السبت، 26 يونيو 2021

المضاجعة اللغوية

أُؤمن أنه إذا كنت جادًا حيال حياة الكتابة، أو بشأن أي شكل إبداعي من أشكال التعبير فلابد أن تتحمل هذا العمل على أنه واجب (نداء) مقدس. أصبحت كاتبة بالطريقة التي صار بها الآخرون رهبانًا وراهبات، نذرت نفسي للكتابة منذ الصغر، ثم صرت عروس الكتابة؛ أكتب في شكل تعبدي كالخادمة.

إليزابيث جيلبرت

أتذكر جيدًا تلك اللحظات الرومانتيكية القديمة حينما كنت أبقى جالسًا حتى وقت متأخر من الليل داخل شرفة البيت المغلقة منعزلًا عن أسرتي وبين يديّ قلم ودفتر ورقي صغير، أتطلع إلى السماء بافتتان طفولي وأكتب .. لحظات التناغم التقليدي بين السحر المجرّد للطبيعة والنشوة الكونية للكتابة حيث تشعر في تلك الخطوات المبكرة وبكل ما يسكنك من مسالمة عمياء وعشم غافل أنك تقوم بأمر إلهي .. لم تكن قصصي بالغة الألفة مقارنة بالطقس الملائكي الذي كنت أعيشه وقتئذ وهذا ما يجعل التدرّج المتسارع للغضب في كتاباتي منطقيًا ومتوقعًا .. كانت البراءة الخالصة لذلك الطفل الذي يكتب قصصه الأولى متجانسة مع الصورة النمطية الأخاذة لعالم يمكن الاستمتاع بجماله والنجاة من شروره بفضل إعادة تشكيل حكاياته .. بالقدرة غير العادية للغة التي منحها الغيب لكائن جدير بذلك الاستثناء .. سيصبح هذا التجانس البدائي سر التوالدات المحمومة لغضب الكتابة .. ستكشف الرومانتيكية القديمة وبشكل متصاعد عن نفسها كغريزة لذلك الغضب.

كأنها رحلة التعرّف المتنامي على ما يضمره ذلك التناغم من خيانة وبالضرورة إدراك حتمية مجابهته بإضرام النار في الأوهام الذهنية المخادعة لذلك السحر الذي تختبئ وراءه الطبيعة، ولتلك النشوة الكونية التي تدعيها الكتابة .. مسار التحوّل الشهواني من الإيمان بالوعد المقدس للخيال إلى مطاردة الذاكرة الشيطانية للواقع .. كأن تلك المجابهة تتلخص في نزع الحصانة الأخلاقية ـ المنطوية على الافتتنان الطفولي القديم ـ عن السماء بوصفها هدفًا دائمًا للمضاجعة اللغوية .. بوصفها جسدًا شبحيًا مغويًا ينبغي للقص امتطاؤه .. هنا تتوقف أحقية ذلك الكائن المعذّب بالرجاء النقي للماضي لأن يكون إلهًا مضادًا على مدى استجابته الشبقية لذلك الإغواء .. على مدى شجاعته في انتهاك الخرافات التي يموت الآخرون في سبيل الحفاظ على صورتها في أرواحهم من الخدش .. أصبحت كاتبًا بالطريقة التي يتحوّل بها مهووس جنسيًا إلى قاتل متسلسل.