الاغريقية)
••
ماريا نكوبولس
*
اقتباس--> ان المشى بالظهر حينما يعتبر معجزة فهذا دليل على مدى بشاعة النوايا التى وقفت وراء الوجود البشرى لان الغيب لو كان يريد بنا خيراً لجعلنا جميعاً
قادرين على المشى بظهورنا
••
ثغرات الخلود (قصة رائعة ) حيث اظهرت موهبة الكاتب فى خداع القارىء
النهاية جاءت صادمة حيث تبين ان الطفل الصغير هو نفسة الراكب حينما كان
يتذكر الموقف
••
وردة
اقتباس(ارايت كيف ان الموت لا يمكن ان يخطىء ابدا فى اختيار لحظته
••
لا يحدث شىء بعد الموت
اقتباس (الناس لا يوجهون السخرية و العداء ضدك الا بقدر ما تبدى من سلوك عادى تثبت من خلاله انك مثلهم حينئذ تتحول تلقائياً كل افعالك و كلماتك التى بتدو غير طبيعية
الى فرص ينبغى ينبغى عليهم استغلالها
••
ظهور الاسنان ( قصة رائعة (
رغم انى وجدت النهاية غير عادلة فما ذنب الطفلة
••
المتسول (أعجبنى انها تحاكى واقع كثير من السياسيين (
••
تفاصيل الموت
••
مجموعة القصص القصيرة جدا
-------------------------------------
فى نهاية القراءة شعرت و ان من كتب الكتاب شخصين : شخص عاقل مثلنا ،
و شخص مجنون تطارده بعض الهواجس و ربما الاشباح !
لم يكن الكاتب موفق فى اختيار الموضوع فى كثير من القصص ،تناول بعض الافكار
المنافية لثقفاتنا العربية ( متحررة (
فى بعض القصص لا تبدو كقصص تشعر و كأن الكاتب يحاورك او يناقشك عن بعض
افكاره احببت هذا ولا اره عيب .
ببعض القصص تجد انه يستخدم الكثير من التشبيه و الكنايات بل يفرط فيتعسر على القارىء
تشبيك خيوط مقاصد الكاتب ببعضها و ينتهى بفهم لا شىء من القصة
و الكتاب لم يكن جيدا جدا ! (ربما لمشكله فينى)
مريم البتول

ممتع متعة المدونات في أيامها الأولى

ياسمين إمام بشير

السبت، 18 مارس 2017

مناقشة مجموعة (مكان جيد لسلحفاة محنطة) بنادي أدب المنصورة



احترام المعجزات

لا تخف
ليس معنى الوقوف في النافذة..أنك ستسقط
ليس معنى السعال..أنك مصاب بالسرطان
ليس معنى ضيق التنفس ..أن قلبك به شريان مسدود
الحياة فقط هي التي معناها .. أنك ستموت.

أحتاج أحيانًا وعلى فترات متباعدة إلى ذلك الفرح: أكتب في خانة بحث جوجل (لا تخف .. ليس معنى الوقوف في النافذة) فأستمتع مزهوًّا بالزيادة التي لا تتوقف على مدار سنوات طويلة للبشر الذين يعيدون نشر هذه السطور .. فيسبوك وتويتر وتمبلر وإنستجرام ومنتديات ومدونات ومواقع لا حصر لها .. منهم من جعلها توقيعًا له، ومنهم من أضاف إليها صورًا مختلفة، ومنهم من أدخلها في مسابقة (من القائل؟) متهمًا من سيبحث على الإنترنت عن اسم كاتبها بأنه (جاهل) .. هي أكثر كتابة أعيد نشرها لي، وهي من ضمن أكثر المقولات المأخوذة من نصوص أدبية انتشارًا على الإنترنت إن لم تكن أكثرها شهرة .. سأؤجل الآن محاولة تفسير ذلك لأنني أريد أن أتحدث فقط عن التمازج الثقيل بين الرعب والتعاسة الذي تعوّد ـ خصوصًا في الفترة الأخيرة ـ على قتل ذلك الفرح بعنف بارد وفوري.
كتابة عن الموت مختبئة في ضمير المخاطب لتدافع الأنا عن استمرار حياتها ربما أكثر من كونها كلامًا خائفًا يتحدث إلى نفسه أو إلى شخص آخر .. ما الفرق؟! .. ليس بوسع قائلها الهروب إذن من النبوءة المحتملة الكامنة في تلك السطور .. إشارة إلى موت فعلي قادم لا يبطلها مرور سنوات على كتابتها .. ربما تعيد وتجدد تثبيت وجودها، وتدعم الإيمان بصحتها مع كل إعادة نشر ومع كل محاولة شرح أو تناول لقارئ ما .. قارئ أعرف تمامًا أنه في أغلب الأحوال لن يعطله أي عائق عن القول بتلقائية متناهية (سبحان الله) حينما يصله خبر موت كاتب هذه المقولة، وهنا نترك الرعب ونأتي إلى التعاسة .. أن يعيش كائن ما حياة دفعته لكتابة هذه الكلمات، ويفشل بعد الموت ـ على الأقل ـ في منع أن تكون إحدى نتائج هذه الحياة (سبحان الله).
هل لاحظتم تعمّد ذلك الكائن استخدام ضمير الغائب في السطور السابقة؟!.
18 / 3 / 2013
الصورة لـ (Paul Giamatti) من فيلم (Sideways).


الأربعاء، 15 مارس 2017

«هفوات صغيرة لمُغيّر العالم». . قريبًا من «بتانة»

تصدر قريبًا، عن دار بتانة، المجموعة القصصية "هفوات صغيرة لمُغيّر العالم" للقاص والروائي والناقد ممدوح رزق، تضم المجموعة 311 قصة قصيرة، وتقع في 94 صفحة، وكتبت على مدار الثلاثة أعوام السابقة.وتعليقًا على عنوان المجموعة المجموعة المثير، قال رزق: "لم استغرق وقتًا في التفكير في كلماته بل تدفق في ذهني بشكل تلقائي بمجرد الاستقرار على  قصص الكتاب، كأنه الوصف المثالي للمجموعة الذي كان حاضرا بداخلي طوال وقت كتابة القصص، ويعبر عن الجوهر التهكمي لها".
ويحمل الغلاف الخلفي للمجموعة هذه السطور من أحدى قصص المجموعة: "لكن البقاء في البيت لن ينقذني من تلك اللحظات النادرة التي أخرج خلالها فأجدني دون انتباه أحاول تبادل دعابة صغيرة مع بائع الجرائد مثلما كنت تفعل مع العامل أمام ماكينة عصير القصب في ظهيرة الثمانينيات. . لن ينقذني من تجهم بائع عصير القصب الذي امتد عبر ثلاثين سنة ليستقر في  وجه بائع الجرائد. . لن ينقذني من الحرج النادم الذي كان يخفض رأسك وأنت تسير مبتعدًا، كأنك تحاول تثبيت إيمانك بأن طعم القصب هو كنزك الوحيد من الدنيا مثل صفحات القصص القصيرة التي أعود بها إلى منزلي.. البقاء في البيت لن ينقذني من احتضارك وموتك يا أبي".
ممدوح رزق كاتب مصري يتنوع إنتاجه الغزير بين القصة، الشعر، الرواية،  المسرح، والنقد. من أعماله المتنوعة والعديدة: "مكان جيد لسلحفاة محنطة" (مجموعة قصصية)، "الفشل في النوم مع السيدة نون" (رواية)، و"عتبات المحو" (دراسة نقدية). كما كتب سيناريوهات لعدة أفلام قصيرة، وترجمت بعض نصوصه إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
له تحت الطبع كتاب نقدي بعنوان (هل تؤمن بالأشباح؟)، يقدم من خلاله  قراءة في كلاسيكيات القصة القصيرة.
هناء نصير / جريدة (الدستور) ـ 11 مارس2017

الاثنين، 13 مارس 2017

تشفير غريزة الموت.. التسامي روائيًا

في بداية رواية (ذاكرة عالقة) لـ (حسان أحمد شكاط) الصادرة عن (دار الأوطان) بالجزائر يشاهد الراوي كلبًا ميتًا ملقى على الطريق بعد أن سحقته مركبة مجنونة، وربما مع تعاقب الصفحات لن نفقد الدافع للعودة والتمعن مجددًا في هذا الكلب الميت. الصحفي (هشام الرايس) في مواجهة طيف هلامي مرعب، ينغص عيشته بالظهور والاختفاء فجأة كأن هذا الطيف يواصل تثبيت اليقين لدى الراوي بأنه نسخة من (جريجور سامسا) بطل (كافكا) في رواية (التحوّل)، وأنه ربما قد حان الوقت لكتابة سيرته الذاتية روائيًا مثل (محمد شكري) في (الخبز الحافي) أو أن يكتبها شخص آخر كصديقه (عبد الحفيظ المحواج) مثلا. لن يكون هذا تعويضًا عما اعتبره صديقه فشلا لروايته الأولى فحسب، وإنما محاولة لتحرير الذاكرة العالقة بواسطة الآخر، أي ما يعادل شفاءً مماثلا من المرض الغريب في الطفولة بعد المسح على قبر الولي الصالح (سيدي حمايدة(.
إن ذاكرة الراوي ليست تلك العالقة في الحياة كتهديد وعقاب فيما بين المحو الكامل أو التصالح النهائي بقدر ما هي تلك العالقة في الموت، الذاكرة التي كان ينبغي أن توجد، ولكن لم يُسمح لها بذلك. التي تم قتلها في بدايتها لصالح ذاكرة أخرى، هي التي عاشت وأصبحت الماضي الذي تكوّنت على إثره حياة (هشام الرايس). كأن الراوي هو ذلك الرضيع الذي قتله أبوه (فتحي) العامل في المقهى، والذي اشتغل به (هشام الرايس) بأمر من (أبيه) في عطلة صيفية لكسب مصاريف الدراسة. الرضيع الذي يبكي قاتله بطريقة هستيرية، ويجعله يهوي برأسه على الجدار، ويتجسد في صورة كلب ميت على الطريق كمرآة أصيلة للراوي.
يمثل انتحار (فتحي) قتلا مجازيًا لوالد (هشام الرايس). انتقام عبر وسيط. كأنه حلم يتحقق للراوي كـ (إين) في جسد أب بديل، وهنا يبدو هذا الانتحار كأنه نوع من إعادة ميلاد الرضيع المقتول ليبني ذاكرته التي لم توجد، وبالضرورة تغييب الذاكرة التعذيبية، غير العادلة التي تشكلت أو الماضي العدائي الذي يقود الراوي. أن ينقذ الذاكرة (الحقيقية) المقصية مبكرًا من وضعيتها العالقة في الموت. طريق الوصول إلى الأب المنقذ الغيبي للذاكرة المثالية المقموعة.(أصابني شلل وعلى حين غرة شبت ألسنة من لهب بباب الغرفة. سرعان ماإنتقلت الى كل الزوايا. الجدران والأفرشة وكل الأغراض، تخبطت وصحت وانكمشت على نفسي متقيا ألسنة اللهب التي تكاد تبلغ جسدي النحيل. عاد الهتاف بإسمي. هشام. هشام. لا. لا يافتحي. أنا لا أستحق كل هذا. – لاتحرقني. لا تحرقني. هشام. هشام. هشام. – لم يجئني كلام آخر. عدى الهمس والهتاف بإسمي. أحسست وكأن اللهب يحرق جسدي. تأوهت توجعا وتخبطت كالذبيحة. أيدي خفية سحبتني من رجلاي وإنطلقت بي في سرعة جنونية فإرتطم جسدي بالجدار. وراحت الأيدي تضرب رأسي بعنف، إبتلعتني ألسنة اللهب وطوقتني هالة حمراء. ولم أعد أعي شيئأ مما يدور حولي).
يمكننا مقارنة (فتحي) بوالد الراوي العنيف، مدمن الكحول ثم مدمن المقاهي الذي يموت بسرطان الدم، وفي نفس الوقت يمكن للشيخ (بوزكري) الذين كانوا يدعونه بالمجنون، ويتجول في الشوارع في ساعات الليل المتأخرة ويهتف (أفيقوا يا ناس. أفيقوا قبل فوات الأوان) يمكن له أن يكون الذاكرة ـ التعذيبية التي تنبئ بالذاكرة العالقة في الموت ـ وقد تجسدت مبكرًا، كمصير يدرك ذاته، ويسعى لمراوغة هذا القدر عبر الهتاف التحذيري. الذاكرة التي تنطوي على الحضور البشري (اللغة التي لا يمكن التواصل من خلالها) والتي تقدّم الطفل / الراوي نحوها بعكس المذعورين المبتعدين كي يشاهد نفسه: رضيع محترق. كلب ميت على الطريق. الطفل الذي توزعت ذاته بين العاشق السفاح (يمكن مقارنته بفتحي سواء على مستوى القتل أو الانتحار بالشنق)، وأفراد الأسرة التي قام بإبادتها. إن هذا أشبه بتشفير غريزة الموت في الكتابة، أو التسامي روائيًا عبر توليف سلسلة من القتل والانتحار الأبوي والعائلي ذات الملامح المشتركة، وقبل كل شيء التخلص من الجسد (الذي يمنع عبور الذات إلى المطلق) على نحو يبقي الوعي شاهدًا على ما تم.
موقع (زائد 18) ـ 9 مارس 2017

الأربعاء، 8 مارس 2017

قصص قصيرة جدًا

بيت الصياد
ليس لي بيت بعيد .. يمر العابرون أمامه، ويتطلعون برهبة لنوافذه المظلمة ثم يمضون لينسجوا حكايات كثيرة ومختلفة عني، وعن البيت الصامت المظلم البعيد .. لا يتحدثون بخوف كبير عن الشبح الغامض، الذي لا يظهر أبدا، ويحرق كل من يقترب من بيته .. ليس لي بيت بعيد، أمضي الوقت بداخله، جالسا فوق ركام ما، فرحا بعزلتي، وبقدرتي على الخروج ليلا، متنكرا في هيئة طفل أحيانا، وعجوز أحيانا أخرى، والعودة بضحكات كافية لوقت قادم .. ليس لي بيت بعيد .. عندي قارب قديم، أذهب وأعود به إلى البحر .. أحيانا أستضيف أصدقائي بداخله، وأمازحهم قائلا: (مرحبا بكم في السماء).

الغرق 
كنا نجلس صامتين .. نراقب البحر وهو ينظف فمه الواسع بكثير من الأمواج العالية .. كنا شاردين تماما .. لم أقل لكِ: (انظري إلى هذه الطيور) .. لم تقولي لي: (انظر إلى هذه الطيور) .. فعلناها بلا اتفاق، ورفعنا رأسينا إلى أعلى، وراقبناها وهي تحلق عاليا وتبتعد .. حينما غابت .. أخفضنا رأسينا، بلا اتفاق أيضا، وعدنا ننظر ناحية البحر، الذي كان خاليا، إلا من رأسين يختفيان ببطء، بين الأمواج الكثيرة العالية، التي تنظف فم البحر الواسع.

الحفر 
فوق أرض بعيدة، يقف وحيدا .. يتلفت حوله، ويحفر .. بلا خرائط قديمة، تحدد بالضبط أين وكيف يمكن العثور على الأشياء المهمة .. فقط كلما تلفت حوله، ازداد إيمانا بأنه لابد أن يحفر حتى أصبح منهكا تماما، وصارت حفرته عميقة جدا، دون أشياء مهمة، فقرر بأن هناك أمور إيجابية؛ فحفرته على الأقل تصلح كمخبأ، أو مكان للتأمل في الحياة .. يمكنه أيضا أن يستضيف بداخلها أصدقائه الحفارين، الذين سيأتون من أراض بعيدة أخرى .. يمكنه كذلك أن يكتب سطورا كثيرة عن يومياته فى الحفر، وعن لغز عدم العثور على الأشياء المهمة، رغم الاقتناع بضرورة الحفر ..  لكنه لسبب ما، لن يدوّن شيئا عن الأحجار الصغيرة التي تنمو من حوله.

جلد عالق 
أستطيع أن أجزم الآن، بأن انتظاري الطويل، للانفجار القادم من أعمق نقطة في جسدي، لن يلاقي مصير فقاعة .. كل هذا التمهيد اللازم دون شك، عرفني أن البشر حينما يفشل واحد مثلي في تحويلهم إلى خيالات عابرة، يصبحون جديرين بحسده .. البشر الذين يخرجون إلى الشوارع بلا أسباب للدوار أو الرعشة، ودون فكرة عن مقاومة الإغماء، حتى الوصول إلى بيت ما .. عرفت أن الماضي، لا يحتمل تشبيهه بكائن مؤقت، يمكن لابتسامتك أن تلوح له بالوداع، من نافذة قطار مثلا، بل يمكنك تشبيهه بالقطار نفسه، الذي يجرك تحت عجلاته السريعة، تاركا لك كل الفرص للتعبير عن عمائه بما لا يضر علاقتك الوطيدة بالحواف الهوائية، التي تستند عليها في كل عتمة .. عرفت أن ما أنتظره لن يكون انفجارا تقليديا، بل كل ما سيمكن سماعه، صوت انقطاع خيط، كان رفيعا جدا.

حكايات متواطئة
أصدقائي  يخبرونني بحكاياتهم، ولا يتذكر الواحد منهم، أنه أخبرني بحكايته هذه أكثر من مرة من قبل .. أنا كذلك لا أجعله ينتبه .. أصغي إليه متظاهرا أنها المرة الأولى  .. ربما أفعل نفس الشيء أيضا .. أكرر الحكايات لأصدقائي، دون أن أشعر، وربما يتظاهرون أيضا بأنهم لم يستمعوا إليها من قبل .. نعم، إلى هذه الدرجة نعرف أننا غير مثبّتين جيدا في الحياة، كقشور طلاء صغيرة، تتدلى من سقف عال وشاسع .. نعرف أن أشياءنا يلزم أن نتكلم عنها كثيرا،  كي تلتصق بأي ذاكرة، تساعدها على التخلص من تشبّعها الرهيب بالفناء .. أنا وأصدقائي لا نحتاج للانتباه .. نحن نعرف أننا نكرر حكاياتنا، وأننا نتظاهر كي يسمح كل منا للآخر بالخلود، حتى انتهاء زيارة منزلية مثلا .. نحن متواطئون للغاية كحكاياتنا المكررة، المتواطئة في أن أهم ما فيها، ليس موجودا أبدا.

الاستيقاظ في منزل ما 
ماذا لو أحضرت كرسيا أو سلما، كي أصعد لملامسة هذا الجزء من السقف الذي لم ألمسه أبدا؟ .. أيضا، هذا الركن من الردهة، لم أضع يدي فوقه إطلاقا، وتلك الزاوية من الحائط، لم أتحسسها أبدا .. لما لا أفعل ذلك الآن؟ .. لماذا تأخرت في الجلوس فوق هذه المساحة من الأرضية كل هذه السنوات؟! .. كذلك حافة الدولاب العلوية، لم أمر عليها حتى بإصبعي من قبل، والمسند الخشبي للسرير، رغم أنه صغير بدرجة ما، ومع ذلك لابد أنني لم ألمس جميع أجزائه .. حقيقة، من الذي يسكن هنا؟.

الحياة والموت 
وبعد أن عادت العجوز الى بيتها، جلست صامتة .. بعد أن تلفتت كثيرا حولها بدأت تضحك .. بالطبع؛ فهي لا تعرف لماذا فعلت ذلك .. لماذا خرجت مسرعة من البيت، في هذه الساعة المتأخرة من الليل، لتذهب إلى الصيدلية المجاورة، وتطلب من الطبيب أن يقيس لها ضغط الدم؟ .. لا تدري لماذا ظلت عيناها تتحركان فى قلق بين درجات المؤشر وعيني الطبيب .. بالفعل، هي لا تدرى لماذا فعلت ذلك .. لهذا تضحك .. لكنها ستصمت حينما تنتبه إلى أن الرجل والمرأة، اللذين يسكنان فى البيت المقابل ما يزالا مستيقظين، ويتبادلان الحديث .. العجوز ستقرر الآن، الوقوف قليلا في شرفتها.
جريدة (القصة) ـ العدد الخامس ـ مارس 2017

الثلاثاء، 7 مارس 2017

طريقة آمنة للانتحار (مسرحية قصيرة في فصل واحد)

الشخصيات:
ـ رجل عجوز في منتصف الستينيات تقريبًا.
ـ شاب في منتصف الثلاثينيات تقريبًا.

المكان:
جزء من شارع غير مزدحم.

الوقت:
ظهيرة شتوية

شجرة تعلو رصيفًا على جانب الطريق، يجلس الرجل العجوز تحتها، فوق حافة الرصيف، بجانبه كرسي متحرك فارغ .. العجوز لا يبدو على وجهه أكثر من الشرود بينما يراقب ما حوله في صمت .. يدخل الشاب إلى المسرح، يمر أمام العجوز بخطوات بطيئة نوعًا ما وهو ينظر إليه ثم يعود ليقف بجواره.

الشاب: مساء الخير.
العجوز (بابتسامة خفيفة وهزة رأس مُرحبة): مساء الخير .. أهلا بك.
ـ هل تعرف إن كان يوجد محل لبيع الزهور بالقرب من هنا؟
ـ كلا .. أنا غريب عن هذا الشارع .. فقط أجلس لأستريح قليلا.
ـ هل تريدني أن أساعدك في شيء؟
ـ أشكرك .. أنا بخير .. أنت تعرف، في عمري هذا يزداد التجول في الشوارع صعوبة يومًا بعد آخر.
ـ لقد رأيتك من قبل أكثر من مرة في شوارع مختلفة، تدفع هذا الكرسي الفارغ.
ـ كرسي فارغ؟! .. أنت إذن مثل كل هؤلاء الذين لا يستطيعون رؤيته.
ـ رؤية من؟
ـ إبني الوحيد .. الولد الجميل الذي يجلس أمامك .. إنه لا يسمعنا، كما أنه لا يستطيع أن يتكلم، أو ينهض من مكانه .. من المؤسف أيضًا أنه لا يستطيع أن يمد يده ليصافحك، لكن ها هو يبتسم لك .. لماذا لا تبتسم له أنت أيضًا؟

(ينظر الشاب إلى الكرسي الفارغ، ويبتسم ثم يرفع يده بتحية خاطفة ومرتبكة).

الشاب (كأنما قرر مسايرته لتسلية ممزوجة بالشفقة): أنتما تتنزهان يوميًا إذن؟
العجوز: نعم .. أخرج به كل يوم، نتجول في شوارع المدينة ثم نتوقف قليلا كي ألتقط أنفاسي، وبعد ذلك أعود به إلى البيت .. نحن نعيش وحدنا منذ زمن طويل، وأنت من يعيش معك؟
ـ لا أحد .. لقد مات كل أفراد عائلتي.
ـ لابد أن لديك أصدقاء إذن؟
ـ كان عندي الكثيرين ممن يبدون كذلك، ابتعدت عنهم جميعًا، ومنذ زمن طويل لم أعد أغادر البيت إلا نادرًا.
ـ وإلى أين تذهب في تلك المرات النادرة؟
ـ أتجول وحدي، أشتري جريدة أو كتابًا، أجلس أحيانًا في مقهى لأراقب العابرين ثم أعود سريعًا.
ـ أنا أيضًا لم أقابل أحدًا منذ فترة بعيدة، المرة الأخيرة كانت منذ عدة شهور حينما حاولت إيقاظ هذا الولد في الصباح فلم يستيقظ .. ناديت واحدًا من الجيران فجاء ليساعدني في إيقاظه، لكنه فشل مثلي .. بعد قليل وجدت أشخاصًا لا أعرفهم يحملون جسدًا صغيرًا، ويخرجون به من البيت إلى مكان ما .. لم أكن أدري شيئًا عما يحدث، ولم أفهم ما الذي كان يعتقده هؤلاء الغرباء، لكنني  حقيقة، لم أهتم بسؤالهم .. كل ما كان يعنيني هو انتظار إبني  حتى يستيقظ، ولهذا ظللت جالسًا بجواره فوق السرير .. كنت أعرف أن هذا الولد الماكر يحلم حلمًا جميلا، وأنه يرفض مغادرته .. ربما كان يرى نفسه طائرًا يحلق في السماء، ويرقص بين النجوم .. لم أستطع التأكد منه حينما استيقظ، وإن أعطتني ملامحه السعيدة إنطباعًا قويًا بذلك وأنا أجهز فطوره، وأبدّل ملابسه، وأجلسه فوق كرسيه، ثم أخرج به كما تعوّدنا.
ـ كم يبلغ من العمر؟
ـ إثنا عشر عامًا.
ـ لقد كتبت في مثل عمره قصة قصيرة عن ولد يجلس فوق كرسي متحرك، يحاول الاستجابة لنداء نجمة، لكنه حينما حاول النهوض للطيران إليها سقط على الأرض.
ـ هل مازلت تكتب القصص؟
ـ نعم، وجميعها تحكي نفس الحكاية بطرق مختلفة.
ـ لقد قرأت الكثير من القصص .. أتذكر جيدًا رجل عجوز على الجسر لهمنجواي، أمام القانون لكافكا، الشحاذ أو الكلب الميت لبريخت .. هل قرأتهم؟
ـ نعم قرأتهم جميعًا.
ـ هناك شيء مشترك في هذه الحكايات .. شخص يجلس أو يقف في مكان ما ثم يأتي شخص آخر لا يعرفه كي يتكلم معه .. شخص لديه حاجة قهرية إلى هذا الغريب .. هذه الحاجة دائمًا ما تكون اعترافًا لا يتم.

(صمت)

الشاب: هل لاحظت أنه لم يعبر أحد من هذا الطريق منذ أن بدأنا نتحدث؟
العجوز: نعم، هذا بالتأكيد أمر نادر، فهذه المدينة ينقص هواؤها لحظة بعد أخرى.
ـ لكنها ممتلئة بالكثيرين الذين أتمنى رؤيتهم يتعذبون.
ـ وهل هم لا يتعذبون بالفعل؟
ـ نعم، ومع ذلك طالما أنهم لم يتعذبوا بسببي فإنهم سيظلون أكثر البشر سعادة بالنسبة لي.
ـ لا يبدو لي أنك من النوع الذي يستطيع أن يؤذي أحدًا باستثناء نفسه.
ـ أنت لا تعرف شيئًا عني.     
ـ حسنًا .. هل تريد تعذيبهم أم قتلهم؟
ـ كلا .. لا أريدهم أن يموتوا .. أريدهم أن يظلوا أحياءً.
ـ وماذا لو أفضى العذاب إلى الموت؟
ـ لا أدري .. أعتقد أن الندم سيقتلني حينئذ.
العجوز (بسخرية): يبدو أنني أعرف عنك أكثر مما تتخيل.
الشاب (بسخرية عصبية مضادة): حقًا؟ .. هل تظن أن الخوف من موتهم هو ما يعطلني عن إيذائهم؟
ينهض العجوز ويتحرك حول الشاب: كلا .. لا أظن ذلك، ولكنه على الأقل هاجس لا يفارقك، أما الذي يعطلك بالفعل، أنك لم تعرف بعد كيف تنتقم دون أن يكتشف أحد بصماتك .. أليس كذلك؟
ـ هذا صحيح، ولو أن الأمر أكبر بكثير مما تعتقد .. إنني لا أريد الانتقام من بعض البشر فحسب .. إنني أريد تحويل هذه المدينة إلى ظلام تام لا تضيئه إلا الحكايات الفاضحة.
ـ أنت تحتاج إلى شخص مثلي إذن.
الشاب (بتهكم قلق): مثلك أنت؟
ـ نعم .. شخص قضى عمره يتجوّل في كل الشوارع  .. يحتفظ بالكثير من الأسرار .. من يدري .. ربما يمتلك قصصًا غريبة حدثت في بيوت قديمة .. ربما لديه صور .. أوراق .. أصوات مسجلة .. خرائط .. مخطوطات لا يعرف عنها أحد شيئًا .. شخص يستطيع أن يسافر عبر الزمن كلما نزل إلى قبو صغير في منزله.
الشاب (مقويًا نبرة الاستهزاء): حسنًا .. وما الذي فعلته بكل هذه الثروة العجيبة؟
ـ لا شيء .. أنا مجرد ذاكرة .. ماض محايد، يخلو تمامًا من العداوات كما يخلو من التطلعات .. أنا لا أريد شيئًا من هذه المدينة، ولا يرجع هذا لكوني أصبحت عجوزًا بل صدقني؛ لقد كنت هكذا دائمًا طوال حياتي .. أجمع أرواح العالم، وأنا في عزلة تامة عنه.
ـ ربما أنت لا تعرف إذن ما الذي يعنيه أن تقضي حياتك مسجونًا داخل الحواف المائعة، عاجزًا عن أن تكون متورطًا كما يجب، أو منفصلا كما يجب .. ربما أنت لا تعرف ما الذي يعنيه أن يكون مفترق الطرق تعريفًا بائسًا لعمر ينتهي كلحظة خاطفة دون أن يكترث أحد بذلك .. نعم .. هذه المدينة ممتلئة بالكثيرين الذين أتمنى تعذيبهم .. أريد أن أحوّل كافة الأشياء الماسخة التي صنعت وجودي إلى كوابيس تملأ لياليهم .. ربما أنت لا تعرف ما الذي يعنيه أن تسكن عتبات ضبابية يمر فوقها الشامتون.
ـ لمن كنت تريد شراء الزهور إذن؟
ـ الزهور؟
ـ ألم تسألني منذ قليل إذا ما كان هناك محل لبيع الزهور في هذا الشارع؟
ـ نعم .. كنت أريد شراء الزهور لنفسي .. كنت سأضعها فوق طاولتي المنزلية التي أجلس أمامها في الظلام كل ليلة .. ربما كنت أعطيت وردة لإبنك.
ـ إبني .. أي إبن؟
ـ هذا الولد الجميل الجالس فوق الكرسي.
ـ عزيزي الشاب الطيب؛ لا أحد يجلس فوق هذا الكرسي .. لقد مات إبني منذ عدة شهور، ومنذ ذلك اليوم أخرج كل ظهيرة لأدفع هذا الكرسي الفارغ إلى الشوارع كما اعتدت أن أفعل، كأنه لا يزال حيًا .. كأن روحه لا تزال جالسة فوق هذا الكرسي؛ تراقب الناس، وتأكل الآيس الكريم، وتبتسم للقطط التي تأتي لتجلس بجانبه .. أصبح الخروج بهذا الكرسي الفارغ هو السلوى المتبقية لحياتي .. العزاء الوحيد بعد فقده .. أصبح الخروج بهذا الكرسي الفارغ هو الطريقة الوحيدة التي تساعدني على استرداده من الموت.
ـ حسنًا .. ماذا عن الأسرار والحكايات الغريبة التي لديك، ألن تطلعني عليها، أو على الأقل على بعضٍ منها؟
ـ ماذا ستفعل بها؟
ـ أنت تعرف .. سأستعملها في تعذيب أعدائي بالطبع .. سأصنع مزيجًا بين هذه الغنيمة والقصص التي أعرفها عنهم .. جروحهم المخزية التي أحتفظ بها في ذاكرتي .. سأخلق لكل واحد وواحدة حياة جديدة تتناقلها الألسنة في هذه المدينة، ثم تتطور عبر الزمن دون أن تخبو.
ـ هل أنت واثق من أنك ستستطيع أن تفعل هذا؟
ـ بالتأكيد.
ـ ألن تظل تكتب فقط ما تتمناه ولا تقدر على تحقيقه؟ .. ألن تتزايد الأوراق التي تدوّن فيها أحلامك التي لن تتجسد أبدًا في الواقع؟ .. ألن تواصل حكاياتك اختباءها بعيدًا عن عيون الشامتين؟.
الشاب (بغضب): لا أعلم ما الذي يدفعك لمثل هذه التساؤلات الأشبه بتوقعات سخيفة.
ـ ألم أخبرك بأنني أعرف عنك أكثر مما تتخيل.
ـ حسنًا .. سأفترض أن توقعاتك صائبة تمامًا، وأنني سأظل عاجزًا عن تحقيق أمنياتي، وعن تجسيد أحلامي، وأن حكاياتي الانتقامية ستظل مختبأة بعيدًا عن الذين أود تعذيبهم .. سأفترض أن لديك كل الحق في ظنوك، ومع ذلك أنت أيضًا لا تبدو لي كشخص يمتلك أسرارًا أو قصصًا غريبة.
العجوز (بسخرية): وكيف يبدو من يستطيع السفر عبر الزمن في تصورك؟
ـ لا أدري، ولكن كل ما أعرفه أنه لن يكون في عينيه مثلك هذه الغفلة المعتادة التي تسكن عيون الجميع.
العجوز (يضحك): حسنًا .. أنت تلعب جيدًا، ولهذا سأعطيك مكافأة صغيرة .. سر واحد فقط سأخبرك به .. ما رأيك؟
الشاب (مبتسمًا كأنما حقق انتصارًا خبيثًا): وهل من الممكن أن أرفض؟
ـ لقد مات إبني مقتولا.
الشاب (محاولا السيطرة على صدمته): ومن الذي قتله؟
ـ أنا.
(يظل الشاب صامتًا، بصدمة كاملة، دون سيطرة)
العجوز (بألم كأنه على وشك البكاء): نعم .. لقد ظل يعاني فوق هذا الكرسي لسنوات طويلة منذ أن كان في الثانية عشر من عمره حتى أصبح شابًا في الثالثة والعشرين، وكنت أدرك تمامًا أنه لو أصبح عمره مائة عام فإنه لن يغادر هذا الكرسي، وأن معاناته هذه لن تساوي شيئًا أمام ما سيلاقيه وحده بعد موتي .. لذا قررت أن أنهي حياة هذا الولد المسكين قبل أن يجد نفسه وحيدًا .. قتلته دون ندم، وبطريقة لم يكن من الممكن أبدًا أن يكتشفها أحد.
ـ وما هي؟
العجوز (بابتسامة تزيح الألم من ملامحه تدريجيًا): هل تعتقد فعلا بأنني سأخبرك؟
ـ ولم لا؟ .. هل تخاف مني؟
ـ أنت تعرف جيدًا من منا يشعر بالخوف تجاه الآخر، ولكن يكفي أن أخبرك بأن واحدة من الحكايات الغريبة التي أمتلكها هي التي ألهمتني طريقة قتله.

(صمت)

الشاب: ما رأيك لو أخبرتني فقط ببداية هذه القصة؛ فربما أستطيع أن أستنتج وحدي بقية تفاصيلها حتى نهايتها.
العجوز: حسنًا .. كان هناك في هذه المدينة جماعة من البشر، يعيشون في بيت قديم، ينسى كل واحد منهم في صباح كل يوم أي صلة تربطه بالآخرين، وما الذي جاء به كي يعيش معهم في هذا المكان.
ـ نعم .. وهذا ما كان يحتم عليهم أن يتعرفوا على بعضهم من جديد كل صباح.
ـ بالضبط.
ـ ولكن التعارف كان يتم كل يوم بطريقة أسوء من اليوم السابق.
ـ أكمل.
ـ حتى بدأوا يختفون من البيت واحدًا وراء الآخر.
ـ هذا صحيح.
ـ وفي النهاية تبقى شخص واحد فقط.
ـ نعم.
ـ هذا الشخص لم يعد ينسى، وإنما على العكس تضاعفت ذاكرته فجأة كأنما أصبح ماضيه يحمل حياة كل واحد من الذين كانوا يعيشون معه.
ـ بالفعل.
ـ ثم قضى أيام وشهور وسنوات وحدته في محاولة استعادتهم.
ـ أكمل.
ـ ظل يكتب، ويخلق قصصهم من جديد، حتى اكتشف تدريجيًا الطريقة التي قتلهم وأخفاهم بها دون أن يشعر.
ـ وهذه الطريقة هي؟
الشاب (ينظر في عيني العجوز كأنما يفيق من غيبوبة بتنفس ثقيل): أنت كاذب.
ـ لكنني كان يجب أن أفعل هذا.           
ـ حسنًا .. أنت ...
ـ نعم .. أنا لم يكن عندي ولد في يوم من الأيام.
ـ لماذا ...
ـ لأنك طوال الوقت تنتحر بطريقة آمنة.
ـ لكنني ...
ـ أنت كاذب أيضًا.
الشاب (باستسلام مقبض): نعم .. أنا لم أكن أبحث عن محل لبيع الزهور.
العجوز (بابتسامة منتصرة وهو يشير إلى الكرسي): ماذا تنتظر إذن؟

يجلس الشاب فوق الكرسي .. يدفعه العجوز إلى خارج المسرح.

(ظلام)
صحيفة (المثقف) ـ 6 / 3 / 2017
الصورة لـ Joel Peter Witkin