الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

فاطمة فتح الله و ممدوح رزق .. شاعران بقلب واحد / رحاب حسين الصائغ

يدفع البحث في غرف خيال الشعراء (مرأة/ رجل) العثور علي قصيدة عذراء تعيش ليل اصفر، ربما نجدها محنطة بجمرات من نار، فيأخذني باطن ذاكرتي المغلف بشوق لإحتضان تلك القصيدة، بابتسامات لها علق جميل يسكر وجه العالم، أما موجات الفكر بلحظاتها الحية المفعمة بلحظات السكون، يشدها حبل عير مسافات الجذر، ارجوحته الارض ومخيلة طموحاتها لها وقع اقدام ثقلية في حب الارض, صاحبتني بهجة بلورية وانا اقرأ قصيدة الشاعرة فاطمة فتح الله الحجاج (تمخض حزناً) وقصيدة الشاعر ممدوح رزق (رجل وامرأة متعانقان في سعادة كخلفية لشاشة الكومبيوتر). فاطمة فتح الله، وقصيدتها " قانا الجرح النازف " بما تصبه صباً من تاثيرات وقعت في نفسها من خلال مشاعر عاشتها تجاه قانا الجرح النازف، وما انتزعته من حلم السلام، باحثة عن تجدد أطياف الحلم في الحلم نفسه، والشاعر ممدوح رزق، قام بعرض بطيء للتخلص من نفاية الحزن، يجر نفسه جر الباحث عن ظل سميك يحمي رصيف خطواته التي اصبحت أقرب الي فقدان الطريق، ورصيف شعوره الذي تسرب فجأةً مع كل خطوة نحو سماء غامت وابتلعت الشمس، فسرت أقفال افكاره الي نافذة التفوق في النهاية لجواب استحكم لكمات الواقع المر. الشاعرة فاطمة في تأني جميل ومؤثر تنشر سمات الحلم بذائقة شعرية ناصعة، وصوت خيم علي حجب الواقع المؤلم ممسكة بالأصالة، تعابيرها الجمالية واستنطاقاتها تشد حروفها نحو سماء الكلمة المعبرة والموثقة، انها تريد انجاز الحلم، ومصرة علي ايجاده بكل الوسائل، بقولها:
لم يغمض لي جفن منذ ليلة البارحة..
وأنا اري اشرعة حلمي تتكسر امام ناظري بكل قسوة..
بعدها كانت تداعب مخيلتي؛؛ وتتهادي مع ستار نافذتي..
. . .وهاجر كما تهاجر طيور النورس عن شاطئ المتوسط
..
كان حلمي ان يعم السلام..
في بداية القصيدة تذكر انها لم يغمض لها جفن، وانها تري اشرعة حلمها تتكسر امام ناظرها وبكل قسوة، فاطمة لا تعرف النوم ونسمات التفكير تسري وتجوب في هدأت الليالي خيالاتها، تحاول ان تلامس الانبثاق الآتي من حسها ومشاعرها، وتحرق مضجعها ساعات وساعات، وتزيد من قولها:
وانا اسمع زغردة أمي عقب الانتصار..
وإلاّ تندثر تحت الركام ..
أحلم بأن اكون أملاّ..
شمعة ..
قنديل.
. وبينما كان حلمي يرسم ابتسامة الغد علي شفتي اهتزت الارض من تحتي واهتز الكون بكامله من فوقي
و....
في قصيدتها لا عشق للرمزية، بل كل ما يحمله الواقع من احساس حاد في حاضره، ان الشاعرة فاطمة تجول بكل حيوية في سماء الحدث وباتجاه الشعر ووظيفته الفكرية، دقائق الحياة تتمزق بتفاعل غريب وصريح في وضح النهار، بعشق تعزف ايقاعات الكلمة والمتآلف من الامل في شق اخدود الحلم وباشتهاء تتفتق عندها حنجرة الالم، كغيرها تعبر عن ما يجول في نفسها ونفس كل انسان عربي حر متالم لواقع يعيشه شعب بل شعوب تحت عنوان الحرب وما يأتي هذا المسمي من عذاب علي تلك الشعوب دون رحمة، وقضية البحث عن التحرر مسألة مهمة عندهم ودوافعهم انسانية، ولكن الاطماع وسيادة مصالح البعض والخاصة من ذوي السلطة هم من يؤخر ارادة الشعب في تحقيق طموحاته، والشاعرة فاطمة تؤكد علي هذه النقاط، حيث تقول:
لا اعلم لم اعي شيئاً..
فبوحي هنا .. متقطع.. متناثر كما في نفسي.
.وحروفي باهتة كما هو جسدي..
ولمن لا يحتمل اطنابي ..
ولا يحتمل ان يلامس بوحي لآخر قطرة..
اقول: لا تنظر لرفاتي..
ولكن انزف معي..
تحسس جرحي..
ألمي..
ومعاناتي.
.وتمخض حزناً
..ابدعت فاطمة فتح الله الحجاج، في القصيدة والمقطع الذي تقول فيه: (فكل اطفال العالم يولدون في اوطانهم إلاَّ اطفال فلسطين ولبنان، فيولد الوطن فيهم..)
كم رائع وجميل بوحها وصادق ويحمل التركيز المهم علي اصل القضية والبحث في مضمونها، انه قول حق ودائماً في رأيي ان المرأة قادرة علي التركيز بدقة من خلال مجهرها الحساس تجاه كل قضية وموقف، واجد اروع ما كتب في حق الطفل العربي المسلوب كل ما له الحق فيه، حق الولادة في وطنه جذره، كانها تقول : كيف سينمو تفكيره تجاه امر مهم لم يجد لذة الاحساس بالحلم الوطن، وكثيرا ما يحمل جنسية وطن آخر، هو ما لمحت له واشارت اليه الشاعرة فاطمة، بهذا المقطع الرائع حقا انها مبدعة وخلاقة في رسم جمالية الكلمة وحفظها في مكانها اللائق، حيث تقول: تذكروا صورتي.. معاناتي.. قطرات دمي.. شهقاتي وانا تحت الركام..تذكروا دمعة أمي.. وانين ارضي.. تذكروا طفلا تحت الركام.. لم احمل رشاشاً ولا حتي قلماً..كل جرحيهو اني حملت هوية لبناني..الشاعرة فطمة قدمت بحق صورة كاملة عن معاناة الانسان المستلب الحق والفرق بين ما يعيشه طفل في وطن مجروح وطفل يعيش في وطن تعرف عصافيره مقر سكناهبلا خوف يصادق زقزقتها وهي تغرد صباحا، المرأة الشاعرة متمكنة من تصويب عدسات كاميرتها علي مواطن الالم وعلي فك نسيج خشن، لما يعيش العلم العربي من احداث لا يعقل ان تدوم مع انها اصبحت مثلبة علي العرب نفسهم.
اما الشاعر ممدوح رزق وقصيدة (رجل والمراة متعانقان في سعادة كخلفية لشاشة الكوميبوتر) يدمج دائرة استقباله للقصيدة بصورة من الواقع الحاضر لحياة العربي، وما يستخلف منها علي الحاضر المعاش, وصور التقليد الظاهرة لهذه الصورة المنقولة وتاثيرها علي مجتمعنا، يدخل الشاعر من ثقب ابرة الي اللغة الشعرية ولكن كأنها صورة من صور القص، بكثافة متمكنة وحديثة، كفعل اليوت في اليباب، وهذه القصيدة وجهها مختلف، خاض جنسين ادبيين مدمجا المرأة والرجل بهذا الوضع، خلق قصيدة ماهيتها تحمل نوع من القنص المعروف وتخصص بنبض من التمايز في الجديد في شعره، ليجعل القارئ امام مشاهد كانها من فلم سينمائي، واظهار صورة القلق المنتشر في حياتنا الاجتماعية بين ما نريد وبين ما هو حاصل، صورة المرأة والرجل تحمل الوضع المستلب، ودائما هم غير قادرين علي اتخاذ قرار اتجاه جيلين هما الوسط بينهما، يثبت تلك الصورة في اللامرئي من الوضع العام، ممدوح رزق جرد الجسد من مشاعره واهتم بالمرأة اكثر، كونها مصدر الانوثة وان فقدتها المجتمع تجردت الحياة وافتقرت الي كثير من خصوصيتها، اما الرجل ان فقد مشاعره الحقيقية تجاه امور كثيرة ومنها القوة، وشعر بانه مستلب بصورة غير مباشرة، انعكس كل تصرفه علي محيطه، لكنه ركز علي نقطة مهمة وهي الانجاب وفي اعتقاده انهما يحملان رمز الانجاب وهي حالة ضرورية لدورهما الوجودي، لأنها حالة تمثل الارض والطموح، لهذا كان من منظوره ان المرأة هي الاهم في تقويم المجتمع ان ساندها الرجل بعقل وثقة، حيث يقول:
هل تنازلت عن مشروعك الرومانسي؟
لماذا توقفت عن طلب " الكلمات الجميلة "
واليد الحانية التي تربت فوق كتفك
عندما تجلسين صامتة وتفكرين بالالم؟
كيف اصبحت تعيشين هكذا
دون: " مارايك لو اخذنا كرسيين الي الشرفة ونشرب الشاي معا؟!"
. . .لماذا اصبحت تكتفين ب(تصبح علي خير) خاطفة روتينية فارغة
دون القبلة التي كانت لابد وان تكون اخر علاقتك اليومية باليقظة
الشاعر ممدوح رزق كانه يريد ان يعالج حالة سيكولوجية عند المرأة، يحدثنا عن وحدتها عن تقلبات افكارها، مع انه في قرار نفسه يطمح ان تكون اكثر قوة، وقابلية في البحث عن نفسها، وان تحاول خلق ثنائية بظهورها واهتماماتها، اما مظهرها الذي تتعب جدا بالاهتمام في ابرازه ومحاولة قتل وقتها في امور هناك كثير افضل منها لو اعطتها مساحة من جهدها، او متابعة اشياء تحلم ان تكون بها محط انظار، الشاعر فطن ويجد معاناة المرأة شيء مرتبط بالمجتمع الضارب كل حقوقها ومشاعرها، لذا وضع صور معانتها بنوع من الجدية في الطرح، الشاعر يحسها ويريد ابراز خطوطها البيضاء وليس العيش علي هامش الحياة، كدمية عبر نافذة، بقوله:
بصفتك غريبة جدا كما يعتبرك ابناء الدنيا
هل اصبحت مقتنعة بهذا الاغتراب
الذي لا يجعل منك سوي مجرد شيء ما يعبر
لا يحق له اكثر من ذلك
اما القصيدة الثانية (عرض بطئ للتخلص من نفاية) فهي لا تختلف في شيء عن سابقتها، فهي تدخل في المباشرة ولغتها ليس ببعيدة عن نوع القص، ولكن ما يشد القارئ هي تلك اللغة والصورة الحديثة التي يباغت بها الشاعر قارئه، بطرح الفكر وصياغة المضمون، واعطاء حالة الثنائية في معاناة التي تعيشها المرأة من الوحدة والاهمال المتعمد في المجتمع، وخاصة المرأة التي تعاني الوحدة، كالارملة او العانس، ومما ينعكس علي مشاعرها المكبوته، بقوله:
ما عادت تفتح شرفتها
ربما صدقت اخيرا
ان السحب ستظل عالية
وان واحدة منها علي الاقل
لن يلفت اتنباهها تلك الشرفة المفتوحة دائماً
ممدوح شاعر لا يحب التقليد والتقيد فيما يود طرحه، وإلاَّ لما شد انتباهه المرأة التي تعيش وهم الانتظار والامل المزروع في مخيلتها، واراد ان يقدم صورة عن صنم الفكرة التي تحتوي المرأة، ولا بد من وجود حالة كي تتخلص منها وتحطم صنم الانتظار الفارغ هذا.
قدمت الشاعرة فاطمة فتح الله الحجاج، والشاعر ممدوح رزق، رغبتهما في خلق الوعي عند الانسان العربي ومجتمعه عامة، تجاه الوطن والطفل والمرأة لأنهم اساس الوجوده لأي مجتمع مدني متحضر، أرض مستلبة وطفل مستلب والمرأة مستلبة، فلا وطن بدون ارض ولا امرأة بدون حب ولا طفل بدون مستقبل، ما قدمته الشاعرة فاطمة والشاعر ممدوح، وما تزودا بظلاله من اللغة، والاشتباهات تجاه الوطن والطفل والمرأة، وبنفس الحضور في الابداع والتركيز علي نقاط مهمة، بين حضور الرمز وعدمه لوجود ضمان التفاعل الشعري، وخلق صور جمالية ملائمة لما يحمل المضمون، وما تتعرض له المرأة والطفل والارض من استلاب مستمر يعيق التقدم المطلوب، والبحث عن الطمانينة والحنان ولألئ منغمسة بالمحبة، رغم اختلاف المضون في القصيدتين ولكن هما انجازا شيئا مهم في بوحهما الشعري، وكان تسليط واعي ومهم عند الشاعرة فاطمة والشاعر ممدوح، واستحكما في اخراج لغة شعرية تحمل ألق رائع بما اجادا من غرف البوح برقة وجمال متناهي في خلق انيق منبعث من صميم الحياة وتفاعلها اليومي.
جريدة (الزمان)
29 / 9 / 2009