الاثنين، 28 نوفمبر 2016

سجين يتذكر بوذا قبل مضاجعة زميله

كان يمكن للأمر أن يكون عادياً تماماً لو توقفت رواية (سوبر ماريو) عند حد إعادة التأكيد على أن “حامد” القوّاد واللص وبلطجي الانتخابات هو نفسه الوزير ضابط أمن الدولة السابق المسئول عن تجنيد الممثلات، وكذلك صاحب الأداء الصوتي في إعلانات النظام التليفزيونية، وهو نفسه شيخ الفضائيات الإسلامية. لكنني جعلته أيضاً الأب الذي يصفع ابنه لأنه لم يصلي، والشاب الذي يعد حبيبته بالعيش في سعادة بعيدة عن شرور الحياة بعد الزواج، وكذلك الصاحب الذي ينتحل شخصية امرأة ليخدع صديقه على الشات. الحيلة هنا تتجلى في أن الشر التقليدي المتمثل في “حامد” الذي فعل في الرواية كل ما يمكن أن يقوم به “الخارج عن القانون” لا يتساوى فقط مع الشر الذي تمارسه “النخبة” السياسية والدينية والإعلامية، وإنما يتساوى أيضاً مع التصرفات العادية البسيطة التي يمارسها الجميع. على هذا فرواية (سوبر ماريو) لا تجد فرقاً بين أن يشرب شخص ما المخدرات مع أخته وينام معها، وبين أن يطلب أب من ابنه أن يراعي ربنا في كل شيء وأن يعامل الناس بحب واحترام حتى ينجح في حياته.
(حينما سألها الموظف عنك يا “حامد” هدأت وصمتت فجأة كأنما نُزعت فيشة كهرباء من جسدها ثم أخبرته بالأمر بصوت واطىء خرج من بين شفتيها حزيناً ومتماسكاً .. كانت عيناه تلتهمان ثدييها الكبيرين اللذين يثبت حجمهما وبروزهما الشديد من تحت بلوزتها الضيقة امتلاكهما “c v” حافل، وحينما سمعها تقول أنك مت رفع عينيه إلى عينيها لثانية واحدة ثم خفضهما ليواصل الالتهام .. أختك بالطبع رأت ماذا تفعل عيناه بصدرها وبالطبع أدركت النار التي تحرق أعماقه الآن وبالطبع ابتسمت .. مجرد ابتسامة صغيرة لم تتسع وتمتد وتخرج منها يد مدرّبة لتأخذ شهوته المكتومة إلى أي مكان يصلح للتخلص من الدموع الشبقية الزائدة .. لأنه ليس أكثر من موظف فحسب .. قطعة خراء لا علاقة لها بفصيلة المخلوقات الأسطورية التي تسمى بني آدم .. قطعة خراء تسعى وتحارب وتجاهد وتستميت وتقاتل كي تبقى على قيد الحياة التي لا تعني أكثر من مواصلة الطريق نحو الموت محافظاً على نفسك كقطعة خراء .. لذا هو بالتأكيد لا يمتلك ثمن “الدخول” إلى عالمها الرومانسي الحالم عبر أي من بواباته “العلوية” أو “الأمامية” أو “الخلفية” ولو حتى كـ “عضو” مؤقت وليس عضواً عاملاً).
لو فكرنا في الأمر من خلال زيف الأسس والمعايير البديهية التي تحدد وتصنف الشرور عبر التاريخ بوصفها مستمدة من أهواء ومصالح السلطة؛ لماذا لا تُعد إذن التصرفات العادية البسيطة ـ التي يمكن ألا تُعتبر وفقاً للمقاييس الاجتماعية السائدة شروراً أصلاً بل على العكس يتم تقديرها أخلاقياً كفضائل ـ لماذا لا تُعد هي الشرور الأكثر فظاعة، والأشد إيذاءً لا لشيء سوى لأنها مكونات السلوك اليومي المهيمن، المستتر وراء تلقائيته المبررة واعتياده غير المدان. الفكرة التي لها ارتباط بآراء “فوكو” عن تاريخ الضبط الرقابي، وفنون التصنيف والتوزيع، وتحويل الأفراد إلى حقول معرفة قابلة للمراكمة والممركزة.
أردت أن أجعل رواية “سوبر ماريو” عملاً وقحاً، سوقياً، يمجد آثام البذاءة وخطايا الابتذال. يتحالف مع القاع لفضح الرصانة السمجة، والعواطف القاتلة المحمية بالنُبل والطيبة والمقاصد المهذبة. رواية يمكن أن تقود لمراجعة ثوابت الطهارة والمحرمات والامتياز والعقاب والتقاليد التي تسيطر على الضوابط والمحاذير العقلية، وأيضاً العنف الكامن في المبالغات الشعورية. مغامرة لطرح أسئلة من هذا النوع: لماذا لا يكون مدح صديق لصديقه، والإشاده بصفاته وطباعه للدرجة التي تدفع ذلك الصديق للشعور بالفرح والنشوة “تجميل الحياة والوعد بعدالة في العالم"، لماذا لا يكون فعل كهذا أقسى جرماً من ممارسة طفل للجنس الفموي في حمام عمومي مقابل سيجارة.
(ماما أيضاً كانت هوايتها المفضلة حينما تختلف معها في وجهات النظر أي واحدة من نساء الشارع أو لا تطاوعها في شيء أو حتى لا يعجبها شكلها أو نظراتها أو مشيتها؛ كانت تجلس على الرصيف أمام بيت هذه المرأة واضعة صفيحة بين فخذيها، وتظل طوال النهار تطبّل عليها، وتغني بكل ما له علاقة بالأعضاء التناسلية، والناس التي تركب على ناس، والابناء الذين ليسوا أبناء بحيث لا يأتي الليل إلا وتكون هذه المرأة هي ونساء عائلتها بالكامل قد نمن مع طوب الأرض، ووسعت فتحاتهن كل شيء، وتجشأن لبن البشرية كلها، وأصبح رجالهن أكثر الكائنات خبرة واحترافاً في حمل المناشف والتجفيف وأخذ الفلوس التي تُترك تحت الوسائد).
يمكن بالتالي اعتبار أن طموح "سوبر ماريو” هو وضع حد لاعتبار “الشر” نقيضاً لما يُسمى بالخير، وجعله يمتد ويتسع ليشمل كل شيء. في هذه الحالة لن يكون هو ذلك الشر المتداول الذي يستقر في أي وعي جماعي، أو الذي تختلف انحيازاته من فرد لآخر، بل سيتحول إلى عبث وحشي مطلق، مسخ كاريكاتوري عشوائي يحكم الوجود عبر الزمن. سيصبح قائماً على الأسباب المجهولة والتدابير والشروط الغامضة بعد أن كان مرتكزاً على قواعد ملموسة سواء كانت ثابتة أو متغيرة. تبرهن الرواية على هذا الهاجس من خلال سرد تفاصيل مرتبة ليوم في حياة راوي، يتوازى ويتقاطع مع الحالات المختلفة لشخصية “حامد”. الراوي قد يكون أنا متقمصاً شخصية “سوبر ماريو” السبّاك الإيطالي الذي يخوض مغامرات، ويواجه تحديات متصاعدة الخطورة للوصول إلى الأميرة. يبدأ الراوي في سرد يومه منذ الاستيقاظ والتفكير في كونه “سوبر ماريو” بشرياً، مروراً بجلوسه أمام الانترنت وشعوره بالألم لأنه ليس “أخطبوطاً كونياً” ثم الوقوف في الشرفة، وتذكر الإهانات التي تعرّض لها طوال حياته، وبعد ذلك جلوسه في المساء وحده للاستماع إلى أغاني الأطفال، وكتابة ذكرياته والبكاء على فقدان طفولته، وانتهاءً بصعوده إلى السرير بعد منتصف الليل للنوم والتفكير في الفناء وفي ما يمكن أن يحدث له بعد الموت. تنتهي كل فقرة من اليوم بالجملة الشهيرة للعبة “سوبر ماريو”:
 Thank you Mario But our Princess is in Another Castle
ما يبدو أنها حياة الكاتب الشخصية يتم دمجها بهذه الطريقة كخاتمة ثابتة لكل فصل من فصول الرواية التي تتبدل خلالها شخصية “حامد” كأنها تؤكد على أن تلك الحياة هي التي تقف وراء رؤية العالم بهذا الشكل. إدراك شمولية الأذى؛ فما نحصل عليه من حياة الكاتب، ومن الحالات المتباينة لشخصية “حامد” هو أن العالم ليس إلا عذاباً كارتونياً فوضوياً لا يتوقف، داخل جحيم من الرعب والفشل. بؤس أجوف ومجاني لا يخضع لإرادة أو قرار. هموم وانشغالات الكاتب التي أنتجت وجوه “حامد” المتنوعة تستوعب أنه لا أحد سيتمكن من أن يكون إلهاً، أو ينجح في التخلص من ماضيه، أو يحصل على نوع من الخلود، أو على الأقل ينال قدراً من الثقة في ما سيكون عليه بعد الموت؛ لهذا فحياة الكاتب هي المحرضة على رؤية كل واحد كـ “سوبر ماريو” مختلف. يمكن أن نشعر بذلك التوحد بين “حامد” والكاتب وجميع الشخصيات الأخرى في حياة كل منهما سواء الظاهرة أو الخفية لنصل إلى فكرة اللعبة التي تورط الجميع في حروبها دون فهم أو حسم. 
(أنا “سوبر ماريو
الذي يخوض حروبه الشرسة داخل لعبة متواصلة تتزايد مصاعبها وأخطارها مرحلة بعد مرحلة أي يوم بعد يوم ولحظة بعد لحظة
ينبغي على "سوبر ماريو” أن يظل حياً حتى يصعد إلى سريره مرة أخرى بعد منتصف الليل موعد الإغماءة التالية التي ليست عميقة كما تعرف .
لست فرحاً جداً
كأنني لم أفتح عينيّ منذ لحظات قليلة
ولم أكتشف أنني لازلت حياً
وأنني نجوت من الموت بمعجزة
ولدي أشياء جديدة ليست كالأشياء القديمة التي ينبغي أن أفكر فيها على الفور .
لست فرحاً جداً
الفرح المنهك المتعب للغاية ، واليائس رغماً عني
المريض الذي لا يفهم لماذا ينبغي أن يكون مريضاً هكذا؟
الفرح العجوز الذي لم تعد لديه القدرة لأن يفرح
الفرح لاوجود له
مهما نجوت من الأسقف والحوائط والجدران ، ومهما استيقظت ، ومهما كانت لديك أشياء تفكر فيها على الفور حين تستيقظ).
دمج آخر قمت به في “سوبر ماريو”. إقحام عبارات من القرآن والإنجيل والتوراة والبوذية والبهائية والهندوسية والسيخية والديانة المصرية القديمة وغيرها على لسان “حامد” في كل حالة دون توقع أو سبب معلن وبشكل هزلي كأنني لا أريد فقط الإشارة إلى وقوف الأديان وراء المأساة، وتبرير جرائمها، وإنما لتمرير التصور بأنه لا فرق بينها في طبيعة الوجود والدور والممارسة، حيث تستطيع أن تستبدل فقرة من كتاب مقدس بفقرة من كتاب آخر في أي موقف دون حدوث تغيير أو تأثر.
(أطفأ سيجارته ثم تحرك فوق الكنبة مقترباً أكثر من “منى” التي مالت للخلف وهي تشخر وتضحك حتى نامت على ظهرها وأصبح هو فوقها تماماً فقالت له :
ـ بقولك إيه ؟ .. أنا مش رايقالك
رد عليها “حامد” قائلاً : أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب .
ثم بدأ يقبّل رقبتها ، ويداه ترفعان جلبابها ثم أمسك بلباسها ، وبدأ يحاول إنزاله لأسفل .. مدت يدها سريعاً ، وأقبضت على طرف لباسها العلوي بقوة لتمنعه من أن يخلعه
ـ حامد .. ما حبكش دلوقت يا حامد).
بناء “سوبر ماريو” ليس تقليدياً بالتأكيد، على الرغم من ذلك سيبدو ـ ظاهرياً ـ أن هناك ما يشبه نظاماً صارماً للرواية: مقاطع تتناول حياة اللص والسجين وقاطع الطريق “حامد” وهي الحياة التي تبدو أساسية في بنية “سوبر ماريو"، يتخللها مقاطع تتناول نفس الشخصية، ولكن في حالات وجود مغايرة على أن ينتهي كل فصل بتعقب أحداث وتفاصيل يوم في حياة "سوبر ماريو”. هذا النظام المحسوب بدقة يمكنه إعطاء دلالة عن انشغال بالاتساق، لكن الرواية تتعمد هذه الخدعة بتقديم وعد لترتيب سردي في حين أن هذا البناء يناهض بوضوح سلطة الحكي. “سوبر ماريو” قائمة على شذرات وقصاصات لا تتبنى روابط آمنة، وإنما تتمسك بخلق الجدل، وبالحفاظ على التفكيك الشكلي استجابة لتفكيك ثنائية الخير والشر ذاتها، والسخرية من التأويلات الراسخة عنها. هنا ينبغي التأكيد على أن الرواية قررت التركيز على الصورة النمطية للخارج عن القانون بكافة رذائلها وفقاً لأحكام التاريخ والأديان والواقع السياسي دون حاجة للجوء إلى ما يُسمى بالجانب الإنساني في حياته باعتبار أنني قمت بتشييد جبهتي المضادة بأعراف وقوانين السلطة ليصير الفضح أكثر سخاءً عند التفكير في المقارنات بين وجوه “حامد” العديدة.