الخميس، 3 نوفمبر 2016

عن قصة (لوحة سرطان الخصية) لـ (ممدوح رزق) / بونزاي

لأول مرة أقرأ نصاً يعبّر عن هذه الفكرة، هناك نصوص بالإنجليزية عن الـ Swingers أو الـ  Submissiveness
ولكنها تجسد مفهوماً آخر للذة البحتة، فقط ،أما شخصية هذا النص فهي تتحدث من منظور الشخص الأول عن العجز الحسي الذي تتضاءل به خيارات الممكن الجنسي، ورغم أن هذه الفكرة مثيرة للاهتمام وصالحة للتركيز عليها، إلا أنه يبدو أن الكاتب فضل التركيز على فكرة الصداقة بين الرجلين وهي الفكرة التي أعطاها النص مساحة وجدانية جديدة تتحرك فيها هذه الخصلة محطمةً حدودها المعتادة، لتكون هي Themeهذا النص، ولعل أقوى الدلالات على زعمي هذا هو أنه رغم قصر النص إلا أن كلمات "صديق" و "أصدقاء" و "صداقة" و "صديقة" تكررت 17 مرة، في المقطعين الأول والأخير فقط، ورغم أن هذا التكرار قد يكون منتقداً، إلا أني أتفهم دوافع الكاتب ورغبته في تركيز ثيم الصداقة في ذهن القارئ الذي قد ينجذب لا شعورياً إلى الإغراء الشديد لفكرة الجنس فتشتت انتباهه عن المعاني العميقة الأخرى للنص.
دلالة أخرى هي ربط النص بين الصداقة والحب، وهي فكرة فلسفية أثيرة، هذا الربط تجلى واضحاً من خلال عقد الصداقة بين الراوي والصديق، وهي فكرة تقوم على أن الصداقة بما فيها من التزامات الوفاء والعطاء غير المحدود تتشابه كثيراً مع فكرة الحب، الحاجز الذي يقف عنده فلاسفة الأخلاق هو في العطاء (الجسدي)، فهل هو الحد الأقصى للعطاء الذي يحول الصداقة إلى حب حيث تنهار معه كل الحجب والحواجز وتصل الأجساد إلى مرحلة من الصفاء والتلاقي تماثل صفاء الأرواح وتلاقيها؟ التفاف النص ببراعة على فكرة العطاء الجسدي المباشر إلى فكرة العطاء الجسدي من خلال وسيط (المرأة في النص) يسمح بذلك التلاقي ليتجسد مفهوم الحب بين الرواي والصديق: "صديقي لا يستمتع فقط .. هو يفعل ذلك من أجلي أيضا ... لأنه صديقي ، ويحبني مثلما أحبه".
دلالة ثالثة هي أن النص بنى الصداقة على العوامل المشتركة بين الراوي والصديق، وهي أن كلاً منهما يعبر عن الآخر ويتناوله في كتاباته أو رسوماته: "أنا أحب صديقي .. لا أعرف تحديدا ماذا تعني المحبة هنا ولكن يكفي أنه بالإضافة لكونه صديقي فهو أيضا يكتب قصائدً جميلة عن نفسه وعني وعن المرأة" ثم قول الراوي "ربما هو مثلي لا يعرف ماذا تعني المحبة حقيقة ولكن يكفي أنني بالإضافة لكوني صديقه فأنا أيضا أرسم لوحاتً جميلة عن نفس الأشياء التي يكتب عنها".
دلالة رابعة هي الأرضية المشتركة التي بنيت عليها صداقة الرجلين، وهي أرضية -وفقاً للنص- لا تشاركهما فيها المرأة، حتى لو أقنعاها بذلك، وحتى لو ظنت هي ذلك، يعبر الراوي عن مجيء صديقه بقوله: "في الليل سيأتي صديقي..." ولكن حين يعبر عن مجيء المرأة يقول: "في الليل ستأتي امرأة..." وحين ربما يحس الراوي بالذنب من عدم اعتبارها صديقة مع أنها منحت جسداً وعطاءً وربما هي تظن أيضاً أنها صديقة إلا أن الراوي يفترض أن مجيئها لأسباب لا علاقة لها بالمتطلبات الروحية للصداقة، بل مجيئها هو لإشباع نهم جسدها، ولذا فهي لا تستحق مرتبة الصداقة، يقول الراوي "ربما من الممكن أن اعتبرها صديقة وعلى أي حال فلديها الأسباب الكافية التي تجعلها تأتي..."، ثم تتجسّد نظرة الشخص الأول الدونية للمرأة منطلقة من وعيه الباطن باعتبارها "لم تكتب أو ترسم شيئا في حياتها .. لكنها ستأتي .. ربما لأنها امرأة فحسب..."، ثم مرة أخرى متأثراً بقيم الثقافة والحضارة والحديثة مغالباً تصورات العقل الجمعي المترسبة في وعيه الباطن يحاول إعادة الاعتبار لها حين يعلّل مجيئها بـأنهاربما لأن لديها ما هو أكثر من كونها امرأة ويجعلها بالتالي صالحة أكثر لأن تأتي في الليل إلى بيت له شرفة وبداخله رجلين أحدهما يكتب والآخر يرسم وربما يعتبرانها بالفعل صديقة".
في النهاية أقول بأن النص تعامل مع فكرة الصداقة بين الرجلين بعمق خلق لها معنى جديداً من جهة، إلا أنه ومن جهة أخرى تمسك بإرث العقل الجمعي في النظرة إلى المرأة وعدم اعتبارها "صالحة" للصداقة ليس فقط لأنها لا تكتب ولا ترسم، ولكن لأنها "امرأة".
نص رائع جداً مكتوب باحتراف أغراني بتحليله، مدهش هذا الزخم الثري من الأفكار والدلالات في نص بهذا القصر، التنقل والربط بينها بسلاسة، ثم التركيزعلى الثيم بكثافة في بداية النص ونهايته، ربما من أكثر النصوص إثارة للاهتمام مما قرأته في هذا المنتدى أو سواه منذ مدة طويلة.
جسد الثقافة
14/3/2009