الجمعة، 26 أغسطس 2016

أخسر بخطة نابليون كل صباح

مساء الخير يا عزيزي .. أشكرك لقبول الصداقة، ولو أن الشكر سيوضع حتماً في مكانه الصحيح لو ساعدتني على بلوغ الغاية التي طلبت من أجلها صداقتك .. الموضوع باختصار أن زوجتك أرسلت لي منذ فترة قصيرة طلب صداقة، وقبلته .. بعد ذلك كتبت لي رسالة تفيد بأنها معجبة جداً بنصوصي خاصة الايروتيكية منها، وطلبت نسخاً إلكترونية من كتبي فأرسلتها إليها ممتناً .. كان بديهياً أن آخذ جولة في صفحتها فاكتشفت أنها لم تنشر سوى صورة شخصية واحدة صدقني لم أستطع أن أحدد من خلالها هل هي جميلة أم لا .. طبعاً ما أقصده هو جمال جسمها إذ كان وجهها نسخة محسّنة من (إنعام سالوسة) .. اكتشفت أيضاً أنها كاتبة، وأنها نشرت على صفحتها بعض النصوص الايروتيكية القصيرة التي تستعرض فيها هياجها، وهوسها أن تُعامل في السرير كعاهرة عاشقة للعنف والبذاءة وتسمية الأشياء بأسمائها .. كان هذا جميلاً بالطبع، وكان جميلاً أيضاً أن نتبادل حوارات قصيرة لم تتجاوز الحدود المسالمة لصداقة تقطع بتمهل خطواتها الأولى .. بدا لي حينئذ أن عبارة (أعتذر عن التعارف الشخصي) التي وضعتها زوجتك بين قوسين تحت اسمها تعني مزاجية الانتقاء، التي تتولى بنفسها مهمة التحديد والاقتراب ومد اليد للمصافحة، وليس رفضاً لفكرة التعارف ذاتها .. كان يبدو أحياناً أن زوجتك لديها الرغبة في التحرر من تلك الحدود، لكنني في كل مرة كنت أحاول الاستجابة لتلميحاتها كانت تتراجع ثانية إلى مخبأها المنضبط .. من الواجب، وحتى أكون أميناً معك أن أخبرك بأن استجاباتي لم تتسم بالاندفاع، وإنما كانت على قدر كبير من التحفظ .. إن أبعد ما يتصف به سلوكي في لحظات كهذه ياعزيزي هو التهوّر إذ أن الفيس بوك من الوارد جداً أن يشتعل فجأة بحفل فضائحي تُزينه سكرين شوت لـ (إنسانة فاضلة انتهكت براءتها حيوانية سافل كانت تظنه مُتحضراً) .. لاشك أنه من السهل عليك تخيّل كيف تحوّلت تلك العلاقة من مجرد عبء غامض إلى أرق ثقيل مع استمرار زوجتك في نشر نصوصها الشبقية، وصورها التي لا تحسم هل هي جميلة أم لا، بالتزامن مع أحاديث الشات المقتضبة التي لا تخرج عن كونها لغة بائسة تحك نفسها في الفراغ .. أردت بواسطة مراقبة علاقاتها مع أصدقائها، أو بشكل أدق القشور الطافية من صلاتها بالآخرين الحصول على معرفة تُمكنني من تشكيل يقين عن ما لم أنجح في التوصّل إليه من طبيعتها، ولأكن أيضاً أكثر دقة: استنتاج الآماد المحتملة التي هي على استعداد أن يمتد إليها نشاطها العاطفي مع الرجال .. ظل كل شيء عادياً ومبهماً لدرجة الخصاء ياعزيزي.
إن حياتي لا تنقصها زوجتك؛ ففيها من تقتله النفسنة، اللزج الذي اعتقد منذ زمن بعيد أن علاج حروقه مشروط بمواصلة تقيوء الذم المائع والشتائم المتنكرة على فيسبوك للأبد كربة منزل خاب أملها، ولم تساعدها الظروف في العمل كمومس .. هناك أيضاً الغيور المجهول الذي تتجلى تعاسته على نحو غير متوقع عندما يكتب تعليقاً بضيناً معشماً جحيمه أن يقدر على إفساد أوقاتك السعيدة .. فيها الحروب والمعايرات بين الفاشي الإسلامي والفاشي الماركسي، والأصحاب الذين يتهكمون على مآسي بعضهم، والفاشل الذي لم يسبق له على الأقل تبادل قبلات في الهواء مع معزة، ويجاهد للاختباء من هياجه بواسطة التنظير المادي للجمال كاستمناء أكثر وقاراً .. حياتي فيها تأكيدات مستمرة من نفسي إلى نفسي بأنه لا أحد يعرف الآخر، وأنه لا يوجد أحد كتب كل شيء .. هناك أيضاً من يتأجل انتحاره كلما توهم أن المحبة تُزِيدُني، والجفاء يُنقِصني، وكذلك من أُدربهم بقصصي القصيرة على الكتابة، وتخبرني نصوصهم أنني مُعلم جيد .. إنني أعترف يا عزيزي أن الجوهر الحقيقي للمشكلة مرتبط بخوفي، ولهذا كان على زوجتك أن تساعدني بعزمٍ أشد .. ربما تجد معاونة كريمة على فهم علاقة كتاباتي وخاصة رواية (الفشل في النوم مع السيدة نون) بأصدقائي من خلال هذه السطور القليلة لـ (هنري ميلر) في ثلاثية (الصلب الوردي): (عندما يحاول الإنسان أن يُنجز عملاً يتجاوز قدراته المعروفة فمن العبث السعي وراء نيل استحسان الأصدقاء. الأصدقاء يكونون في أحسن حالاتهم في لحظات الهزيمة - علي الأقل هكذا تقول لي تجربتي. ومن ثم إما يخذلوك كليًا أو يتجاوزون أنفسهم. والحزن هو أوثق رباط - الحزن وسوء الحظ. ولكن أثناء اختبارك لقواك, وأنت تحاول أن تنجز عملاً جديداً, فإن أفضل صديق جدير بأن يثبت أنه خائن. وتكفي طريقته في تمني حسن الحظ لك, وعندما تطرح أمامه أفكارك الخيالية, لكي تثبط همّتك. إنه يؤمن بك فقط مادام هو يعرفك, أما احتمال أن تصبح أكبر مما تبدو فأمر يثير قلقه, ذلك أن الصداقة تقوم علي أساس التبادلية. ويكاد يكون من قبيل القانون الثابت أنه حين ينطلق إنسان في مغامرة كبري يتعين عليه أن يقطع كل روابطه ويجب أن يرحل الي البرية, وبعد أن ينتهي من مصارعتها يجب أن يعود ويختار له مريداً).
لا أعرف يا عزيزي لماذا يبدو غريباً لي الآن وبكيفية مجحفة ومضحكة حد الإهانة أن أعوامي الأربعين ـ إلا ثلاث سنوات ـ لم يعبرها حتى بطريق الخطأ صديق كان يمكن لي استخدام شقته في النوم مع النساء ولو بمشاركة من رفاق الجوع .. إنني لا أجد تفسيراً منطقياً سوى وحشية الحظ خصوصاً مع الوفرة العظيمة المتنوعة من الأصدقاء الذين يتكدسون في الماضي .. لكنني والتزاماً بالأمانة التي حرصت عليها منذ بداية كتابتي إليك أخشى التمادي في التنقيب داخل الذاكرة، والتفتيش عن مبررات حقيقية خشية العثور على مشاهد مدفونة تثبت عند استعادتها أنني كنت أتفادى التورط في ذلك النوع من المواجهات بحيث لم أكن أمر أصلاً بالقرب من الاحتمالات الضعيفة التي يمكن تنتهي بي في السرير مع غريبة.
أي معنى سيخطر في ذهنك حين أقول لك أن من أكثر العادات التي تبعث السرور والألم في قلبي هو تصفّح موقع (كايرو زووم) كل ليلة؟ .. في حياتي من لا يترك ثقب إبرة يصادفه حتى يباهي فيه بأنه مجنون وقادر على ارتكاب أي جريمة، وحين تقرأ نصوصه لا تشم ـ على أقل تقدير ـ رائحة خدش لجسده أو لأجساد محارمه .. إن متعتي الكبرى هي نصب أفخاخ من الثقة الزائفة بيني وبين القارىء مما يوصم كل إرادة للتوقع أو التصديق بلعنة الغفلة .. يصبح كل التزام بتأويل بمثابة موافقة ضمنية على أخذ دور الفريسة التي حُطم رجاءها سلفاً .. لست وحدي من أقول هذا بل الغرباء الذين لا يعرفون شيئاً عن حياتي الخاصة، ولكن حدث أن اعترضت دعاباتي اللغوية طريقهم ذات يوم وهم سائرون في الظلام.
هناك أيضاً يا عزيزي من يؤكد على أنه قتل رقيبه الداخلي، وحين تقرأ كتاباته (الجريئة) لا يكون بوسعك التفرقة بينها وبين ما تنتجه بصيرة فتاة خجولة أو ولد أحسن أبواه تربيته .. إنني أكره المصطلحات، وأحتقر التعبيرات الشائعة لكنني لا أجد ضرراً هائلاً لو قلت لك الآن أنني مريض فعلاً بما يُعرف بـ (الرهاب الاجتماعي) حتى لو كنت معتاداً على السخرية من تفاهة الوصف .. هذا النوع من الرعب لا يتجسد بصورة واضحة على عكس المنتظر في مجزرة الواقع التقليدي بل يظهر أكثر حدة على فيسبوك مثلاً حيث يُفترض ـ كإحدى إمكانياته ـ أن تتاح لك فرص أقل تهديداً في التواجد وسط الأشباح .. لكنني اكتشفت ـ ولك أن تتصور فداحة اليأس الكامن في هذا الاكتشاف ـ أنني لا أمتلك الشجاعة للكتابة عن السخافات المملة أو المفارقات الوضيعة لتعاقب أيامي، التي لا تقل غرابتها أو روحها الكوميدية عن (الأعاجيب المبهرة) التي يُدونها دجاج الفريند ليست .. الفرق أنهم لا يرون مشكلة في التطفل على حواس غيرهم بسيول لا تهمد من الثرثرة الشخصية الفارغة التي لا تهم أحداً .. إنني حتى أجد حرجاً بالغاً في النشر النادر لمواد فنية تنتمي إلى ذائقتي فقط لإدراكي أنها تخص انحيازاتي الجمالية، وليست بالضرورة ذات جدوى لغيري .. أنت لن تجد أغلب ما في صفحتي إلا ما هو حتمي: نصوصي، ومقالاتي، وأخباري أو بقول آخر: حياتي الانتقامية.
ذات يوم طلبت زوجتك رقم موبايلي فأعطيته لها بسعادة من يعطي عنوان بيته لراقصة ستربتيز .. لم يخطر في بالي أن المكالمة الهاتفية التي استغرقت أكثر من ساعتين ستكون امتداداً لتعاسة الشات بل كنت متأكداً من هذا .. لا تسألني لماذا يا عزيزي حيث أتصور أنه أصبح من اليسير التخلي عن الحاجة لطرح السؤال بعد الدروس المختصرة التي أعطيتها لك عن انكماشي .. ظلت اللغة بيني وزوجتك متمسكة ببؤسها، وإن كان حضورها هذه المرة كصوت أعطاها صورة المهزلة الخرافية .. حافظنا بمنتهى الإخلاص على المراوغة، والالتباس، والتلميحات الشاحبة التي أسالت الدم من عضوي .. لم تأتِ سيرتك في المكالمة سوى مرة واحدة بالصدفة حين أخبرتني كمعلومة عابرة بأنك لست نشطاً على فيسبوك، ولا تجلس أمامه إلا كل فترة طويلة .. تذكرت بعد انتهاء المكالمة أنها سبق أن كتبت عنك على صفحتها أنها تعشق التراب الذي تمشي عليه، ولو وضعنا هذه العبارة بجوار نصوصها التي لابد أنك قرأتها، وتحلم فيها بجنس غير رحيم أشرس مما يمكن يعطيه لها زوج أو حبيب أو رجل واحد فإننا سنصل إلى مستوى من العماء لن يصبح من العبث عنده أن أكتب إليك هذه الرسالة.
حياتي يا عزيزي صدئة كمشهد أمواج البحر في بداية الحلقة الأولى لمسلسل تدور أحداثه في الاسكندرية .. مطفأة كفيلم لصحفي يتحمّل النزوات العدائية لكهل متصعلك كان مشهوراً في يوم ما حتى يكتب حكايته .. حياتي صارت عجوزاً، وأكثر ما ثبّت هذا الإيمان ليس الغبار الأبيض المتزايد الذي لا سبيل لإزاحته من شعري، ولا تصدّع جسدي من الداخل بل عندما ضبطت نفسي عاجزاً عن الابتسام بلذة التشفي المعهودة أمام المنظر السينمائي المُضجر لغضب رجل أخطأ الجرسون حين قارن بين شيخوخته وشباب زوجته الجميلة وسألها: (هتطلبي زي بابا؟).
إنني لا أريد أكثر من الإجابة على هذا السؤال: هل لديك علم حول إذا ما كانت زوجتك تنقل أحلامها الشهوانية العاتية من الكتابة إلى الحياة أم لا؟ .. أما ما سيُعد برهاناً على أقوى أنواع الإيثار كرماً لو استفسرت منها وأخبرتني عن ما إذا كان لديها استعداد لأن أشارك في هندسة الري تحت بطنها.
وأخيراً فإنني مؤمن تماماً بأن الكتابة مثلما تحتاج للأصدقاء، ولخبرة العداء الثمينة التي تمنحها الصداقة فإنها تتطلب أيضاً دهس المعركة بقدميك في لحظة معينة تكتمل عندها الخبرة المنتصرة .. الوعي الذي تتحالف بين تخومه الكتابة مع التفاصيل التي تكسر عيون الأصدقاء، والمحفوظة في سجلاتهم السوداء الراقدة بأمان داخل رأسي .. لهذا يا عزيزي لا أجد تعبيراً عن امتناني لاستجابتك التي لا أشك مطلقاً في أنك لن تبخل عليّ بها أجمل من هذه الكلمات المقدسة لـ (تشاك بولانيك):
“Have your adventures, make your mistakes, and choose your friends poorly -- all these make for great stories.”
من المجموعة القصصية (دون أن يصل إلى الأورجازم الأخير) ـ مؤسسة المعبر الثقافي 2015

الأربعاء، 24 أغسطس 2016

ليلة حب

رفع الموظف الجالس وراء المكتب في نهاية شركة (صوت القاهرة) وجهه نحو المرأة التي دخلت عبر الباب الزجاجي المطل على الشارع المزدحم .. لم تترك الباب ليعود وحده إلى الإلتصاق تلقائياً بالباب الآخر الموصد .. ظلت ممسكة بمقبضه المجوّف لتعيد إغلاقه إلى آخره بحرص كأنما تتأكد أنه لا أحد سيدخل وراءها .. عاد إلى الشاشة المنتصبة أمامه ليضع بسهم (الماوس) ورقة (آس) تحوي قلباً أحمر فوق ورقة أخرى تحوي قلبين أحمرين قبل أن يودع (السوليتير) بمعاودة التحقق من مدى اقترابه في إنهاء اللعبة .. كانت تغطي شعرها بإيشارب أزرق، بدا كأنه سماء صغيرة تلتف حول وجهها دون طائر واحد .. كان سمارها باهتاً، زادت لمسات المكياج الخفيفة من كموده، أما جسدها فكان قصيراً، بديناً بثديين كبيرين، وكان لها جبهة عريضة، وحاجبان رفيعان، وعينان يعطي ضيقهما انطباعاً بضعف البصر .. بدت كموظفة حكومية بفستانها البسيط، الذي تتلاحم طولياً داخل قماشه السميك خطوط كبيرة من الأسود والنبيتي، وكان انسجامه مع ملامحها يدعم صلاحيته بالفعل كزي رسمي للعاملات في الدولة .. الموظف الذي نهض من فوق الكرسي، وخرج من وراء المكتب بدأ يتأمل أنفها الأفطس، وخديها الممتلئين بقدر من التهدل، وفمها العريض بشفتيه السمينتين، المطبقتين على تنفس ثقيل .. فكر في أن عمرها ينتمي إلى تلك المسافة الزمنية المبهمة بين أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، وأنها ليست جميلة بما يكفي لأن يبتسم في وجهها، وأن يحاول استغلال حديثهما المنتظر للابتعاد تدريجياً عن السبب الذي جاء بها إلى هنا، كي يقربها أكثر من أحلامه .. تحركت خطواتها البطيئة نحو الداخل دون أن تنظر إلى دهشة الموظف التي تتفحص العرق الغزير فوق وجهها الساهم رغم برودة الطقس .. كأنها مشت آلاف الأميال قبل أن تصل إليه .. كانت عيناها تنظران لأعلى، تستكشفان وجوه المطربين والمطربات، وأسماء الشرائط على الأغلفة الراقدة داخل العلب المتراصة فوق الرفوف العريضة، المغلقة بنوافذ زجاجية .. توقفت أمام ما بدا أنه قسم خاص لـ (أم كلثوم) .. بدأت نظرتها تمعن في التركيز، وهي تضع فوق السطح الزجاجي للفاترينة الأمامية الواطئة، التي تفصلها عن الرفوف حقيبة يد جلدية، ذات سواد قاتم، وتحمل زخارفاً ذهبية تشبه السلاسل الضئيلة، التي يكوّن تشابكها أوراقاً لوردة كبيرة بلا ساق .. وضعت أيضاً فوق الفاترينة كيساً أسود كانت تحمله في يدها الأخرى، ويحوي شيئاً تقارب هيئته من الخارج بنية الزجاجة الكبيرة، دون أن تُبعد بصرها عن الشرائط .. نظرت إلى الموظف .. لم تنظر في عينيه، وإنما ظل بصرها يتنقل بتسارع مرتبك بين نقاط متناثرة في وجهه .. كانا وحدهما، ورغم ذلك سألته بصوت خافت جداً، مختنق بالحذر، كأنها تستفسر عن بضاعة محرمة، أو تخشى أن يسمعها كائن غير مرئي:
ـ شريط (ليلة حب) موجود؟
خرجت حروف سؤالها مضغوطة من بين شفتيها .. كأنها تقاوم بمشقة كتماناً طويلاً، وفي نفس الوقت تؤكد قوة الاحتياج.
ـ لحظة واحدة.
أدار الموظف ظهره لعينيها، ثم رفع يده ليفتح إحدى النوافذ الزجاجية .. مر بإصبعه السبابة فوق أسماء الشرائط المتجاورة داخل صف عرضي حتى توقف أمام أحدها فأخرجه من بين أقرانه وأغلق النافذة .. وضع (ليلة حب) أمامها فوق الفاترينة.
ـ تلاتين جنيه.
فتحت الحقيبة الجلدية السوداء فلاحظ الموظف رعشة يديها.. أخرجت تباعاً عملات معدنية فئة الجنيه ونصف الجنيه حتى اكتمل الثمن فوق السطح الزجاجي للفاترينة .. التقط الموظف العملات واحدة تلو الأخرى؛ فبدت أصابعه النحيلة كامتداد لابتسامة عفوية،  مزجت في وجهه بين التهكم والاستياء، ثم تبددت فوراً قبل أن تلحظها المرأة .. على أي حال لم تكن ستنتبه إلي تلك الابتسامة لو ظلت محنطة في وجهه .. وضعت الشريط داخل حقيبتها، وأغلقتها ثم أعادتها إلى كتفها وهي تسحب من فوق الفاترينة الكيس الأسود الذي يحوي شيئاً تقارب هيئته من الخارج بنية الزجاجة الكبيرة .. تحركت نحو الباب الزجاجي بخطوات أسرع من التي دخلت بها، ثم فتحته وخرجت إلى الشارع المزدحم .. هذه المرة تركت الباب ليعود وحده إلى الإلتصاق تلقائياً بالباب الآخر الموصد وهي تبتعد.
راقب الموظف اختفاءها وهو يقول لنفسه أنها مخلوقة أثرية، لازالت تستمع إلى شرائط الكاسيت، وليس لديها (كومبيوتر) بالتأكيد، وأنها لن تستمع إلى أغنياتها المفضلة بواسطته حتى لو امتلكه أحد أبنائها مثلاً .. نفس الحقيقة تنطبق حتماً على الموبايل ـ لو كان لديها واحد أصلاً ـ ويبدو أيضاً أنها أمضت زمناً طويلاً ـ كالأطفال ـ لتدخر العملات المعدنية التي اشترت بها هذا الشريط .. تلك الكلمات الأخيرة قالها لنفسه كنكتة أضحكته قليلاً دون أن تتجسد على ملامحه، ومنحته يقيناً جديداً على تمتعه بحس الدعابة.
آخر ليل ما .. أغلقت المرأة (سكايب) بعد أن تحدثت طويلاً لابنتها التي تعيش خارج المدينة مع زوجها وطفليها .. حكت لها ـ كالعادة ـ عن ابن أخيها الذي يسرق فلوس الدروس الخصوصية، ويُضيّعها على الكافيهات مع أصحابه الفاسدين .. مشروع صناعة الحلويات الصغير الذي بدأته زميلتها في المكتب ليساعدها ـ مع الجمعيات ـ في تجهيز ابنها للزواج .. لامبالاة السكان إزاء تهالك سباكة العمارة التي تحتاج لصيانة عاجلة .. البيجامات الجديدة التي اشترتها لحفيديها .. بائعة السمك تحت البيت التي لا تتعب من الزعيق، والتشاجر مع ذباب وجهها طوال النهار .. النقاش الكوميدي الذي تسمعه يومياً عبر شباك المطبخ بين جارها (ثقيل السمع) وزوجته (خفيفة العقل) أثناء جلوسهما أمام المسلسل التركي .. الجشع المتزايد لسائقي التاكسي .. أنهت المحادثة بالإتفاق على موعد زيارة ابنتها إليها مع الطفلين اللذين أوحشاها .. أطفأت (اللاب) ثم خلعت كل ملابسها، وجلست عارية تماماً فوق كنبة الصالة .. وضعت الشريط في المسجّل بجوارها، وأدارت الأغنية، وظلت تستمع .. كان زوجها قد تناول عشاءه قبل لقائها بإبنتها عبر (سكايب)، ودخل إلى حجرتهما لينام .. هي التي أعدت له الطعام مثل كل يوم، وكانت تعرف لماذا شعر ببعض التعب بعدما انتهى من الأكل، وكانت تعرف أيضاً أنه لن يستيقظ أبداً .. عندما وصلت (أم كلثوم) في الإعادة الثالثة للأغنية إلى (تعال حب العمر كله نخلصه حب الليلة دي .. تعال شوق العمر كله نعيشه م القلب الليلة دي .. ما تخليش أشواقنا لبكره، ما تخليش فرحتنا لبكره .. كأن أول ليلة للحب الليلة دي) نهضت بعريها الكامل، وذهبت إلى المطبخ .. أخذت الكيس الأسود الذي يحوي شيئاً تقارب هيئته من الخارج بنية الزجاجة الكبيرة، ودخلت إلى حجرتهما .. نظرت إلى الولاعة التي تعلو علبة سجائر زوجها فوق الكومودينو بجانب السرير ثم أغلقت الباب بالمفتاح.
ربما سيشاهد موظف شركة (صوت القاهرة) صورة المرأة على أحد المواقع الإخبارية التي يبدأ يومه بتصفحها .. ربما سيهتم بقراءة السطور التي ستظل مختزلة دائماً عن الحريق الذي جعل من حجرة نوم زوجين مطفأة كبيرة، وحوّل جسديهما إلى رماد مختلط .. ربما سيحاول الموظف أن يتذكر أين ومتى رأى هذه المرأة .. لكنه لن يتذكرها .. سيعود إلى الشاشة المنتصبة أمامه، ويضع ورقة (آس) جديدة تحوي قلباً أحمر فوق ورقة أخرى تحوي قلبين أحمرين.

الأحد، 21 أغسطس 2016

سباق الدعابات الثقيلة

بدأ الزهايمر بجمع الأكياس المستعملة التي ظلت فارغة، ومر بنسيان الماضي ـ حيث لم يكن هناك ألم على الإطلاق ـ وانتهى باستعادة العدم فيما بدا أكثر المشاهد إثارة ورحمة .. كان الأمر عادياً لرجل وصل إلى منتصف الستينيات دون رعشة في العالم .. لكن الزهايمر صار أجمل وأنقى حين بدأ مع ابنه الذي لم يكمل الأربعين؛ إذ لم يتوقف عند هوس الاحتفاظ بالأكياس المستعملة التي ستظل فارغة بل أصبح أشرس همومه الوجودية عجزه عن تفسير كيف يمكن للبشر الاستمرار في الحياة دون جمع الأكياس المستعملة التي ستظل فارغة .. ربما حصل على قدر من العزاء حين جاءته طفلته ذات الأربع سنوات بكيس الساندوتشات الفارغ من الحضانة وقالت له أنها احتفظت به من أجله، وأنها ستفعل ذلك كل يوم .. لم يكن في عينيها عاطفة تقليدية لإبنة تريد إسعاد أبيها، أو استيعاب مبكر لضرورة الحفاظ على إرث العائلة بل إيمان حصين بأنه سيكسب في النهاية.
من المجموعة القصصية (دون أن يصل إلى الأورجازم الأخير) ـ مؤسسة المعبر الثقافي 2015

إنقاذ التاريخ المُهمل

أكثر من سبب دفعني للتفكير في أن (داليا أصلان) أرادت أن تكتب رواية (المختلط) كأنها تسرد حكاية خيالية شبيهة بالملاحم الشعبية والقصص الأسطورية .. إيقاع الحكي المتلاحق بتنقلاته السريعة، وتركيزه على تعاقب الأحداث أكثر من انشغاله باكتشاف العوالم الداخلية للشخصيات .. التفاصيل الصغيرة، المخبوءة بشكل أو بآخر، التي لا يتم إعطاؤها أهمية إلا بقدر ضرورتها داخل السياق العام، وبحسب أدوارها في تكوين علاقات الواقع الجماعي، والبناء الخارجي للحكاية ..  تداخل الأقدار والمصائر البشرية حيث كل قصة ـ كما في (ألف ليلة وليلة) مثلاً ـ تقودك إلى قصص أخرى، والشخصية تأخذك نحو الاشتباك مع المزيد من الشخصيات .. الأقدار والمصائر المختلفة التي يرسم كل منها الآخر، وينتج عن اختلاطها زمن مستقل، يستبعد من كل فرد ما لم يساهم في تحريك خطواته أو في نسج أحلامه.
لم تستدع (داليا أصلان) ذلك النوع من الغرائبيات اللامعقولة ، أو الأعاجيب غير المألوفة لتكتب روايتها .. لقد استمرت في الحكي فحسب .. تركت القصص التي يمكن استيعابها وقبولها كأحداث ممكنة لتنتج ـ بديهياً ـ غرائبيتها الخاصة .. أعاجيبها التي لا تحتاج لتدخل معجزات خارقة حتى تتحوّل إلى ما يشبه حكاية خيالية .. تركت (داليا أصلان) نبرة (كان ياما كان) لتتكفل بكل شيء .. من هنا تحديداً تولدت حياة تصلح كملحمة شعبية أو قصة أسطورية.
الزمن المستقل في رواية (المختلط) هو ما يمكن أن نطلق عليه (الذهن الخاص للمكان) .. شخصيات هذا الزمن كأنهم مرايا للمكان .. المكان هو بطل هذه الملحمة، سواء بشكل مجازي، أو حتى بالتعريف التقليدي للبطولة، في حين أنه لا يوجد بطل بالمعنى الشائع بين الشخصيات أو لنقل بالخصائص الملحمية السائدة .. المكان ليس (المختلط) وحسب ـ رغم أنه قد يمثل مركزاً حقيقياً وملهماً للسرد ـ إلا أنني أنظر إلى المكان كوفرة من الفضاءات المتابينة، غير المحسومة، التي لا تهيمن طبيعة أي منها على الأخرى .. حضور حسي لا يُختزل في تحديدات عقلية قاطعة، وإنما يعلن عن وجوده المتبدل، ويكشف عن أحواله المتغيرة ويؤكدها بواسطة كل مشهد يتم تشييده داخل فراغاته .. المكان في رواية (المختلط) هو الذي يراقب، ويتذكر، ويوثّق .. المكان هو الذي يكتب سيرة البشر .. هو الذي يخلق الأقدار والمصائر إذن، وما فعلته (داليا أصلان) هو محاولة استنطاقه عبر ذاتها .. محاولة التماهي مع حياده سواء نجح هذا أم لا .. الحياد الذي يضمن الخلود بطريقة أو بأخرى.
هل هناك تفسير أو حكمة ما يمكنها أن تبرر الإيقاع المتلاحق والتنقلات السريعة والتركيز على تعاقب الأحداث؟ .. أفكر في أن السرد داخل رواية (المختلط) يبدو طوال الوقت كأن الموت يطارده .. كأنه يرى في المراكمة المتعجلة لما يشبه الخلاصات الانتقائية للشخصيات والأحداث السبيل الحتمي لمراوغة هذا التهديد .. كأن (داليا أصلان) قد تعمدت أن تجمع كل ما تقدر عليه من الماضي لإنقاذه من الفناء .. إن رواية (المختلط) تكاد تكون محكومة تماماً بما يقارب الهوس العصابي بحشد كافة الكائنات والوقائع، وبمستويات حفر متعددة .. المرور اللاهث بين المراحل الزمنية المتتابعة، والذي يتوقف في بعض الأحيان من أجل الرصد المجهري لما يتطلب ذلك.
لكن الكتابة ليست مجرد توثيق، وإنما ما يعنيه استنطاق المكان هو إضاءة ما يتجاوز الأصول الواقعية المحتملة لحكايات البشر .. ما يمكن أن يتم اعتباره الحقائق الجوهرية المتوارية التي يتعيّن تثبيتها .. ما لم يتمكن المكان من سرده في الحياة.
محاولة التماهي مع حياد المكان يتيح للذات الساردة أن توجد بأساليب مختلفة من خلال شخوصه .. يتيح لها أن تختبىء وأن تعلن عن نفسها، وأن تنحاز لشكل معين من الوجود، وأن تمرر مواقفها من التاريخ الذي يُحكى .. التماهي يعطيها القدرة على الانتشار داخل كل وعي، الأمر الذي سيمكنها من التسلل إلى وعي القارىء نفسه.
يكاد يكون (فهمي) هو الوحيد الذي نجا من كل هذا .. الإيقاع المتلاحق والتنقلات السريعة والتركيز على تعاقب الأحداث .. يكاد أن يكون (فهمي) هو (البطل المضاد) في رواية تخلو من الأبطال التقليديين .. ربما لأنه الشخص الوحيد في الرواية الذي لم يمتلك جذوراً في المكان ولهذا كان يجب لحياته أن تحصل على عمق ما في أرضه .. كان ينبغي أن يتم ترسيخ هوية له، لا تغفل عن أدق التفاصيل .. سيكون منطقياً إذن الشعور بأن مشاهد (فهمي) هي أكثر فقرات الرواية هدوءاً وتمهلاً .. هي اللحظات التي تشهد هيمنة نسبية للتأمل والاستفهام .. كأن (فهمي) هو النقاء المنفصل الذي يفكك كل أصل أو حقيقة أو يقين ليس عن المكان وشخوصه فحسب، وإنما عن الإنسان ووجوده في العالم.

الجمعة، 19 أغسطس 2016

تجهيز الخروج

رأيناها أمامنا فجأة عند عتبة الحجرة .. مغمضة العينين، كأنها لازالت نائمة .. لم يكن الظلام الذي خرجت منه هو نفس الظلام الذي تركناها بداخله منذ ساعتين بعد مغادرة طبيب الباطنة .. كان ظلام ثلاثة وستين عاماً .. صدرها يعلو ويهبط بتلاحق ثقيل، كأن التنفس أصبح محاولات عسيرة لانتشال حطام غارقة .. زرقة خفيفة تطفو فوق شحوب وجهها، لا تكشف عن المدى المرعب الذي وصل إليه المرض بقدر ما تعلن أن وليمة صغيرة تُطهى منذ زمن طويل صارت ناضجة الآن .. كانت تستند إلى الباب .. فارق ذبول تجاعيدها فزع الأيام الماضية من الموت .. لم نعرف هل كان ذلك استسلاماً، أم أن الإفصاح عن الفزع يتطلب قدرة لم تعد تملكها .. لكننا رأينا الموت بالفعل .. لم يكن منبعثاً من ارتجاف جسدها .. كان متدفقاً من لحظة قديمة لم نعشها .. تحوّلت مع تراكم السنوات إلى توقع ينمو دون أن يراه أحد .. بلغ الآن حتميته القصوى أمام خيال جماعي يبلل ملابسه .. كان يجب على الطيران إلى المستشفى أن يُبعدها عن حافة الغيبوبة .. لكنها بقيت هناك عدة أيام .. عند الحافة .. كأنها تحترم قيمة الوداع أكثر من اللازم .. حينما نامت بعمق فوق سرير العناية المركزة كنت أقف وراء الشباك الزجاجي متوسلاً عفو لا أفهمه .. شاهدتها تفرك قدميها تحت الملاءة البيضاء .. المشهد الذي ظللت أراه في بيتنا طوال عمري .. كأنها ليست مريضة .. كأنها تأخذ قيلولة بعد الغذاء اليومية، وستستيقظ بعد قليل لتعد الشاي، وتجلس في البلكونة حتى حضور المساء .. كأن هذا هو السرير الذي نامت فوقه كل حياتها .. لكنها تركت حافة الغيبوية لتخطو بداخلها إلى الأبد.
لم تترك مرآة في البيت إلا واحتفلت أمامها بأول مريلة سترتديها .. تبتسم بسعادة لا تصدقها ثم تسأل أمها: هل ستتركها غداً في الحضانة وحدها؟ .. تعيد أمها طمأنتها بالتأكيد على أنها ستكون قريبة منها للغاية، لأن الحضانة ملاصقة للبيت، وأن بقية الأطفال ستتركهم أمهاتهم أيضاً، وأن المعلمة ستهتم بها، وستلعب وستغني معها خلال المدة القصيرة جداً التي ستتركها هناك .. تأخذ جولة جديدة أمام المرايا .. تستمتع بجمال المريلة، ثم تراجع ثانية محتويات حقيبتها الصغيرة التي ستعلقها فوق ظهرها: الكراسة والكتاب والقلم والأستيكة والبراية .. مكونات الفرح التي سينضم إليها كيس الساندوتشات في الصباح .. تتحسس الزمزمية، وتبتسم للقطط والعصافير الملونة التي تُزينها .. تسأل أمها مجدداً: هل ستتركها غداً في الحضانة وحدها؟.
بعد قليل ذهبت إلى سريرها .. وقفت عند عتبة الحجرة أتامل نومها .. رأيتها ـ بالطبع ـ تفرك قدميها تحت الملاءة البيضاء.
جريدة (القاهرة)
16 أغسطس 2016

الخميس، 18 أغسطس 2016

«الوفاة السعيدة لعبده الحلاق» .. الاحتفال بالعتمة الرمادية

هناك ذات يهيمن حضورها بشكل أو بآخر داخل قصص مجموعة «الوفاة السعيدة لعبده الحلاق» للكاتب أشرف حسن، هذه الذات تقدم صورة مختلفة لتعريفها الثابت عبر كل قصة تمتد خطواتها إليها.
الكائن الذي يقف عند حافة تاريخ لا يخصه، ولم يكن له بصمة في تكوينه، ولا يمتلك القدرة على استيعابه، ولكنه أجبر على مواجهة الفقد كأثر حتمي لهذا التاريخ .. ذات تكتشف عند لحظة معينة – وهى اللحظة التي يتكفل القص برصدها وتثبيتها – أن حياتها ليست سوى صراع غير متكافىء على الإطلاق بينها وذاكرة ماورائية، غير مؤطرة أو محكومة، وأبعد من الحدود الملموسة أو المتخيلة لهذه الذات.
هذه الذاكرة لا يمكن تفسير دوافعها أو التيقن من تدابيرها الغامضة .. هناك دائماً كائن مقدّر له أن يهزمه غياب ما .. موت .. اختفاء تدريجي لوجوده داخل الوحدة .. ليس كنهاية منطقية لماض شخصي؛ بل كدفع ثمن لعالم غيبي، مجهول، يخص أشخاصاً آخرين لا يعرفهم هذا الكائن، ولحظات لا ينتمي إليها.
هكذا كانت «مس استير» لطالب «أمريكان المنصورة» مثلاً، وهكذا كانت «دولت» للشاب في فرح أخيه، وهكذا كانت الست «شربات»، و«فرجة» وبنتها «آية» لـ«عبده الحلاق» .. لم يكن لطالب الأمريكان في قصة «مس استير» أي علاقة بالتاريخ الذي أخذ «مس استير منه، ولم يكن للشاب شقيق صاحب الفرح في قصة «قمر لي وحدي» بصمة في تكوين الحياة التي جعلت «دولت» تموت أمام عينيه، ولم يمتلك «عبده الحلاق» في قصة «الوفاة السعيدة لعبده الحلاق» القدرة على استيعاب لماذا غادرته «شربات» و«فرجة» و«آية» ليموت وحيداً.
الذاكرة الهائلة المنفصلة عنك، التي تم تشييدها في أماكن وأزمنة بعيدة عن حياتك، ولن ترى من حقيقتها سوى المشهد الذي يقتلك .. «مس استر» تعود إلى «نيقوسيا» .. «دولت» ترقص وتجري وهى تنظر إلى «القمر» ثم تسقط من فوق السطح .. «شربات» تسافر إلى ابنها في السعودية، و«فرجة» تموت، و«آية» تتزوج وتبتعد.
بواسطة القص لا يرصد أشرف حسن هذه اللحظات الجوهرية ويثبتها فقط، وإنما يمكننا القول أن هذه هى الكيفية التي يمكن للذات أن تحقق انتصارًا ما من خلالها في ذلك الصراع غير المتكافىء.
الكتابة إذن في هذه القصص تعيد السرد، أي تحكي ما حدث منذ البداية مرة أخرى – حتى لو كان واقع السرد ذهنياً – لا لتحصل الذات على غنيمة تعويضية عبر تحريف ما، وإنما لتتأمل قدرتها المضادة على الوعي بما لحق بها بفضل تلك الذاكرة الماورائية. لتُدخِل الدوافع والتدابير الغامضة إلى نطاق الاحتمال والتخييل؛ حيث يتم الحرمان المجازي للذاكرة غير المؤطرة من طغيانها، وإبقائها – عن طريق الحكي – خاضعة للإلهام المتغير، ولإعادة البناء.
الحكي إذن هو فرص الولادات الجديدة، اللانهائية، التي تخلخل سلطة الغياب والموت، والاختفاء التدريجي داخل الوحدة.
لكن الانتصار الذي يحصل عليه ذلك الكائن من خلال القص ليس تعديلاً لعالمه الشخصي داخل المشهد الوحيد الذي يراه من حقيقة تلك الذاكرة فقط، بل تعتبر الكتابة هنا أيضاً بمثابة إنقاذ جمالي مقترن للشخصيات التي تشارك هذا الكائن مشهد قتله .. أشرف حسن يريدك أن تفكر وتتخيل «استر» بنفس القوة التي يمكن أن تتعاطف بها مع طالب «أمريكان المنصورة» .. أن تعيش «دولت» بداخلك بعد موتها مثلما تخيلت نفسك في ذلك المكان المرعب الذي كان يقف فيه شقيق صاحب الفرح ليشاهدها وهى تسقط .. أن تحلم بـ «شربات» و«فرجة» و«آية» وأنت تموت مثل «عبده» الحلاق.
هل يمكننا تصور أن الذات في إعادتها للسرد لا تتأمل قدرتها على الوعي بهزائمها، أو أنها تنقذ الشخصيات التي تشاركها لحظات الصراع فقط؛ بل أنها أيضاً تصحح التاريخ الذي لا يخصها، ولم يكن لها بصمة في تكوينه، ولا تمتلك القدرة على استيعابه؟.
هل يمكننا تصور أن حكي ما حدث منذ البداية مرة أخرى لا يحرم الذاكرة الماورائية من طغيانها، ولا يقودنا إلى منح حياة بديلة إلى الآخرين وحسب؛ إنما يفكك أيضاً التدابير الغامضة للعوالم الغيبية المجهولة التي تُجبر الكائنات على دفع ثمنها، وبالتالي يتغير التاريخ نفسه سردياً؟ .. أشرف حسن ساهم إذن في إعادة تشكيل الحروب القبرصية، وشارع صيام، وحياة الفئران خاصة عندما تراقب احتضار البشر.
من الملفت في مجموعة «الوفاة السعيدة لعبده الحلاق» هو اللغة، وتحديداً حسيتها الغنية .. يتجلى هذا بوضوح في التشبيهات التي استخدمها أشرف حسن في قصصه، والملفت كذلك أن هذه الحسية التي تبدو كانحياز لغوي راسخ عند الكاتب كانت تشبه النوافذ الآمنة للأفكار .. للتفاعل مع الصور بتفاصيلها الدقيقة.
كأن هذه الحسية كانت سياقاً في حد ذاته يضمن ترتيب العلامات الخاصة بالسرد .. يحولها إلى نماذج قابلة للتطور في ذهن القارىء .. أتذكر على سبيل المثال قصص «في الظل»، و«الكرسي»، و«أسئلة صباحية»، وخصوصاً قصة «أمور عنيفة كالشمس» .. كأن هذه الحسية توفر نوعاً من التداخل أو الامتزاج بين الشخصيات .. كأنها كانت تقيم جسوراً بين الشخصيات والأماكن، بمستويات متباينة من التأثير المتبادل.
أي سعادة تكمن في وفاة «عبده الحلاق»؟ .. في قدرته على الانتظار؟ .. في قدرته على الحلم حتى اللحظة الأخيرة؟ .. في يأسه؟ .. في استسلامه؟ .. في قناعته بأنها وفاة تليق فعلاً بحياته؟ .. ربما .. لكن أشرف حسن في تصوري جعل السعادة تتجاوز كل هذا .. وضعها في تلك العبارة التي يجب كذلك الانتباه إلى دلالتها الحسية «وحده في العتمة الرمادية تثقل أجفانه السنوات والليل» .. هذه العبارة تخص الكتابة مثلما تخص «عبده الحلاق» .. كأن الكتابة احتفال بالعتمة الرمادية .. سواء كان باستطاعته أن ينطق هذه العبارة بلسانه أو في روحه، أو بمحاولة استنطاقه بها؛ ستظل هذه العبارة هى الدليل على أن موته أكبر من نهاية شخص ما .. على التاريخ الذي يتمدد عند حافته .. الدليل على الذاكرة التي يموت فيها الجميع بنفس الطريقة.
موقع (الممر)
16 أغسطس 2016

الاثنين، 8 أغسطس 2016

الصائد صفر‮ :‬ الصوت الروائي للموت‮!‬

تقول لورا كارلسون بطلة رواية "الصائد صفر" لباسكال روز: (لا تريدني أن أنسي. كانت ترغب أن أتذكر. كانت تريدني أن أعاني أمامها. وأنا إن كنت أجيد المعاناة فلم أكن أجيد الكلام).
إن ما يخلق الاختلاف بين هذا التعريف الشخصي والتوصيفات الأخري المشابهة للذات داخل هذه الرواية الصادرة عن سلسلة الجوائز بالهيئة العامة للكتاب، أو حتي تلك التعريفات المماثلة التي يمكن أن تتكرر بسخاء عظيم داخل سرديات أخري هو أن هذا التعريف لم يضع حدوداً له كمجرد إقرار خبري مباشر بطبيعة وجودية، وإنما تحوّل علي نحو جوهري إلي استراتيجية شكلية للحكي..يمكننا منذ السطور الأولي للرواية إدراك أن باسكال روز ستعتمد علي توظيف العبارات القصيرة، النقية، المستندة أحياناً إلي تكرارات مقصودة لتكوين البنية السردية الملائمة لـ "إجادة المعاناة، وعدم إجادة الكلام".. التي سيضاف إليها لاحقاً "عدم إجادة التفكير".
(قلت إنني لا أجيد التفكير. عندما أقرأ لا أفكر. كنت منومة مغناطيسياً. كنت أبلع الكلمات حتي تختلط السطور أمام عيني، حتي الخبل. تقريباً كانت حسبما أعتقد رغبة في الموت. رغبة في الموت في حرب اليابان).
(كنت أمكث صباحات بأكملها وأنا أكرر محاولاتي المتعلقة بالكتابة وبتأتآتي).
هذا ما قد يعطي شعوراً حاسماً بأن لورا كارلسون أثناء التشريح المحكوم بالدوار لتاريخها أقرب إلي أن تكون طفلة تحاول مراجعة وحفظ مقرر دراسي معقد، وهي تعرف جيدا أنها ستستمر في مواجهة اختباراته العسيرة طوال عمرها.. تعرف أنها تعيد كتابة حياة مجهولة لا تتمكن من فهمها، ولا تضمن بالضرورة أنها تنتمي إليها، ولكنها لا تملك سوي مواصلة التجريب الشاق للكلمات المرتبكة.. ربما يكمن في هذا التجريب الكيفية اللائقة بالتعامل مع هذه الحياة.. تدفع باسكال روز بطلتها لاكتشاف ما يبدو أنه تواطؤ غامض بين أقدار متشابكة، وإلي مقاومة الوعي لهذا التواطؤ ببذل الجهد اللازم لتثبيته في الذاكرة.. هذا التثبيت يهدف إلي اختيار الأماكن الصحيحة في الزمن الخاص لتسكين تلك الأقدار بعد تحويلها ـ حكائياً ـ إلي علامات جمالية، كاشفة، أو كذخيرة ـ غير موثوق بهاـ يمكن استعمالها في حروب يبدو مصيرها محدد سلفاً.
(طفولتي كانت مخيفة. الشقة كانت مخيفة. جدي وجدتي كانا مخيفين واستغرقت أمي في صمت مخيف. في البداية سعت إلي العمل بناء علي فكرة جدتي، اشتغلت معلمة للإنجليزية في المدرسة نفسها التي تعلمت فيها. عانت وهي تقاوم الإنهاك، لم تستطع إعداد دروسها، ولا مواجهة نظرة زملائها المشفقة. وذهبت جدتي إلي المديرة كي تشرح لها. أزاحوا عنها عبء العمل . ومن هذه اللحظة، ستقضي أمي أيامها الطويلة الموحشة في لعبة السوليتير. سوليتير طيلة النهار. تولي جدي وجدتي تربيتي واهتما بابنتهما تقريبا مثلما يتم مع الطفل المتخلف).
لكن لورا كارلسون باستخدام هذا التخطيط السردي لا تكتفي بالتنقيب داخل الماضي بما يعني إعادة تمريره إلي العالم في صور مختلفة، بل تعيد أيضاً تشريح تاريخ الشخصيات الأخري التي ساهمت في تكوين هذه الخبرة.. ليس باعتبار هذه الشخصيات عناصر مؤثرة، تقتصر أدوارها علي البصمات الفاعلة في حياة (لورا) بل ككيانات مستقلة لكلِ منها حكايته الخاصة، التي يتعين عليها أن تُكتب.. الكتابة التي لا تسعي وراء أن تتخذ تلك الكيانات طبائع مغايرة بل لتوضع في السياقات المجازية التي تحولها إلي نماذج قابلة للتأمل المعزول عن طغيانها الجسدي.. الأم بينيدكت المحطمة، التي تنادي علي زوجها الميت، ويلهو الضباط بجسدها وهي سكرانة في البارات والفنادق.. الأب أندرو كارلسون الذي قُتل في الحرب العالمية الثانية، ولا تمتلك ابنته إلا صورتين له.. الجدة (آكلة الأطفال).. الجد الشغوف بالرياضيات والفلك وصيد السمك.. الصديقة ناتالي التي حرضتها علي اكتشاف كيفية مقتل أبيها.. الحبيب برونو المؤلف الموسيقي الذي هجرها ليقيم مع السوبرانو البولندية.. الانتحاري الياباني توسوروكاوا أوشي قائد الطائرة (الصائد صفر) التي قتلت أباها.. كذلك لا تتوقف (لورا) عند اقتفاء أثر هذه الأقدار وعلاقاتها وتحولاتها، بل تستعمل آلية المراجعة والحفظ في توثيق السيّر العديدة للأماكن والأصوات والمشاهد والمذاقات والروائح والملموسات.. ليس بوصفها أيضاً مواد وتفاصيل تم تكريسها لتشييد الأزمنة البشرية بل كمخلوقات حية لكلٍ منها ماضيه الشخصي الذي يستحق أن يوجد في نسق افتراضي يُبقيه مهيئاً لكافة الاحتمالات.
(كان ضجيج الصائد صفر قد عبر رأسي بسرعة شديدة جداً لكن بالإنصات الجيد فهمت أن طرق الراقصين علي الأرضية قد يحدث التباساً. في أي ناحية يتوجب عليّ انتظاره؟ صفوف من النمل صعدت إلي ساقيّ, إلي ذراعي. وقبل أن تشلني، كان يتعين عليّ الوصول إلي الحمام وغرز سدادات الأذن خاصتي).
إن ما يتولي إنتاج هذا المقرر المدرسي المعقد بالنسبة لـ (لورا كارلسون) هو الموت.. التهديد بالموت.. صوت الطائرة (الصائد صفر) الذي يلاحقها.. الموت كترويع حاضر دائما،ويختبيء في خفاء محصن.. الموت الذي تسوقه دوافع مبهمة، ليس في حاجة لتبريرها.. الذي لا يؤمن إلا بمنطقه الخاص.. الموت كظلام خارجي مجهول الهوية،يمكنه الانقضاض فجأة في أي وقت ليفسد الشعور باقترابه كافة اللحظات التي تبدو آمنة.. الوعيد الذي يهبط من السماء ويخترق الجسد ويفصله عن ذاته دون توقع.. الموت الذي يحوّلك إلي نسخ متناثرة تحاول كل منها أن تنقذ الأخري.
(لو تركوا لي هؤلاء الأطفال، لو لم يأخذوهم مني، فسأحدثهم عن تسوروكاوا. ولأجلهم سأتخيل فترة شبابه)، (كنت سأقص عليهم، أنه كان يبدأ طريقه كل صباح من إمبراطورية الشمس المشرقة وأنه يوماً ما سيجدهم، وأنهم يوماً ما سيسمعونه. هي ليست حكاية كتلك التي تقصها عليكم جدتكم، فهي حقيقة خالصة. ومعني أنكم سمعتموها أنه كشف موقعكم علي خريطة الأحياء، وأنكم ستصيرون موتي عما قريب).
إن التطور الأساسي في الرواية يكمن في تحوّل الموت مع تقدم خطوات (لورا) في الحياة ـ المتزامن مع تفحص الماضي والسقوط داخل فراغاته ـ من تهديد خارجي إلي هيمنة داخلية.. من طنين طائرة عسكرية إلي صوت أصيل في الباطن.. لا يمثل هذا اكتشافاً لحقيقة الموت بقدر ما هو تمييز لحقيقة العالم.. أن التجارب والخبرات الدنيوية هي صنيعة الموت نفسه السابق لوجودها، وأنها لا تتسم بحضور قائم بذاته، ينبغي له ـ بديهيا ـ الاستسلام لمصير حتمي، قادم من عتمة بعيدة.. تتحول لورا كارلسون من المقاومة المتواصلة للموت المنقض عبر أذنيها إلي التماهي معه.. تصبح هي الموت نفسه.. كأنها بلغت ذروة التعرف علي جسدها.. علي الحكمة الأبدية التي تقف وراء صراعاتها مع الآخرين.. يقترن هذا التطور بتحوّل في البنية السردية للرواية حيث يتسارع الحكي مع التزام أقل بالاستراتيجية الشكلية التي بدأها، المعتمدة ـ كما سبق وأشرت علي توظيف العبارات القصيرة، النقية، والمستندة أحياناً إلي تكرارات مقصودة.. هذا التسارع سيخلق شكلا آخر من التماهي بين الرواية والموت، فالأداء اللغوي سيتسلل إليه تدريجيا ـ مثلما تحصل الطفلة بعد وقت ما علي قدر من الاستيعاب للمقرر المدرسي المعقد ـ ما يتجلي كنوع ضبابي من المعرفة.. اليقين اليائس بالموت كخالق للحياة، وليس كقبضة سوداء منفصلة، تسقط من أعلي.. بالإمكان إذن إدراك أن هذا التسارع في الحكي قد يصبح تمثيلاً كتابياً لصوت طائرة (تسوروكاوا) بعد أن أصبح اقترابها قادماً من الداخل، وأن هذا هوالدليل الصلب للتماهي مع الموت.. التماهي الذي يصل بك إلي حالة (الصفر) كما كان الاسم الذي تحمله طائرة الانتحاري الياباني.. العدم الأزلي حيث لم تحدث الحياة أصلا بل امتداد لم ينقطع مطلقاً للموت.. الموت الذي سيعلن عن نفسه كمتن سردي.. كمصير يأتي تدريجياً من باطن الرواية محدداً حركة اللغة، وليس كحقيقة يتم استدعائها أو مجرد واقع يُراد تأمله..سيكون من المنطقي إذن أن تتخيل (لورا) تحريضها للأطفال علي اكتشاف الموت الكامن داخل أنفسهم.. داخل أجسادهم حينما يتعرفون علي وجوده مثلما فعلت.. إعطائهم الانتباه القاتل لإقامته في أرواحهم؛ وهو ما سيجعلهم يسمعونه دائماً.
(وضعت الصور بجانب يوميات تسوروكاوا وقارنت بينهما. لا أعلم أيهما أبي، أندرو كارلسون أم تسوروكاوا أوشي. ضمهما الموت متشابكين، الواحد منهما يتشبث بالآخر في قاع المحيط الهادئ. تمزقت جثتاهما بشكل متماثل. قرضهما الملح. وكنت أنا وسطهما. كنت أنا طفلتهما).
سنلاحظ في نهاية الرواية التخلص التدريجي من التسارع في الحكي والعودة إلي الإلتزام بالاستراتيجية الشكلية التي تمسّك بها البناء السردي منذ البداية.. استرداد النبرة الطفولية المنسجمة مع رجوعها كطفلة يُعاد ولادتها بفعل الموت.. كأن الهجوم الانتحاري في 7 إبريل عام 1945 الذي قتل فيه (تسوروكاوا) الضابط (كارلسون) كان ممارسة جنسية في حقيقته.. مضاجعة ذكورية بين رجلين ميتين.. مضاجعة الموت لذاته، والتي أنجبت طفلة ميتة اسمها (لورا)..تماهي مع الموت، باعتبارنا موتي نتناسل المزيد من الموت.. باسكال روز تريد أن تُسمعنا الصائد صفر الذي في أجسادنا وعلاقاتنا وأمنياتنا بأقصي ما لديها من قوة.. بواسطة الكتابة.. نحن نقرأ، وكأننا نصغي لصوت الطائرة التي تقترب في داخلنا.. القراءة بديل للسمع.. كأن لورا كارلسون تسبق الجميع في إدراك انتمائها إلي الموت.. لم تعد تقاومه لأن الموت أصبح هي نفسها..لهذا أرادت أن تذهب إلي نهايته حيث ينبغي أن تكون..ضغطت بقدميها علي دواسة سرعة السيارة، ولم ترفعها بينما الشاحنة تقترب منها.. (ساعدني. ضمني بين ذراعيك).. هكذا كانت تنادي (تسوروكاوا) وهي تصطدم..ربما فكرت (لورا) في المستشفي بعد إفاقتها من الحادث، أن مضاجعة أخري كان ينبغي أن تحدث، تم تأجيلها.. ممارسة جنسية أخري لابد أنها ستتحقق في لحظة قادمة للوصول إلي الغاية التي من أجلها يمر الزمن.. حيث كل ما في العالم ليس إلا صوت الطائرة وهي تقترب.
أخبار الأدب
06/08/2016