الخميس، 29 ديسمبر 2022
المرحلة الإلهية
ذات يوم سأعود آخر المساء إلى بيتي بوجبة عشاء شهية (مأكولات بحرية غالبًا)، كيس فواكه، زجاجة بيرة، علبة سجائر، ومكسرات متنوعة .. لن يكون البيت الذي أسكنه الآن برفقة زوجتي وابنتي، وإنما سيكون حجرة صغيرة على سطح بيت قديم في مدينة أخرى .. سأمر في الطريق بين السلالم والباب بأصص الريحان والفل واللبلاب والورد البلدي الكثيرة التي تمكنت من زراعتها أخيرًا بعد أن وجدت المكان الجدير بها .. سأظل وحدي بلا أي رفيق حيث كل شيء يمنحني الطمأنينة: الجدران والغيوم، حتى الظلام سيتحوّل من رعب إلى أمان .. لن أعتبر نفسي منتقلًا من منزل لآخر، وإنما سأكون متيقنًا بأنني قد استرددت بيتي الأصلي، الذي كان مخصصًا لي من قبل أن أُوجد، وانتُزعت منه في لحظة بدائية يستحيل تذكرها .. النسائم العصرية الباردة لن تكون سببًا لمكابدة الحنين وإنما للانتشاء بما صرت إليه .. سآكل وأشرب وأدخن منصتًا لصرخات أطفال لا حصر لهم، تنبعث من وراء كل النوافذ والشرفات والحوائط المحيطة ببيتي، وتتدفق عبر الآماد اللانهائية من حوله .. سيتملكني الأسف تجاههم، وسأتمنى أن يتمكن أحد من إنقاذهم، بالرغم من أنني سأستمع إلى تلك الصرخات كما لا تتجسد في أذني كائن آخر .. عدا ذلك سأذهب إلى فراشي كل ليلة سعيدًا بما سأطلق عليها (المرحلة الإلهية) من حياتي بوصفها النهاية الأمثل لكل ما لم أعشه.