أي واحد يا أخي من هؤلاء الذين تهيمن وجوههم المبتهجة على صور ذكرياتك فعل بك ذلك؟ .. أم أنه كان صاحب الوجه الذي لم يظهر أبدًا في الصور؟ .. صورك التي لم أتوقف عن التمعن فيها بعدما أصبحت في الأربعين، كأنني لم أكتشف أنه كان لي أخ أكبر إلا من خلالها .. كأنني لم أكتشف أن ثمة وثائق بصرية لسنواتك القصيرة إلا بعدما أصبحت أمتلك عمرًا أكبر منك .. صورك التي تظهر دائمًا بين أطرها شاحبًا، متجهمًا وشاردًا، كأنما اللقطة الفوتوغرافية تختطفك كل مرة في الزمن الفاصل بين حكاية مجهولة وأخرى .. لقطة تثبّتك رغمًا عنك داخل انسجام غريب من التفاصيل المقنّعة، التي تستعملها كل الحكايات لإيهامك بأنه كان لك دور فيها .. ما الذي فعله بك ذلك الصديق بالضبط؟ .. لماذا فعل بك ذلك؟ .. هل كان شجارًا أم مزاحًا تجاوز حدوده بصورة غير متوقعة؟ .. أين حدث ذلك الاعتداء؟ .. كيف لم تستطع أن تقاومه؟ .. هل عاونه أصدقاء آخرون في التغلب عليك؟ .. هل شعرت رغمًا عنك بلذة ما ولو على نحو هزيل وخاطف؟ .. كيف حكيت ما حدث لأبويك؟ .. احتاج زميلي في الفصل الابتدائي إلى ذراعي ولد آخر لتكبيلي حتى يتمكن من شد بنطلون بيجامتي وإبقائي واقفًا أمامهما للحظات بالكلوت فقط داخل صالون بيتنا بعدما دعوتهما للمذاكرة معي .. كنت قادرًا طوال أربعين سنة على عدم توجيه هذه الأسئلة لأحد ممن يحتمل أنهم يعرفون إجابته .. كنت قادرًا على عدم توجيهه حتى لنفسي لأنني مقتول بما فيه الكفاية ولا أريد التمادي عفويًا في قتل من حولي لو عرفت المزيد من الإجابات .. لكنني لم أعد طفلًا مسالمًا، يستمتع بطرح سؤال مشؤم على شخص ما، مطمئنًا أنه ليس بوسعه أن يجيب عنه، بل أسألك بروح المنتشي بعذاب من يعرف الإجابة .. إنه حقا صاحب الوجه الذي لم يظهر أبدًا في صور ذكرياتك، حتى لو كان واحدًا من هؤلاء الذين تهيمن وجوههم المبتهجة عليها بالفعل.
جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.