الاثنين، 7 يونيو 2021

عربة المطافئ الصغيرة

ذات يوم أهداني أبي عربة مطافئ .. كانت صغيرة وحمراء على النمط الغربي الكلاسيكي ويجلس داخلها طفلان بملامح متطابقة ويرتديان زي رجال الإطفاء .. تخيلت نفسي الطفل الجالس وراء عجلة القيادة أما الطفل الآخر فلم أمنحه هوية محددة .. في مساء اليوم نفسه رأيت عربة المطافئ تحلق في السماء الممتدة وراء البيوت المقابلة لشرفتي .. كان طيرانها أشبه بالسير على أرض ممهدة بينما القمر يضيئ سطحها الأحمر المصقول بلمعان فاتن .. لكنها بدلًا من أن تضخ المياه كما يُفترض؛ راحت تطلق دفقات متتابعة من نيران كثيفة ما أن تلمس إحداها جانبًا من بناية إلا وتتهاوى مفتتة على الفور .. كنت أقود العربة والطفل الآخر بجواري يصوّب الجحيم على البنايات التي تتلاحق انهياراتها محدثة دويًا مزلزلًا .. كان الأمر مرعبًا وساحرًا .. شعرت بنشوة من يمارس عملًا روتينيًا ولكن بطريقته الخاصة، غير المتوقعة .. كنت أرى النيران تؤدي نوعًا من الإطفاء يماثل ما تقوم به المياه، إلا أن ذلك يتم على نحو خفي .. لحظات قصيرة من الرهبة المُسكرة عشتها في مراقبة عربة المطافئ وهي تتحرك في السماء مدركًا أن بيتي الذي أقف في شرفته لم ينجو من القصف على الرغم من بقائه محتفظًا بتماسك ظاهري .. بعد خمس وثلاثين سنة؛ مازلت أرى عربة المطافئ تسير في السماء .. لم يتغير شيء سوى أنه ما عاد لي وجود داخلها .. أصبح مقعد القيادة فارغًا منذ زمن طويل، والعربة تتحرك وحدها في مسارات عفوية بينما الطفل الٱخر لا يزال جالسًا في مكانه ويواصل إطلاق النيران على البنايات.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 5 يونيو 2021

اللوحة: Rene Magritte