السبت، 19 يونيو 2021

الخلود الأدبي: التهكم في مواجهة الشياطين الخالدة

"أنظر إلى الشباب الذين يقرأون كتبي باهتمام خاص لأنني أعرف بأني حين أموت ستُقرأ كتبي لفترة لا تقل عن ثلاثين أو أربعين عامًا .. لا توجد رغبة في الاختفاء التام لذلك نشعر بالطمأنينة حين يقرأ الشباب كتبنا".

مارتن أميس

لا ينفصل الخلود الأدبي بالنسبة لي عن الخلود نفسه .. ما أرجوه حقًا هو النجاة الجسدية الدائمة من الموت، لكن تلك الأبدية تشترط بشكل جوهري الاستيلاء على الذاكرة الكونية المجهولة التي لم تكن ذاكرتي الشخصية إلا ظلًا ملعونًا لها .. هذا يعني امتلاك كل الحيوات والميتات على النحو الذي يجعلني قادرًا على بعثها من جديد دون فقدان ما يمكن انتقاؤه من لحظات أثيرة ولكن في كمالها الموعود الذي لا يمكن انتهاك حصانته بفعل قوى غيبية ما .. الكتابة هي كفاح الوصول لتلك المعجزة الخارقة طوال الوقت وهو ما لا يجعلني مشغولًا إذا كان هناك من سيقرأني بعد الموت أو إذا كان هناك من سيقرأني وأنا مازلت حيًا إلا في تلك الحالة الاستثنائية .. أن تكون تلك القراءة ممرًا فعليًا للكتابة كي أستعيد بواسطتها الماضي الذي يسبق الزمن ومن ثمّ يتيح لي استرداد كل ما أصبح ضائعًا أو مهددًا بالفناء، وجعله إلهيًا دون تبعات قاتلة.

عدا ذلك فكل قراءة لن تعدو أكثر من محاولة اكتشاف متعة غير مسبوقة داخل الجحيم بين الكاتب وقارئه سواء عبر الانسجام أو التنافر .. كل تأويل هو بديل تعذيبي للخلود مهما كانت البهجة التي يمنحها .. لكن هل يمكن الاستيلاء على الذاكرة الكونية دون عقابها؟ .. إن الخلود الشخصي / الأدبي هو انتقام من القدر .. أخذ بالثأر من فكرة العالم نفسها من قبل أن تتجسّد .. هو قيامة للروح المطلقة تقيمها ألوهة الفناء.

أكتب النص كاحتمال لتعويذة ثم أنشره طامعًا أن يتمكن من استدعاء ذلك الشيطان الغامض الذي ربما نجح أخيرًا في السيطرة على السماء، ولم تكن تنقصه إلا رسالتي تلك حتى يُنهي الحياة والموت، ويمنحني الخلود الذي يحوّل كوابيس غضبي إلى مدافن حقيقية لأشلاء المقدس .. أكتب النص كوثيقة سخرية من غياب المعجزة الخارقة ثم أنشره بطموح أن تتمكن من الوصول عبر أجساد قرائي إلى حيث تسكن كل الشياطين المخبوءة الخالدة .. تذكير الشبح الهالك بأنه لم يكن هناك أي شيء يمنعه من إهانة كل شيء.