كل يوم يحمل تحت إبطيه حصيلته من الورق المقوّى المُهمل إلى دكان التاجر الذي ينتظره عند حلول المساء .. الورق الذي سيتحوّل ثانية إلى علب وصناديق كرتونية تُستخدم في أغراض شتى ثم يتم التخلص منها ليعود الولد ذو العظام اللينة ويجمعها مرة أخرى .. هل فكر ولو مرة واحدة في أنه يمشي بطريقة مضحكة لبصر يراقبه من خارج العالم؟ .. في أنه يمتهن أكثر الأعمال اتساقًا مع “الكساح”؟ .. في أن الحركة الوئيدة المترنحة لقدميه ترسم لوحات غير مرئية للشوارع التي يعبرها؟
للولد مخزن سري في حجرته .. صناديق كرتونية صغيرة مستعملة، مستقرة داخل بعضها تحت سريره، احتفظ بها طوال زمن دورانه داخل المدينة في غفلة من التاجر .. صناديق كرتونية لا تحوي أي شيء، ولا يريد سوى أن يبقيها بحوذته فحسب، كأنما تسكنها كل الخطوات التي قطعها، أو كأنها ألبومات لصور حياته القادمة التي لا يمكنه تخيلها.