الأربعاء، 13 أغسطس 2025
افتتاحية العدد السابع من مجلة "الناقد" / يوليو ـ 2025
ثلاث نساء في غرفة ضيقة: النقيض الغائب
"كأنكِ تركتِ لي خريطة في دفاترك، تشير إلى تلك الأماكن العميقة
داخل النفس حيث تختبئ الظلال خلف الضوء. أكمل طريقي اليوم بحبر لا يزال يحمل شيئًا
من دفء أصابعك، وأعدك أنني سأكتب حتى حين تلتهم النار القلم، كما كتبتِ حين كان
العالم بأكمله صامتًا. سأترك خلفي كلمات تقاوم الذبول، تمامًا كما فعلتِ، وسأكتب
عن كل ما أردتِ قوله ولم تسنح لكِ الفرصة لنطقه. هذا الكتاب جزء من الحوار الذي لم
نتمكن يومًا من بدءه، لكنه اليوم بين يديكِ، حيثما كنتِ. أراكِ بين السطور،
تبتسمين نصف ابتسامة، وكأنكِ تخبرينني أن الكتابة ليست النجاة، لكنها الطائر الذي
يحلق بنا فوق الخراب، يبحث عن عشٍ في الفراغ اللامتناهي.
سأبقى أكتب، لا لأهرب، بل لأجد نفسي بين الرماد، وأحاول، كما حاولتِ،
أن أترك بصمة ضوء وسط العتمة".
تجسد سيلفيا بلاث هذا الوعي بغياب
"النقائض"، لذا يٌستدعى إدراكها للعالم في إهداء المجموعة وتصديرها وعبر
قصصها ككل. ليس للألم وجود مخالف، وهذا ما يجعله "مألوفًا". ما تستبصره
الظلال خلف الضوء. ما يستبطن "النار" التي تجابه "صمت العالم".
"الذبول" الشاهد على "الإمكانية المستبعدة". إن الطائر المحلق
/ الكتابة لا يبحث عن طبيعة مغايرة للحياة بعدما أيقن استحالتها، ولكنه يلاعب
"الخراب" مثلما تبتسم الفريسة ـ نصف ابتسامة ـ لصائدها. ذلك وحده ما
يمكن امتلاكه "عش في الفراغ اللامتناهي" حيث لا يُعرّف الامتلاك إلا بما
يُفقد. إلا بالتيقظ إلى أنه لا شيء يعارض الفقد. البصمة التي يتركها المحترق بين
الرماد. التي يحفرها داخل العتمة متدثرًا بالخوف من أن يبقى وحيدًا مع عقله.
"مَن يصدق خلو ميدان التحرير من الناس وحركة السيارات في ظهر
أغسطس؟! مسحَت عرقها بطرف قميصها، وتلفَّتَت حولها، ما زالت تلهث، ثُمَّ استأنفَت
العَدوَ تجاه محطة المترو، نزلَت إلى باطن المحطة الخالية المهجورة، تسلَّقَت
الحواجز ودلفَت إلى الرَّصيف تنتظر القطار القادم، انتظرَت طويلاً إلى أن نامَت
على أحد المقاعد غارقة في كابوس، تفيق فزعةً، تشعر بأشباح احتلُّوا محطة المترو،
تجري صاعدة إلى الميدان من جديد".
هذا التجرد المتأصل، أي الذي يستبق الوجود،
من البديل المعاكس للحياة هو ما يخلق اللهاث، العرق، تعثر الرؤية، تحديدًا الوعي
بحتمية هذا التجرد، هو ما يخلق الفراغ، بالأحرى يكشفه. تعدو الراوية في قصة
"سبب مفاجئ للنوم الطويل" عبر ذلك الخلاء المتقد، المقترن بالتلفت
الحائر وسط الأشباح، كأنها تجسّد ذلك الطائر الذي يحلق فوق الخراب، فوق ما أصبح
مهجورًا، أي ما تم الانتباه إلى كونه مهجورًا منذ الأزل. ماذا ينتظر شحوبها وكدرها
ودوارها؟. ما الذي تسعى إليه وراء الضبابية والطنين؟ لم يختف شيء من الوجود، ولكن
العمى قد بلغ مقصده. أصبح العمى إدراكًا، ومن ثمّ "أبصرت" الراوية ما تم
طمسه. الراوية تنتظر نهاية النقائض الغائبة، تسعى نحو الحد الأخير للتجرد، وكأنها
بذلك الشقاء الهازئ تطارد مُسمّى الأبدية. ميدان التحرير موطن "مألوف" للازدحام،
لذا هو مكان ملائم لكشف الفراغ في بداهته. لتعطيل الذاكرة، هي قيامة ذاتية إذن
ناجمة عن التيقظ إلى عدم وجود احتمال آخر "نقيًا من الشر". الانتباه
الذي لا يستبعد التذكر، ولا محاولة التشبث بالخيوط المقطوعة "كأنها خيوط
حقًا"، لكنه ـ وفقًا للوعي بالإمكانية المستبعدة للحياة ـ لا يبقيه تذكرًا ولا تشبثًا، وإنما استجوابًا للغياب،
للاحتيال اللغوي، يتقمص ظاهريًأ الأدوار المعتادة "الحب، العائلة"، لكي
يحرّض الظلال التي تسكنها على إزاحة سراب الحضور حيث لا حبيب حقًا ولا عائلة، ليس
هناك سوى راوية بقيت وحيدة مع عقلها لتكتشف سببًا مفاجئًا للنوم الطويل.
"علم
البساطي أن فردوس كانت طعمًا للإيقاع به، لما سمح لها بالعبور؛ عبرت معها بقية
شخصياته. نصبت له النساء محاكمة، لم يتوقفن عن توجيه اللوم والتهم إليه، حمَّلنه
وزر أوجاعهن بخلقهن شخصيات ضعيفة ومخطئة".
في قصة "ثلاث نساء في غرفة ضيقة"
يبرز "غياب النقائض" بحدة ساطعة؛ حيث يواجه الكاتب محمد البساطي نساء
اعماله اللاتي تمردن على مصائرهن المكتوبة وأردن منه تغييرها. إنه استفهام
"الإمكانية المستبعدة" الذي تشهره كل امرأة أمام وجودها. الاستفهام الذي
يعلن عن نفسه عبر كل "كتابة". هل يُحتمل أن يكون "التغيير"
استبدالًا جذريًا، استدراكيًا، خلاصًا من الحياة والموت؟ هو استفهام لا يستهدف
إجابة، ذلك لأن نساء أعمال البساطي لن يحرر كلًا منهن مصير آخر، لكن هذا الاستفهام
هو الكيفية التي تجابه بها النار صمت العالم. الطريقة التي تتأمل بها المرأة ذبول أحلامها
في قبضة التعهد اللغوي بإمكانية أخرى للوجود، أو ـ كما سبق وذكرت ـ جوهر القهر
نفسه.
"حبيبتي.. سأتوقَّف عن الكتابة لكِ..
ستكونُ هذه آخر مناجاة لرُوحكِ.. لقد أنهيتُ كلَّ شيءٍ وخلَّصتُ فتاتي الصَّغيرة
من خطيئة ميلادها..
ميرنا.. ابحثي عن رُوحها حولكِ وأبقيها
مُطمئنَّةً إلى جوارِك..".
يمكن تتبع هذا الحدس بانتفاء الاحتمال الآخر
"المنقذ" عبر قصص المجموعة، حين نفكر في "نقيض" حياة المرأة
التي تكابد الإذلال من زوجها بسبب عدم الإنجاب في قصة "دموع الكراميل"،
وكذلك المرأة التي تكتب لشقيقتها المنتحرة يوميات إنجابها، وعن زوجها واكتئابها
وطفلتها الصغيرة التي "خلصتها في النهاية من خطيئة ميلادها" في قصة
"رسائل إلى ميرنا"، وأيضًا ميرنا نفسها مريضة الاضطراب الوجداني ثنائي
القطب في قصة "فتاة الباي بولار". يلاحظ في هذه القصص أن المعاناة تقود
إلى "إنهاء حياة". الحياة التي ـ بعكس ما تدعي ـ بلا نقائض. مجردة من
البدائل، تختلف أشكالها وصورها وتظل "البقعة الأكثر سوادًا في المجرة"
بحسب ما كتبت الراوية في قصة "رسائل إلى ميرنا". قصص المجموعة تخبرنا أن
"القتل والانتحار" ليسا نقيضين إذا أدركنا بأن الحياة التي يتم التخلص
منها ليس لها احتمال آخر. أن "الاغتصاب" حدث يتقدم على أي ولادة، حيث لا
"اختيار" بعدها محصن من الألم والفناء. إذا تحوّل هذا الإدراك إلى قرين
سادي لا تنفلت لحظة في وعيك خارج سطوته المنتشية.
ليس غريبًا أن تذكرني نساء مجموعة هناء متولي
بـ "نوال" / سعاد حسني بطلة فيلم "موعد على العشاء" لمحمد
خان، وتحديدًا التلصص المتبادل بينها والموت مثلما كتبت في مقال سابق:
"كانت
نوال والموت يتبادل كل منهما التلصص على الآخر منذ اللحظة الأولى وحتى الصمت
الأخير. ذلك ما يبرهنه ـ بتجاوز الدلالة التقليدية لقمع حريتها ـ التركيز على
وجودها وراء أبواب ونوافذ وأسطح زجاجية. كانت نوال تتلصص على نفسها وعلى كائنات
وأشياء الواقع وعلى العيون كافة التي تحدّق في وجهها كمقاومة غاضبة لعذابها المبهم.
كمحاولة للانتقام من عمائها الراسخ ولو بنزع الغفلة عن دموعها. كانت تكافح للعثور
على خلاص ما وراء الجدران المعتمة التي تحاصرها كلعنة أبدية. أما الموت فكان يختلس
الرؤية، ومن خلال كائنات وأشياء الواقع، إلى ملامح نوال كجائع مخبوء يجهّز وليمة
صغيرة لأمعائه".
إن الإمكانية الوحيدة غير المستبعدة أن
تتبادل النساء أماكنها داخل الغرفة الضيقة. هي إمكانية ليست بصدد الحدوث، ولكن هذا
التبادل متزامن، يجري ضمنًا طوال وجودهن داخل هذه الغرفة؛ حيث لا حياة بلا مشاهد
ممزقة، أو جروح متكررة، أو محاولات لتمرير الوحشة من البوح المتداعي إلى ما وراء
القص، لكي تكون الحياة هي القصة نفسها. لا رسالة تفرغ من كلمات سيلفيا بلاث، ولا بورتريه
يخلو من وجه فريدا كاهلو.
أخبار الأدب
3 أغسطس 2025
ممدوح رزق يقتفي أثر "الغضب" في الرواية العربية الحديثة
يتتبع ممدوح رزق في كتابه التجليات المختلفة، والحضور الضمني المتعدد
للغضب في نماذج من الرواية العربية الحديثة، حيث يكمن الغضب على سبيل المثال في
هدم رمزية الأبواب وتحولها إلى جدران لا مرئية كما في رواية "سيرة حنان"
لوائل ياسين؛ إذ لم يعد الخلاء أو التخلي أو التجلي أو الندم أو المس أو الونس أو
التيه أبوابًا، وإنما إشارات خيالية للفكر، لتذويب حركة هذه الأبواب، لتعرية ما
يواريه إيقاعها الذي تجسده اللغة، ومن ثمّ فكل باب هو الذي يحكي سرابه، يفتت ذاكرة
ما يسرده لتصير الحكايات كأنها بلا ماض فعلي حيث لا يعدو ما تسترده سوى أطياف
متناثرة، متحوّلة طوال الوقت، وهذا ما تمثله الطبيعة الشذرية لفصول الرواية. كأننا
"ننصت" إلى راو متنكر، يمرر عماءً متجذرًا من ثنايا ما يبدو أنه نتاج
علمه، وبالتالي فكل ما "يتفوّه" به هو نسخة من شخص، شيء، حدث، قابل
للاستبدال، للمحو من أجل سياق آخر، كما لو أن استعادة الذاكرة تجريب للاحتمالات،
أو خلق ما يُسمى أبوابًا في "العراء":
"ذلك ما يهدم رمزية الأبواب التي أشار لها غاستون باشلار، أي
"فكرة الانتقال" من شيء إلى آخر، أو الأفق المجازي للخطو أو الاجتياز،
حيث يمثل العبور من مكان إلى مكان تغيّرًا أو تحوّلًا ما، وهو ما يمتد عفويًا إلى
"الأبواب" في مجموعها، أي التي لم تصرّح بعد بـ "الانفصال"
المتجذر في حكمتها المرئية. الباب، وفقًا لذلك، جدار مطلق، غير مرئي، لا يمكن
اختراقه، ليس بين جسد وآخر وحسب، وإنما، في المقام الأول، بين الجسد ونفسه، بين كل
ما ينطوي عليه كل جسد ونفسه، وكأن الجسد في حد ذاته هو الباب الذي لا يُفتح.
الجدار الناجم عن هدم الثقة التي تزعمها آلية الفتح والإغلاق".
"فالشخصية هنا أنقاض تحاول التماسك، وتكشف زيفه في الوقت نفسه،
عبر صلاتها المتوقعة بالآخرين، وليس بانقطاعها عن حيواتهم، أو بانعزالها عن ما
يجمعهم. لهذا فقارئ الرواية يحتاج إلى بوصلة ذاتية للتحرك داخل
"المولد"، ليس باحتواء الشخصيات كافة في فضاء استقرائي شامل أو بما يطلق
عليه "النظرة البانورامية" التي تساير الازدحام، وإنما بخلق أداة
تأويلية ـ كهدم رمزية الأبواب ـ أشبه بمرشد للبصيرة، لا تحلق وإنما تكسّر الطبقات
والحوائط، استهدافًا لغاية أو غرض تعرف أنه السر الذي تدفنه العمومية، وهو بالتحديد
ما يمكنه إزاحتها".
يحضر الغضب أيضًا في المجاهدة لمحو الكلمات أو هدم مركزية الكلام
"الإطاحة بمركزية اللغة" كما نجد في رواية "اتجاه عكسي"
لنسرين البخشونجي حيث يخط الرسائل التي تتضمنها التشبث بالصمت، الكفاح العسير
لإرجاء النطق، ينسجها الخيال الشائك الكامن بين "الشعور"
و"الكلام"؛ ذلك لأن "الكتابة" هنا ليست بديلًا للتحدث، أو
تعويضًا عنه، وإنما هي مجاهدة لمحو الكلمات التي طالما أُجبرتِ الساردة على
التفوّه بها. هدم لمركزية الكلام بالعودة إلى جاك دريدا أو "الإطاحة
بميتافيزيقا اللغة":
(هذا ما يخلق "الصوت" غير المسموع في ما يُنطق به، الصوت
الذي يسعى لتقويض "المنطوق" والتحرر من سطوته، بما يتجاوز فكرة الكتابة
كتسجيل للكلام، استمرارًا للتذكير بـ "دريدا")
(جعلتني رسائلك أفكر في أحلامي بوصفها تحمل روح الغضب البدائي للوحات
فان جوخ. يلوّنها الأسى الحميمي "الانتقامي" نفسه. فكرت في كل ما حرصت
بعفوية على ألا تعرفه ابنتي عن العالم. في ما اضطررت أن أتركها تعرفه. في ما
ستعرفه عني كلما قرأت كل انتحار "آمن" أقدمت عليه لأني لم أكن
"أخطبوطًا كونيًا". "لم أعش كل الحيوات وأمت كل الميتات". لم
أمتلك الأماكن والأزمنة كافة. لم أمتلك الحصيلة الكاملة لحواس كل الكائنات. لأني
جعلتّ من عدم حيازتي لأي شيء لعبًا هازئًا بـ "حكمة الفقد").
كما يحضر الغضب في المسافة الوعرة أو الحاجز الاغترابي بين السارد
والتجربة أو "الإيهام بالجدوى"، بين نزعته التأملية والتورط بشكل فعلي
في صراعات الواقع مثلما نجد في رواية "أنشودة دموزي الأخيرة" لنبهان
رمضان حيث تبدو مراقبة السارد لمشاهد الواقع ممارسة تخييلية تجاه نفسه في المقام
الأول. تلصص على تلك الذات المحتجزة وراء ارتباكه، وكأنه يمكن انتزاعها مجردة من
القمع بواسطة وجوه وأجساد الآخرين أو ما يختبئ في أرواحهم ودون دراية لهم به:
"هذا ما يدفع الراوي لأن يصوغ بارتباكه ما يطفو من هذه الأرواح
عبر الوجوه والأجساد، كأنما يخلق أسرارها وفقًا لهواجسه، وبتنويعات على الملامسة
لا الاقتحام، كما أشرت سابقًا، في مجاهدة عسيرة لتخليص ذاته المجهولة من قيودها
الغيبية، مستعينًا بـ "هكذا تكلم زرادشت" فيما يمثل ديالوج بين السارد
ونيتشه، وهو ما سيقوده منطقيًا إلى توثيق السعي لمناوشة تلك الذات التي يعجز عن
إيجادها أو كتابة القصة القصيرة".
"إن ذلك التكرار (كوجه ناصع للتردد) في سعيه المضمر للتيقن
والتأكيد على الأشياء والأفعال، والشخوص التي تكوّن متاهات السارد بطبيعة الحال،
يرتبط بما يشكل وعيه من كبت وتحيزات ومفاهيم نمطية، لذا فالتكرار بمثابة وشاية
بالشك الخفي والمحاكمات اللاواعية عند الراوي تجاه الكليشيهات الاجتماعية
والثقافية التي تستعمل وجوده "العالق"، وتزيف رجعيتها بأقنعة بلاغية
مصطنعة من التسامح. تلك الإكراهات التقليدية المتوارثة التي تسيطر على منظور
السارد وتجبره كطفل ساذج على ترديد الحكم المدرسية وإعادة تدوير التلقينات الأخلاقية
القاصرة حتى مع مجابهته الكلامية للذوات المتشددة، المتسلطة بعنف الفكر والفعل،
وكأن لغته الأشبه بالتلعثم هي أسلوب تفاوض مع الأعراف والتقاليد الشعبوية
المستحوذة على وجهات نظره مثلما تحاصر حركته في العالم. محاولة للتشبث بشيء حقيقي
عبر "تشتت اللغة"، والمتمثل كذلك في المراوحة بين الفصحى والعامية، يعيد
ولادته خارج التيه".
يتعقب ممدوح رزق الغضب أيضًا في رواية "شوك وحيد" لابتهال
الشايب من خلال الإيماءات إلى العدم بوصفه مصيرًا استباقيًا لما يُسمى “الإدراك”:
(الأصداء ليست سوى نفسها: أداءات مضادة فحسب، وخزات موسيقية متأرجحة،
لطشات ألوان كامدة في لوحة تجريدية، تلويحات لغوية لإزاحة اللغة؛ ليس فقط “أي
حكاية يمكنها أن تكون شيئًا آخر”، ولكن “لا حكاية يمكنها أن تكون أصلًا”).
"من هنا يبدو “النزاع” ضبابيًا أو في
احتمال دائم للتشوّش، بالنظر إلى أن “المفاهيم” التي تحدد موضوع النزاع معطوبة في
جوهرها، أي أنها ـ فضلًا عن قابليتها المستمرة للتغير والاستبدال ـ صيرورة محو
ذاتي، وذلك تحديدًا ما تمثله الانسلالات الوعرة والجامحة في “الجاز”: تفتيت الغرض،
أو بالأحرى تفكيك المصير".
أما في رواية "يوم آخر للقتل" لهناء متولي فيرصد الناقد
الغضب بواسطة مخاطبة شهرزاد للرجل الذي
يدرك بشكل غير واع بأنه حُرم من أصل كامل ومحصن، وأنه بكفاحه الغريزي المستمر
لتعويض هذا الحرمان (الفعل الدنيوي) قد ازداد ابتعادًا عن ذلك الأصل المجهول
أي تعمّق غيابه في بشريته:
(لا تروي حكاية كل امرأة نفسها وحسب، ولكنها
تروي أيضًا الحكايات الأخرى، بحيث تتحوّل كل "غائبة" إلى
"متكلمة" في عمق الرواية، وكأن لكل صوت أنثوي نبراته السردية المتعددة
واللانهائية "أنات ليلية خفيضة وأسرة").
"الحكي الذي يتجاوز المعطيات الواقعية
المباشرة ليفتت بالصمت الرابض في طياته "الحقيقة" التي فرضتها مشيئة
الرجل عنها. الصمت الذي يتحوّل إلى صراخ وعويل بثياب الحداد الممزقة فوق أسطح
المنازل "بينما الرجال يغطون في نوم ثقيل". يتسلل ما تم إخراسه عبر لغة
الحكاية لكي يهدم البناء البلاغي للسلطة التي تستعمل المرأة في إثبات بداهتها،
مروياتها الراسخة وإحالاتها، يعطّل مدلولها الذي يبقي الألم الأنثوي ملكية خاصة
للرجل".
يكتشف ممدوح رزق الغضب كذلك في رواية "المنسيون بين ماءين"
لليلى المطوّع بتشريح أسطورة "الفقد" التي تتطلب مقاومة مضنية للنسيان.
الأسطورة لا تعني الانغماس في ما "فُقد" وإنما في ما كان يبطنه. في
أطيافه الخفية حين كان متعيّنًا. تعني الاستغراق في ما كان يتعمّد تغييبه، وأصبح
عند الفقد حاضرًا بالكيفية التي ندركها عن "حضور الموت":
"لا ينفصل الانشغال التوثيقي عن السردي
في الرواية بل تحوّلهما ليلى المطوّع إلى مزيج رمزي يعارض ثبات الدلالة، توحد خاص
يستنطق الشاعرية المستترة في تاريخ المحكي لا باعتبارها نمطًا شكليًا وإنما كسيرة
للماء، أي اللعبة الجامحة لما تحاول "السيرة" أن تصمت عنه حيث
"اليابسة" ليست "الأمان" وإنما تعطيلًا للعب الذي يمارسه
الماء".
(تزيح الكتابة تلك الحدود التي يبدو أن الماء
يتوقف عندها، ومن هنا يبدو "الغوص" مخاتلة للزمن، مناوشة لأعراف وتقاليد
الحكايات القديمة، توظيفًا للفجوات بوصفها "أرواحًا ضالة" تكمن في مفترق
الطرق الذي يؤلف الموروثات. هنا لا تٌطرح الإجابات المتجذرة إلا كـ "استعمال
للمرويات"، تضليل البداهة التأويلية وإن تدثرت بالتحريم، حيث لا يُقارب أي
"نص تأسيسي" إلا من حيث كونه بنية انتهاك، موضعًا للاشتباك بين
المتناقضات، أو بمعنى آخر "فضاءً لإغراق العالم في ما يطمسه المجاز").
قد يتمثل "الغضب" كذلك من خلال تأويل الجرح الجسدي كما في
رواية "جرح على جبين الرحالة ليوناردو" لثائر الناشف، وذلك ما يكون
دافعًا للتساؤل:
"كيف يمكن للجرح الجسدي أن يكون ملاذًا روحيًا غير مشروط بتمثله
الظاهري، طارئًا كان أم مقيمًا؟ .. متى يكون هذا الجرح كاشفًا عن "الجرح
الرئيسي" أو "مرض الولادة" الذي لا شفاء منه بتعبير سيوران؟ .. ما
الذي يجعل هذا الجرح تلصصًا على قهر الحياة والموت، لا بوصفه اعتداءً حسيًا، وإنما
باعتباره إشارة دامغة لذلك الانفصال الغامض بين الذات وملكوتها من قبل أن توجد
كقرينة للعدم؟"
"ليس الجرح المرئي هو ما يجعل الذات أو "مأساتها"
بالأحرى واضحة، ويمكن ملامستها، وإنما ما تقرر الذات أن تقوم به تجاه جرحها
المخبوء حتى تجعله كذلك. ما تعرف حينئذ أن هذا ما يتعيّن عليها فعله، لا لأنها
والجرح شيء واحد، وبالتالي حين تسرد نفسها فإن جرحها هو الذي سيتحدث، حتى بما لم
تكن تعتقد الذات أنه صوتها وحسب، وإنما لأن ما تخاطبه أيضًا كل مروية لهذه الذات
يبدو كأنما يتضاءل كلما كان للجرح "بصمة" / كتابة. يتجرد المجهول من
وحشيته، في اللحظة التي يداعب خلالها الخيال ذروتها الهزلية".
أما "سرد الغضب" الذي تناوله الناقد في رواية "مقامات
الغضب" لصفاء النجار فيُنظر له من خلال التفكير في طبيعة العزلة حيث تلاحق كل شخصية في حكيها "المنعزل" المدى
الغائم لغضبها، بتوظيف حضورها القهري أو خبرتها الخاضعة كخيط "ممزق" في
نسيج علاقات متعددة ومتشابكة، أو كأثر "ملتبس"، متبدد، لماض تحتله
شخصيات أخرى. كأن هذه الملاحقة السردية بمثابة كفاح لرؤية مضادة، لإزاحة العمى
الذي يمثل شرطًا جوهريًا للعبور في المسارات القدرية، أو كأنه بحث عن نوع من العمى
المجازي الذي بقدر ما يغمض العينين بقدر ما يحفز البصيرة على استنطاق غيبيتها:
"إنها ليست صوتًا ما زال يُعرّف نفسه
بموقع المشاركة الذي يتخذه بين الأصوات الأخرى، وإنما الصوت المأخوذ بانفلاته،
الذي يطارد فرديته المبهمة، المتناثرة خارج التجارب الجماعية والتواريخ الشاملة.
الصوت المؤرق باستثنائيته العسيرة حين يقوده "الغضب" لاكتشاف إغواءات
"اللعب" المخبوءة في "حكايته". "السيرة" المناقضة
التي تعرض مقاومتها للتجزّء والطمس داخل سياقات الصراع في اللحظة التي يرويها ذلك
الغضب. تتوقف الذات عن أن تكون أداة في ورطتها الوجودية "غرض صغير يُستخدم
مؤقتًا في المأساة الكلية"، لتكون حينئذ لاعبًا بالدور الذي تعوّد أن
يستعملها. تحوّله إلى "شيء" يمكن استراق النظر إليه، التسلل عبر صدوعه
الغامضة، وتفكيك بداهته".
(الغضب هو إعطاب لدلالات ما يسرده
"الغاضب"، أي ما تحاول الذات الساردة الاحتماء به تلقائيًا حتى عند ذروة
رغبتها في التخلي أو المقاومة، لأن الغضب نفسه هو ما يحفز التوترات والتناقضات
التي تفكك المرجع "القيمي" أو الغاية "المتعالية"، فيصبح ما
تحكيه الذات أقرب إلى تمرين مستتر على العدم. التمرين القائم على تشريح
"الزيف" الذي تشير إليه كلمات "مارتن هيدجر": "بالقطع، يمكن لأي كائن كان أن يبدو على غير ما هو
عليه في حد ذاته").
يقارب ممدوح رزق الغضب في علاقته بـ "الفزع" في رواية
"كل يوم تقريبًا" لمحمد عبد النبي باعتباره "لانهائية للإمكانية"، يستهلك كل النهايات
المحدودة:
(إنني أنظر إلى النداء الصارخ للأم على فؤاد
بطل رواية "كل يوم تقريبًا" لحظة الوفاة المفاجئة لأبيه باعتبارها
تثبيتًا لانتزاعه ـ أي فؤاد ـ خارج الغايات "المتناهية" وليس خلاصًا
منها .. تحوّلها بشكل دامغ إلى ما يبدو "إمكانية لانهائية" على نحو ما
وهي "الكتابة").
"الكتابة البشرية تستخدم حينئذ كتابة
الأشباح / حيواتها المجهولة في ملامسة عمائها ببصيرة أخرى .. لا ترى ولا تكتشف،
ولكنها تحدس بكينونتها الغامضة، بفنائها الحتمي كما لم تفعل من قبل .. نتحدث عن
غضب، ثأر، الرغبة في امتلاك ذات غيبية تعويضًا عن نفسٍ مؤقتة حتى ولو كان ذلك غير
مدرك لـ "الكاتب" الذي تحوّل إلى لاعب مع الأشباح".
جريدة "حرف"
16 يوليو 2025
سيرة حنان: جدران غير مرئية
هذا الإيقاع يبدو كأنه ارتحال في خفاء الوصل
بين الموجودات، أي اكتشاف منغّم لما يشمل الماديات وحركتها من انسجام كوني مستتر،
يتجاوز المكان والزمان. سَفَر بلاغي، يخلق جسورًا روحية أو ينظّم طقوس توحد وغياب
في المشيئة المحتجبة لمكائد الأقدار وتدابير المصائر .
"صف طويل من الأبواب مرصوصة على جدار،
صماء لولا بعض الخربشة والخدوش، أو هي نقوش دفنها الوسخ. درف كثيرة اعتادت أن
تُفتح على كل شيء قبل أن يخلعها الفيضان بلحم البيت ويتركها في الخواء. ينقلها
مقاول لمقاول، مخزن لمركب لشيال يدفعها عن كتفه على هذا الجدار، مرمية بلا حكاية
تُقفل عليها، ولا جسد فائر تحميه، دون عين تتلصص ولا أذن تتسمع ولا رائحة كمكمة
تخرج ولا شمس تدخل. قطعة من الخشب وشيال فحسب".
هذا المشهد الافتتاحي للرواية أشبه بلوحة
لفان جوخ إذا ما أضفنا إليه الصراخ والدوار اللوني المميز لأعماله كـ "ليلة
النجوم" مثلًا أو "حقل القمح وأشجار السَرو" أو "طريق الريف
في بروفانس في المساء". "أبواب متروكة في الخواء" تعيدني إلى
"الخواء العليم" الذي تحدثت عنه في قراءتي لرواية وائل ياسين السابقة
"لا شيء يحدث هنا": "الخواء هو الراوي متنكرًا في صوت
مألوف. كأن الحكاية حلم جماعي يمر في رأسه. حلم يكافح لتجميع أشلاء الخيال
المتطايرة من أذهان الرواة عبر الزمن، والرأس الذي لا يمكن اصطياده. يمتد الحلم من
الأصل الغامض له، ويمر عبر الأجساد المتعاقبة، مشكّلًا نفسه على نحو مغاير كما
يليق بالإرث الذي يترصّد كل شخصية، وبالجسور المحترقة التي ستحاول العبور منها نحو
ظلام الآخر".
الإيقاع في هذا المشهد الافتتاحي، وكما
أدركنا دوره كحيلة لتقويض المعرفة بواسطة الادعاء الشكلي لوجودها، هذا الإيقاع هو
حركة في خفاء الخلخلة وليس الوصل، وبذلك يكون "التفكك" هو الموضوع
المستتر لـ "التجانس" المعلن الذي تتظاهر به اللغة. "التجانس"
الذي يبدو أنه يتم توظيفه لمقاومة ما أصاب الأبواب من "انفصال" عن
بيوتها. الأبواب هنا في حالة مناقضة، كاشفة لطبيعة أصلية، أي هادمة لما اعتادت أن
توهم بها سماتها وأدوارها، تستغل الإيقاع الذي يريد تغطية انفصالها لكي يبرز هذا
الانفصال بشكل مضاعف. الأبواب هنا تُعطّل مفهومها؛ فهي لم تعد وعدًا بالدخول
والخروج، البقاء والرحيل، الإخفاء والفضح، الاحتجاز والتحرر، السكن والتشرد،
الأمان والأذى، التلصص والمواجهة، هذا التعطيل المفاهيمي للأبواب سيبدّل بالضرورة
من طبيعة الأجساد التي تستعملها، يكشف ما يخبئه الوعي، الحركة، الرغبة لديها، ما
لا يبصره الجسد عن نفسه.
ذلك ما يهدم رمزية الأبواب التي أشار لها
غاستون باشلار، أي "فكرة الانتقال" من شيء إلى آخر، أو الأفق المجازي
للخطو أو الاجتياز، حيث يمثل العبور من مكان إلى مكان تغيّرًا أو تحوّلًا ما، وهو
ما يمتد عفويًا إلى "الأبواب" في مجموعها، أي التي لم تصرّح بعد بـ
"الانفصال" المتجذر في حكمتها المرئية. الباب، وفقًا لذلك، جدار مطلق،
غير مرئي، لا يمكن اختراقه، ليس بين جسد وآخر وحسب، وإنما، في المقام الأول، بين
الجسد ونفسه، بين كل ما ينطوي عليه كل جسد ونفسه، وكأن الجسد في حد ذاته هو الباب
الذي لا يُفتح. الجدار الناجم عن هدم الثقة التي تزعمها آلية الفتح والإغلاق.
من هنا لم يعد الخلاء أو التخلي أو التجلي أو
الندم أو المس أو الونس أو التيه أبوابًا، وإنما إشارات خيالية للفكر، لتذويب حركة
هذه الأبواب، لتعرية ما يواريه إيقاعها الذي تجسده اللغة، ومن ثمّ فكل باب هو الذي
يحكي سرابه، يفتت ذاكرة ما يسرده لتصير الحكايات كأنها بلا ماض فعلي حيث لا يعدو
ما تسترده سوى أطياف متناثرة، متحوّلة طوال الوقت، وهذا ما تمثله الطبيعة الشذرية
لفصول الرواية. كأننا "ننصت" إلى راو متنكر، يمرر عماءً متجذرًا من
ثنايا ما يبدو أنه نتاج علمه، وبالتالي فكل ما "يتفوّه" به هو نسخة من
شخص، شيء، حدث، قابل للاستبدال، للمحو من أجل سياق آخر، كما لو أن استعادة الذاكرة
تجريب للاحتمالات، أو خلق ما يُسمى أبوابًا في "العراء".
"ماذا رأى الأستاذ فرج في سعيد؟ أو
بالأحرى: ماذا رأى سعيد في فرج؟ لا نعرف. لكن، بعد ظهور حنان في الصورة مع سعيد،
شيء ما حدث، شرارة ما نشبت في كومة قش، إشارات بينهما غير مفهومة اكتسبت معنى
مشتركًا لم يقدرا على تمييزه".
في هذا المقطع مثال للطريقة المألوفة التي
يعتمدها الراوي الشعبي حين يلجأ إلى وقفة تصرّح تشويقًا لا اعترافًا بعدم المعرفة
، وفي نفس الوقت يثبّت بواسطة الإيقاع الذي ينظّم حكايته علمه بإجابة استفهامه.
نلاحظ مثلًا في بداية المقطع تساؤلين متعاقبين، يأتي الثاني استدراكًا للأول، لكن
هذا لا يعني الاستغناء عن ذلك التساؤل الأول والاكتفاء بالثاني، يحتاج الإيقاع إلى
هذا التعاقب للتساؤلين ليجذب الذهن إلى لعبته. وائل ياسين يستخدم هذا التقنية
ليضاعف الخدعة، أو ليطوّر اللعبة، فالراوي لا يعرف حقًا وإن بدا أنه يوحي فقط
بالتظاهر أنه ليس متأكدًا مما تخفيه النفوس؛ فإذا كان الراوي الشعبي يوارب بابًا
بين الشك والجزم؛ فإننا هنا إزاء إلهام بتعذر الفصل بين مكانين. الباب هنا ليس
علامة بين الغفلة والكشف، ولكنه شاهد على الغياب، غيابه كوسيلة إدراك، ومن ثمّ
غياب ما يوهم بكونه قابلًا للإدراك على جانبيه، وكأن حضوره كشاهد فحسب هو
"الحكاية" في حد ذاتها. كأن الأبواب ـ في عرائها ـ تلهو بما اعتادت أن
تكون عليه "الحكايات".
"في السهل الممتنع، تكون الفريسة بين
يديك، وحين تقفل يديك، تقفلهما على الهواء، تستفز الصياد فيك، تحبطه في الوقت الذي
يتصور أنه أمسكها، وتعطيه الأمل كلما يئس وظن أنها بعيد. لعبة جميلة ومضمونة، لكن
ليست لحنان، هي لا تحبط الصياد فيك، بل على العكس، تؤججه، وتشي له بطرق جديدة في
الصيد كل مرة تلتقي أعينكما. تقول ليست أي فريسة يا صياد والسلام، إنما أنا
الفريسة بألف ولام التعريف، أنا التي بالضبط، أنا التي تعرف كيف أشبعك، وبعدما
تشبع، تعرف كيف تكون فريسة جديدة كل مرة. قلت لك يا صياد أنا الفريسة بألف ولام
التعريف".
هل يذكركم هذا المقطع بشيء؟ ألا يبدو وصف
حنان كأنه اختصار للإيقاع المخاتل وتفكيك مفهوم الأبواب؟ لا شيء يمنعك من الانتقال
أو من التصوّر بأنك تنتقل، وأنك تعثر على غنيمة ما نتيجة لهذا الانتقال، بما يعني
أنك لن تلاقي فراغًا صادمًا في جميع الأحوال، ولكنك في كل حركة أو خطوة، ومثلما
تلمس حنان أو تتوغل إليها، وتظن أنك قد أحرزت ما أردته، فإنك في كل مرة ستوقن أن
ثمة شيئًا غامضًا أبعد مما طاله فعلك، أكثر إغواءً مما أتاحه لك "الدخول
والخروج". شيء يجعل ما سبق أن قبضت عليه خيالًا عابرًا. أن حنان دائمًا في
مكان مجهول لا يمكن رصده أو التحايل على وصفه أي إفشاء العجز عن بلوغه إلا بالاستمرار
في اتباع "الإيقاع"، واستعمال "الأبواب".
يمكنني القول إن "سيرة حنان" بهذه
الوفرة في الشخصيات والأحداث رواية "الحكي" أكثر مما هي رواية "الذات"،
وأعني هنا أنها تقوم على الملامح التي تختزل تاريخ كل شخصية بما يربطها بالشخصيات
الأخرى بعكس رواية "الذات" التي موضوعها الأساسي شخصية واحدة أو تنناول عددًا
قليلًا من الشخصيات بالتركيز والتعمق في ما لا تدركه الشخصية عن نفسها، بحيث يحتل
عالمها الداخلي بكل أغواره وصدوعه وبما تخفيه من هواجس وكوابيس منفصلة عن بقية
الشخصيات؛ يحتل هذا العالم متن الرواية. أتحدث عن الفرق بين رواية مثل "اللص
والكلاب" و"خان الخليلي" وبين "الثلاثية"
و"الحرافيش" مثلًا. هذه ليست قاعدة بالتأكيد، ولا إجراءً تصنيفيًا،
وإنما رؤية أو منظور خاص لـ "إعادة كتابتي للروايات"، وليس حكمًا تجاه
الفن الروائي بشكل عام. هذه الملامح التي تختزل تاريخ كل شخصية تتوافق مع ما ذكرته
عن تقويض بداهة "الأبواب"؛ فالشخصية هنا أنقاض تحاول التماسك، وتكشف
زيفه في الوقت نفسه، عبر صلاتها المتوقعة بالآخرين، وليس بانقطاعها عن حيواتهم، أو
بانعزالها عن ما يجمعهم. لهذا فقارئ الرواية يحتاج إلى بوصلة ذاتية للتحرك داخل
"المولد"، ليس باحتواء الشخصيات كافة في فضاء استقرائي شامل أو بما يطلق
عليه "النظرة البانورامية" التي تساير الازدحام، وإنما بخلق أداة
تأويلية ـ كهدم رمزية الأبواب ـ أشبه بمرشد للبصيرة، لا تحلق وإنما تكسّر الطبقات والحوائط،
استهدافًا لغاية أو غرض تعرف أنه السر الذي تدفنه العمومية، وهو بالتحديد ما يمكنه
إزاحتها. أداة تلتقط الومضات الناجمة عن كل ما تجمع واحتشد، التي لا تُبقيه جمعًا ولا
حشدًا، كأن هذه الأداة هي الشبح المستقل الذي يناوش عتمة الباطن لدى كل شخصية رغم
ما تختلف به عن شخصية أخرى، وبما يتعدى الظاهر الاجتماعي أو السياسي في الرواية.
كيف يمكن تأمل "المقدس" بواسطة
"سيرة حنان"؟ .. ألا يحدث ذلك حين نفكر في الأبواب باعتبارها
"جدران مطلقة، غير مرئية، لا يمكن اختراقها"؟ .. حين نفكر في أن
"بيع الهوى" هو "حركة في خفاء الخلخلة وليس الوصل" حيث لا
يوجد ما يصد "الإيقاع" عن تفكيك الأساطير التي تتقمص كل حكاية بلاغتها
الكونية؟ .. حين نفكر أن حنان عندما تكون "الفريسة بألف لام والتعريف"
فإنها تكشف عن كونها "الصياد بألف ولام التعريف"؟ .. إن الخطيئة إحدى
ألعاب الزمن أو أنها لعبته الأثيرة حيث يكمن "النهر" حقًا في الغيب، وما
كان على العاطلين عن الخلود إلا أن يصدقوا أنه يسرى بالفعل في داخلهم وفي ما
بينهم، وكأن ذلك النهر ليس نتاج "الوهم المترفع" الذي يحتاج وحده إلى
التطهر.
أخبار الأدب
9 يوليو 2025
مقطع من رواية قيد الكتابة
كانت لوحات كيرياكو أقرب لمرحلة ما بعد الانطباعية؛ يسكنها مزيج من الدراما الحلمية الخفية كما في أعمال سيزان، وما يشبه كاريكاتورية مأساوية كالتي نجدها لدى فريدا كاهلو، في عمق سكون خافت ومقبض، يستدعي الروح الأسطورية عند رامبرانت.
اتجاه عكسي: الإصغاء إلى الكتابة
(بينما أتصفح تويتر وجدت "سعاد
حسني" التريند الأول في مصر صور كثيرة وآلاف الناس يترحمون عليها. احتفاء
يليق بمرور أربعة وعشرين عامًا على وفاة السندريلا. ما زلت أذكر يوم وفاتها، كنت
في الإسكندرية أيضًا عائدة من كورس اللغة الإنجليزية، مررت على السوبر ماركت قبل
أن أذهب للبيت لأشتري قطعة شيكولاتة بينما بقي صاحبه محدقًا في الشاشة.
ـ في حاجة يا عم محمد؟
ـ سعاد حسني تعيشي أنتِ يا بنتي .. بيقولوا
انتحرت!
"الله يرحمك يا سعاد"، قلتها همسًا
حين أدركت أني قصصت شعري مثلها تمامًا في فيلم "صغيرة على الحب").
فكرت في أنكِ ربما لم تلاحظي خلال تلك اللحظة
القديمة التي عرفتِ فيها بموت سعاد حسني بأن "الشيكولاتة ساحت" بشكل خفي
في يدك، أو ربما مر في خاطرك حدس مبهم بذلك، وأن بطلة روايتي التي أكتبها منذ
سنوات تشبه سعاد حسني في "صغيرة على الحب" وأنها ـ ربما لذلك السبب خاصة
ـ لا تسمح لي بـ "إنهاء" تلك الرواية مهما طال الوقت، وأن قَصة شَعر ما
قد تكون إحياءً غير مُدرَك لذكرى سقوط غامض من شرفة عالية، لا يتم الانتباه إليه
إلا فقط حينما تصبحين زوجة وأمًا، تتناثر بين المدن، تعبر ثورة شعبية، وتعزلها
جائحة عالمية، يخنقها ظلام الفقد والخوف، ولا يمكنها ملامسة أمان لا يتبدل، كأنما
بُترت يدها الإعجازية من قبل أن تبدأ في التنفس، وتكتب في رسائل لصديقتها "كل
ما لم تستطع قوله خلال السنوات الثلاث الماضية". كأنك بهذه الرسائل تحوّلين
المرسل إليها من شخص واقعي إلى افتراض متخيل، يكوّنه كل الصمت الذي بقي مطموسًا
بفعل الكلام. الصمت الذي أراد أن يكون لغمًا للكلمات التي أنتجته، استهدافًا للعدم
الذي يسبقها، لكنه ظل محض استراق لما قبل اللغة، أي ما يسبق الزمن الذي ينبغي فيه
المرء أن "يكتب" الرسائل حتى يكتشف ويكشف أنه لم يكن "يقول"
شيئًا. كأنك بهذه الرسائل تحاولين إنقاذ كل شيء بأثر رجعي، تفسيره، إرجاعه إلى
"أصل" ما غير مخاتل. "تستنطقين" كل "الخرس" الذي
يحاصرك ويسكنك رغم الضجيج والثرثرة. تريدين أن تعرفي ما لم يبلغه أحد، خصوصًا
"الأقرب" منكِ، ومن ثمّ عجز الجميع أن "يكتبوه" إليكِ. بهذه
الطريقة يمكن التحايل على الارتباك الساخر والمتحسر عند التفكير في "مسألة
الخلود". نكتب لمراوغة الفناء الذي يتوعدنا في أجساد الآخرين، وبينما نتلصص
على احتضارهم. نجابه الموت الذي سبق أن اقتنص غفلتنا من قبل أن نعرف "الحياة".
بينما نتوسل أن تفصح أرواحهم في تلك "اللحظات الأخيرة" عن ما كان يجب أن
يكونوا عليه حقًا، ومن ثمّ ما يُحتمل أن يكون مدفونًا وراء أقنعتنا القهرية وما
تضمره نوايا مصائرنا. نكتب كأن "النهاية" طوق نجاة خارق
و"هزلي" أيضًا، لا ينبغي ـ منطقيًا ـ خسارة الشوق الطفولي لقدرته على إعادتنا
إلى حيث لا يمكن لشي أن يكون عصيًا على الفهم، أي بما ينفي فكرة
"النهاية" نفسها.
"شاركني ياسين السهر، وصوّر الشروق، قال
لي: إن السماء بديعة تستحق أن نحتفظ بذكرى بداية يوم جديد، صوّرنا السماء من
الزاوية نفسها، وفي اللحظة نفسها مستخدمًا هاتف والده، تلك الصورة نشرتها على
الفيسبوك متمنية أن يكون هذا اليوم يوم خير على العالم".
جعلتني رسائلك أفكر في ابنتي التي أرفض
التصديق والاعتراف بأنها لم تعد طفلة، والتي اعتادت أن تلتقط صورًا للسماء في
أوقات مختلفة ـ خصوصًا في الشتاء ـ وترسلها لي على الواتساب لأحتفظ بها. فكرت في
نشوتي بما يحلّق إليه بصرها، وفي ألمي بما يترصد بصيرتها. فكرت في "لذة
الأمل" التي يمكنها تفسير كل شيء على نحو مناقض لما تدل أو تشير إليه.
"يوم خير على العالم"؛ ذلك لن يتحقق إلا حينما يسترد العالم غيبيته
الأبدية المحصنة، وطبعًا "بأثر رجعي".
"أشعر كثيرًا بأني أريد أن أتكور، أن
أختبئ من الجميع، ومن نفسي ربما".
فكرت في "السنتيمترات
المنيعة داخل ركن سرير الطفولة تحت الأغطية الثقيلة في الشتاء عند سقوط المطر ..
المخبأ الكوني الذي طالما حاولت الانكماش بما يسمح لي أن أسكنه برفقة ذخيرتي
الملائكية من القصص والألعاب والتخيلات حيث لا أحتاج شيئًا من الخارج .. الذي
مازلت أحاول الولوج إليه مع طفلتي بينما "نتشبث" بحوافه الناعمة". فكرت في
أنني أكتب "سيرة الاختباء" مطاردًا ذلك "الشيء
الأساسي الذي أردت تحقيقه والتمسّك به". (الاختباء الذي طالما أثبته كل
"ظهور"، ولم يفارقه مطلقًا الوعي بأنه بديل عدائي لما هو أكثر استحالة
أي "الاختفاء") .. (أن تكافح من أجل الاختباء بكل ما يضمره من تمنّع
ومشقة وخسائر؛ فهذا يعني أنك تستوعب جيدًا عدم القدرة على بلوغ الغاية الأصلية؛ أي
أن تختفي تمامًا).
"أتصفح كذلك بعض المواقع الفنية لأمنح مسك معلومة جديدة تبحث
عنها، فهي تحب لوحات فان جوخ وتفضله عن كولود مونيه، تحكي لصديقتها عن معاناته مع
الاكتئاب ثم انتحاره. في المرة الأولى حين قرأت قصته لم تفهم معنى الانتحار. نزلت
دمعة على وجنتيها حين فهمت".
جعلتني رسائلك أفكر في أحلامي بوصفها تحمل
روح الغضب البدائي للوحات فان جوخ. يلوّنها الأسى الحميمي "الانتقامي"
نفسه. فكرت في كل ما حرصت بعفوية على ألا تعرفه ابنتي عن العالم. في ما اضطررت أن
أتركها تعرفه. في ما ستعرفه عني كلما قرأت كل انتحار "آمن" أقدمت عليه لأني
لم أكن "أخطبوطًا كونيًا". "لم أعش كل الحيوات وأمت كل
الميتات". لم أمتلك الأماكن والأزمنة كافة. لم أمتلك الحصيلة الكاملة لحواس
كل الكائنات. لأني جعلتّ من عدم حيازتي لأي شيء لعبًا هازئًا بـ "حكمة الفقد".
"تعودت ألا أستعدي أحدًا وأن أظل دائمًا
في المنطقة الرمادية خاصة مع أفراد الأسرة، حيث يُسمح لي بأن أكون الابنة، الأخت
والزوجة المحبوبة بشروط، فتعودت أن أسمعهم دون تعليق وتمرنت على أن تبقى ملامحي
محايدة تمامًا. الآن أقول لك، أنا وحيدة لأني قررت أن أسكن المنطقة
الرمادية".
لكن "الجهل والظلم والعنصرية
والفقر" قدر غير مرهون بمسالمة أحد أو عدائيته. لا تعنيه أية مناطق رمادية.
هو قدر فحسب. لذا ينبغي له أن يحطم أبوابك المغلقة. أن يجتاح عزلتك. ألا يكتفي
بتركك فريسة لعجزك عن المقاومة أو التغيير بل عليه أن يسلب لحظة بعد أخرى أي قدرة
لديكِ على التمسك بالحياد أو حتى التظاهر به كما لو أن كل "شر" هو "أمر
شخصي" مهما بدت "المسافات الفاصلة".
"هل
تذكرين ذلك اليوم حين ذهبنا معًا لتشتري بلوزة جديدة بمناسبة عيد زواجك، أحببتها
عليك، كان وجهك مشرقًا حين ارتديتِها في غرفة القياس، لا شيء يمكن أن يمنحنا
السعادة كالتي تمنحها لنا الشوارع والمقاهي".
ورغم ذلك فإنكِ تخاطبين تلك الشوارع والمقاهي
بواسطة هذه الاستعادة التنقيبية لصديقتك. بإعادة تشريح وتكوين حياتها، كأن
"المكان" ليس مجرد حيز للخطو أو البقاء، وإنما ممر مستتر نحو مجهول
أزلي، يبدو أن ثمة معجزة ما قد حرمتك منه قبل "وجودك" بين الميلاد
والموت. ممر "مسدود" بلا تفاوض، نحو مجهول مفترض وبديهي في نفس الوقت،
يناقض قدرك مع نفسك ومع "الآخر"، حيث "السعادة" ـ حينئذ ـ
ليست "شعورًا بشريًا" مؤقتًا، قاصرًا، مفتتًا من داخله، ومحكومًا
بالإيهام. تكتبين كما لو أن رسائلك تريد انتزاع تلك "الذكريات" ـ بوصفها
امتدادًا لا نهائيًا خارج الزمن ـ والوصول
بها نحو "الخير المطلق"، غير المهدد، الذي لا يبدِد "الشر"
دون أدنى استنثناء وحسب، وإنما يجعل من عقابه جوهرًا أصيلًا لتلك الإبادة.
الانتقال المتعذر من "الصداقة" والأماكن التي عبرتها تفاصيل ومشاهد تلك
الصداقة، إلى حيث لا يمكن لوعد أن يُهدر. كتابة الرسائل ليست رجاءً
"متجددًا" لتفادي الخيانات المحتومة فقط، وإنما استجوابًا أيضًا
بالضرورة لما تنطوي عليه كل الوعود. جدوى ما لم يتحقق طالما ظل عالقًا بين الميلاد
والموت.
"كل ما أذكره أني كتبت في أجندة تخصني
صفحة كاملة عن مخاوفي، البند رقم واحد كان الزواج والإنجاب".
فكرت في أن هذه الرسائل كانت هوامش متوارية
في صفحة مخاوفك. ما خبأته أفكارك ومشاعرك المبكرة تجاه الآخرين، عرائسك، مدرس الألعاب
الرياضية، تجاه كل ما كان يدعي أنه سيكون "تاريخًا" ثم أصبح احتيالًا
على "الخلاص"، لا يفضحه سوى اقتفاء أثر "الصمت" المحتجب في
"إكراه البقاء". في سراب "المتن" الذي لا يمكن خدشه، وأُجبر
على أن يظل غائبًا لكي يتقمص كل منا دورًا استرضائيًا لكينونة مستحيلة، أبعد بكثير
من أمنية ارتدائك "فستان زفاف قصير ومنقوش مثل فساتين نجمات أفلام الستينيات
مع تاج من الورد الأببض وطرحة قصيرة من الشيفون"، وكذلك أعمق بكثير من
الندبات الناجمة عن الاختفاء المفاجئ للآخرين من حياتك. لكنكِ لا تملكين سوى أمنيات
وندبات كهذه، كقنديل بحر لم يغادر مطلقًا حفرة رملية داخل شاطئ معتم، وكلما سمع
صوت الموج البعيد، ينسى أنه ميت، ليواصل تخيّل الماء، ويستمر في لسع نفسه.
"أنا ابنة الثمانينيات بكل جمالها
وأحلامها التي عشت طفولة سعيدة في المدرسة".
كانت لي طفولة سعيدة أيضًا في الثمانينيات،
تتركز في الأوقات التي كنت خلالها بمفردي، وما أكثرها، وهي ما أحاول استعادته بالتذكر
أحيانًا وبالأحلام أحيانًا وبالبكاء أحيانًأ أخرى . لكن للحنين رقة خبيثة، فهو لا
يدفعك للرغبة في الحصول من جديد على طفولتك الثمانينية كما لو أنها تحدث لأول مرة
فحسب، ولكنه أيضًا يوطد حريقًا في دمائك، لا يتعلق بما عشتيه فعلًا وإنما بما لم
يُستكمل من الماضي. ما كانت طفولتك تمهيدًا له ولم يتم. قد تبقين مقيدة أمام هذا
الحريق الداخلي باعتباره علة ملتبسة، مزمنة، متداخلة لدرجة التوحد مع عادية
الحنين، وربما يمكنك أن تنزعي هذا الحريق المتجذر والمتصاعد عن كل
"الجمال" و"الأحلام" لكي تدركي أنه أصل لهواجس ما بعد التحوّل
إلى "الاتجاه العكسي" من طفولتك. ما أطاح بكِ إلى المتاهات المضادة لكل
ما كان يُفترض أن "الثمانينيات" تجهيز لحدوثه. ذلك ما يفكك الحنين. ما
يخلخل الإرث اللغوي الذي نستخدمه في الفضفضة، أي ما يستخدمنا لكي يعزز قدرته على
عدم الإفصاح عن ذاته.
"حين حان الوقت، ومع شهقة دهشة لم أتمرن
عليها.. تجلى الوجع في أقسى صورة. ترى هل كنت تودعينني حينها؟ ومن أين أتاني
الرجاء وأنت في اللحظة ذاتها تحتضرين. يا لقسوة الأمل حين يملأ روحنا بغير
الحقيقة! لماذا خذلتِني اليوم يا إيمان؟!".
قد يبدو هذا غريبًا للوهلة الأولى، وربما
يعتبره البعض من الذين يتصورون أنهم يعرفونني نوعًا من الخداع، ولكني أريد أن
أخبركِ بأنه لدي أمل بالفعل في شيء ما. لكنه أمل لا يتعلّق بحدود الحياة والموت وإنما
بما هو خارج الوجود، حيث يتعطل الخذلان تمامًا. أمل في شيء يعيد تعريف الوداع
والحقيقة بعيدًا عن أقدار العالم، أي إلى حيث يجب أن ينتقل الحريق الرابض في دماء
كل منا. أمل في شيء لم أتمرن عليه سوى بالكتابة، وإذا لم يحدث فعليًا فإنه سيكون
متحققًا في ما تمرنت عليه، وقد تأتي لحظة تعتبرين فيها رسائلك كذلك، وحينئذ سيكون
لأدوات النداء التي تستعملينها نبرة تهكمية مستحقة.
أخبار الأدب
15 يونيو 2025