الجمعة، 18 يونيو 2021

جحيم غير مسبوق

قبل جائحة كورونا بزمن طويل توقفت عن الخروج من البيت إلا نادرًا .. كنت أظل خلال تلك المرات المتباعدة أدور في الشوارع القديمة التي مرت منها خطوات عائلتي الميتة .. أحيانًا كنت أتوقف عند جانب الطريق متلفتًا حولي، وفي أحيان أخرى كنت أغمض عينيّ للحظات محاولًا تضليل النظرات الخفية التي تراقبني ..  كنت أعود بعد ذلك إلى البيت مترنحًا باليأس، راجيًا الخلاص من تلك المغادرات الاستثنائية للبيت، حتى ظهر الوباء ليحقق ذلك دون توقع .. لكنه لم يكن خلاصًا بالتأكيد .. كان استجابة لأمنيتي بأسوء طريقة ممكنة .. تغيرت مخططات عملي للأفضل نتيجة هذا الامتناع التام عن الخروج حيث مشاريع الكتابة التي كنت أتناثر بينها ترتبط جوهريًا بذلك الأرق الممتد بين البقاء داخل المنزل لأطول وقت محتمل وبين الجولات الشبحية العابرة خارجه .. هذا التغير للأسف كان راجعًا لجحيم غير مسبوق .. ربما كان الأثر الأشد بغضًا لكورونا على مستوى العمل ذلك الذي لحق بورشتي القصصية الثالثة .. حاولت تعويض عدم إمكانية تنظيمها في مكان ملائم كما تعوّدت بإقامتها على فيسبوك ولكن استمتاعي بها لم يكن مماثلًا للورشتين السابقتين .. ما لم يتغيّر هو طبيعة النشر بالنسبة لي .. قبل الجائحة وبعدها؛ مازلت أنشر نصوصي وكتبي إلكترونيًا عدا تلك التي تستجيب أحيانًا لدعوات المحررين وعروض الناشرين .. مازلت منفصلًا عن السياق "الثقافي" الوضيع الذي يسمح لتاجر كتب، يعمل خادمًا مثاليًا لأبناء المركز كي يربح مما ليس لهم فضل فيه، أن يضع رأسه برأسي حين يطلب مقابلًا لنشر أعمالي .. لا أعتقد أن الوباء كان له تأثير سلبي على الكتّاب النشطين اجتماعيًا؛ ذلك لأنهم يستندون إلى تاريخ راسخ من "الفاعلية" يوفر لهم حصانة من أي تهديد، وبالعكس فبرامج اتصالات الفيديو التي ذاع استخدامها تحت سطوة التباعد والحجر الصحي كانت داعمًا سخيًا لذلك التاريخ .. ربما أصاب هذا التأثير الكتّاب الذين لا يزالون في سعي لتكوين دعائم مشابهة من الرواج الأدبي، تعتمد على الاستفادات المتراكمة والمتعددة من جلسات المقاهي وحضور الندوات وحفلات التوقيع والتنقل الدائم لاصطياد الفرص بين المؤسسات الصحفية والمراكز الثقافية ودور النشر .. أتمنى لهم حظًا سعيدًا.

شهادتي ضمن ملف العزلة والكتابة (13): ما بين أحلام توأد بسبب الصراعات وبين عجرفة الوسط الثقافي .. إعداد الكاتبة سماح عادل.

موقع كتابات

17 يونيو 2021