الأربعاء، 16 يونيو 2021

زر جلبابها

لوفرة من الأسباب القهرية المتواطئة في صلابتها؛ أُغلقت جميع أبواب الانتقام في وجهه .. لم يعد أمامه سوى أن يجرّب الأساليب الطفولية المألوفة لرد الأذى إليها .. تلك الحيل القديمة التي على بساطتها يمكنها أن تعكّر أكثر الأمزجة قدرة على الاحتفاظ بصفائها .. كانت فرصة غير متوقعة أيضًا لاسترجاع النشوة المفقودة لذلك الولد الصغير الذي كان يرتكب أحيانًا مكائد ساذجة في الماضي .. فكّر في أن ما سيقوم به تجاهها يمكن مع تراكمه أن يصل بها إلى مستوى الألم الذي يحقق له ثأرًا تتجاوز بداهته أي احتمال للتسامح.

انتظر حتى خرجت من البيت ثم دخل حجرة نومهما باحثًا عن موضع البدء لتصفية حسابه معها .. كان جلبابها المنزلي مكوّمًا فوق السرير .. أمسك به ثم فرده وهو يتساءل في نفسه: ماذا لو اكتشفت حينما تعاود ارتداءه بعد رجوعها إلى البيت أنه فقد أحد أزراره الثلاثة؟ .. ستشعر حتمًا بقدر من الانزعاج خاصة حينما تفشل محاولاتها الأكيدة في العثور عليه .. ضرر عظيم التفاهة ولكنه مجرد خطوة أولى لهدف يمكن بلوغه حين يتكرر بصورة منتظمة ومحسوبة فضلًا عن إمكانية تطويره مستقبلًا.

أحضر المقص وهو يفكر في الطريقة المناسبة لانتزاع الزر دون ترك أثر يثير الريبة .. لكنه بمجرد أن أمسك به بدأت أفكاره ومشاعره فجأة تتركز كليًا في إلى أي مدى هو زر ضئيل .. إلى أي مدى هو ناعم وهش وغافل .. راح يتحسس الزر بين إصبعيه كأنما يمررهما فوق وجه طفل بالغ المسالمة يتشبث بالأمان الأمومي للجلباب .. أحس بغصّة مباغتة ترتعش في حلقه بينما يستعيد ذكريات متناثرة .. مشاهد قديمة، غائمة ومبتورة تتضمنه وحده أحيانًا في لحظات مختلفة من عمره، أو تحتويهما معًا في أوقات متفرقة من تاريخهما المشترك، أو تشتمل فقط على ملامحها عندما كان يتأملها في صمت دون أن تنتبه إليه في أحيان أخرى .. ترك الجلباب وهو يجفف تلويحات شاحبة للدموع في عينيه ثم أعاد المقص إلى مكانه قبل أن يجلس محاولًا التوصل إلى طريقة بديلة للانتقام منها.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 14 يونيو 2021