الجمعة، 27 يناير 2017

حفل الإرجاء

لم نكن نمتلك (طبقاً) يمرر للتليفزيون القديم بحجرة المعيشة تنويعات نقية من سكس العالم .. كمجنون سينمائي يحاول الاتصال بسكان الكواكب الأخرى قضيت سنوات طويلة، ليلة بعد الأخرى في السعي لاصطياد قنوات الـ (سيجما) القبرصية، والـ (أنتينا) اليونانية، والثانية الإسرائيلية، وكان هذا أقصى خدمة يمكن أن يؤديها (البوستر) لقضيبي .. بالطبع كان نادراً للغاية أن تجتمع عناصر المعجزة: التقاط أي من هذه القنوات مع وضوح الصورة بالتزامن مع عرض فيلم  (uncut).. أغلب السنوات قضيتها ممسكاً بقضيبي أمام شاشة مشوشة تماماً، تتحرك داخلها ظلال مطموسة انتظاراً لظهور إشارات لما يبدو أنه احتمال للحظة التصاق بين شبحين عاريين فأبدأ في الاستمناء .. كان يحدث أحياناً أن تتحسّن الصورة فجأة قبل وصولي إلى النشوة فأكتشف أن ما كنت أظنه مشهداً جنسياً لم يكن سوى منظر لطفل يحفر قبراً في حديقة بيته ليدفن قطته الميتة، أو رجل يقوم بتقطيع جثة امرأة مستخدماً منشار كهربائي، أو عجوز يعزف على البيانو مقطوعة ناعمة لـ (شوبان) فوق تلال هائلة من الأنقاض المحترقة .. كنت حينئذ أنقذ شهوتي من التراجع والانطفاء باستعادة فورية لجسد أم خطيبتي .. أؤمن حتى الآن أن مؤخرتها كانت تبتسم لي كلما نظرت إليها.
في هذه الفترة لم يكن أبي يعرف ماذا يفعل بخرائه .. كان يُخرج الأعاجيب البنية المزعجة، متفاوتة الأحجام من شرجه، ويقلبها بين يديه ليتفحصها باستغراب وغضب ثم يحاول التخلص منها في بيجامته، أو في أغطية الفراش والكراسي والكنبات، أو في ملاءة السرير ومسنده وحوافه، أو في الحوائط، أو يمدها إلى أي منا طالباً منه أن يأخذها ويجد تصريفاً لها.
كانت أمي تواجه صعوبة بالغة في الانتهاء من كتابة مسرحيتها (حفل الإرجاء)، ولم يكن ذلك راجعاً إلا لتهكم أختي من رغبة المؤلفة العجوز في الانتصار لوجهة نظر بطل المسرحية وهو قاص شاب يعتقد أن الكاتب العظيم لا يقدم أبداً تعريفاً واضحاً للحياة:
)الكتّاب العظام لا ينخدعون بهذه الخطيئة؛ فهم يبصرون تماماً الفخ المبهر الذي يطالبهم بهذا .. تلك الرفاهية الخبيثة جدير بها أولئك الذين ما زالوا يتفحصون الخط السيء واللغة الرديئة التي كُتبت بها الدعوة إلى الحفل .. الحياة أحقر من أن توصف، حتى أن هذه العبارة نفسها لا تنطوي مطلقاً على أي ضرورة أكثر من محاولة مفترضة للفوز برهان على السماجة القصوى).
في المقابل كانت أختي تنحاز لتصور البطل الآخر لمسرحية أمي وهو قاص كهل ينافس القاص الشاب على ثقوب طفلة في العاشرة، لم تحسم بعد هل تختار بينهما أم تجعل ثقوبها ممرات مشتركة يتصلان من خلالها  .. كان القاص الكهل لا يجد تعارضاً بين تعريف الحياة وأن تكون كاتباً عظيماً:
)تراكم غامض من الآلام ذات الحتمية العمياء، غير المكلفة بجهد .. إن ما تظنه فهماً لتلك الآلام هو في حقيقته رضوخاً إجبارياً لعذابها الذي لا سبيل لتعطيله .. احترام لخلوده لا يمكن التفاوض معه .. إن قدرك هو البقاء في جوع لتصديق أنك تحارب عدواً يمكن التغلب عليه، أو على الأقل يمكن استيعاب دوافع هزيمتك أمامه .. كأنك تمتلك وجوداً تصونه في الخفاء إرادة عاقلة، مطلقة القدرة، مثالية التدبير والنوايا، ومؤجلة الكشف حتى لو لم يكن العالم سوى نقيض دامغ لذلك التصور .. لقد عرفت منذ زمن طويل أنني مجرد معبر محترق، تمر من خلاله الصدف المتبلدة التي تدعي خضوعها لنظام يتخطى استمرارها المجرد، ولغاية تتجاوز الموت .. الموت نفسه ليس شيئاً حتى يمكنك أن تقاومه، أو تسترضي وحشيته، وتقنعه بخوض استعراض كاذب من عدم التكافؤ أمام الفراغ الأبدي .. الموت هو كل شيء بكافة ما تعنيه الدقة الإعجازية اللازمة للقهر، وذلك لا يعني أكثر من أنك ميت يتظاهر بالصراع ضد تدميره الذاتي، وترعاه حالة من التفاهة اللامبالية أشد وطأة مما قد ينتظره داخل قبر ما .. لقد كان للخيال فضل عظيم في رعاية اليقين بكوني مريضاً ـ مثل أي أحد ـ بوهم امتلاك الحدود التي يمكن توجيه ضربات ما من ورائها، لكن جسدي ليس إلا مكونات مضحكة من الغفلة .. فوضى أزلية معتمة لهزائم، وتوسلات، وآمال طائشة فاقدة الضمير والكرامة .. لاشك عندي في أن الكلمات هي وقود الحقارة ـ حيث لا يوجد ما يستحق الذكر ـ لذا فالكتابة لابد أن تكون توثيقاً ـ يجاهد للإفصاح عن كوابيسه في كل مناسبة ـ لفشل المحاولات المتكررة في الوصول إلى صمت نهائي، لا يثير الشفقة(.
في إحدى الليالي كنت أشاهد التليفزيون فارداً ساقيّ فوق كنبة الأنتريه المجاورة للكرسي الذي أجلس عليه .. كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل، وكانت كفي التي شكلت حضناً أسطوانياً لقضيبي تحت الشورت والكلوت تصعد وتهبط سريعاً بدعم ذهني يحاول إكساب خيالات الشاشة الضبابية ملامح وألوان .. كان تركيزي في هذه الليلة محصوراً في إعطاء ما كنت أظن أنها امرأة عارية تنام تحت رجل ما جسد طفلة العاشرة في المسرحية كما وصفتها أمي .. فجأة فُتح باب حجرة المعيشة ودخل أبي .. تشتيت الانتباه في بداية الاستمناء خاصة لو كان ناجماً عن مفاجأة صادمة سيؤدي في الغالب إلى انهيار تدريجي سريع للانتصاب، أما عند حدوثه بعد مرور الوقت فالنتيجة ستكون قذفاً فورياً تعيساً .. وقف أبي أمامي، ونظر في عينيّ دون أن ينزل بصره نحو يدي التي كانت لاتزال تحت الشورت والكلوت بينما الدفقات الساخنة للمني تتابع بارتباك مقتضب حسرةً على استمناء مبتور، لم يُختم بنهاية لائقة .. أخرج أبي من جيب بيجامته كرة متوسطة الحجم من الخراء، ثم ألقاها أمامي على الأرض بنفاذ صبر كشيء فشل في تشغيله .. صوته المهموم كان خافتاً بوعي للحرص على عدم إيقاظ أمي النائمة داخل حجرتها في نهاية الصالة، وأختي النائمة داخل غرفة مجاورة تشارك حجرة المعيشة في نفس البلكونة: (شوف هتعمل فيها إيه) .. كانت هناك أيضاً جدية في نبرته الواطئة كأنه يخبرني بعدم امتلاكي لعذر يبرر عدم الاستخدام الجيد للخراء بعد أن تكفل بتحويله إلى كرة .. أخرجت كفي المبتلة، ودون اهتمام بتجفيفها قمت لأربت على كتف أبي محاولاً تخفيف ضيقه، ثم أجلسته على الكرسي .. أمسكت بكرة الخراء، وقربتها منه: (عارف تعمل فيها إيه .. تاكلها) .. حدّق في عينيّ بدهشة لم تفقده هدوءه دون أن يتكلم .. (هي مش بتاعتك .. خلاص .. كُلها) .. قربتها أكثر حتى كادت تلامس شفتيه فزادت حدة الاستغراب في نظرته، ومع ذلك كشف فمه عن ثغرة صغيرة .. (شاطر .. افتح بقك كمان) .. تحولت عيناه من وجهي إلى كرة الخراء للحظات قليلة كأنه يُخضعها لتشريح أخير ثم مد رأسه وقضم قطعة ضئيلة مزينة بسائلي المنوي، وبدأ يمضغها بطقم الأسنان الأمامي .. ابتسمت لأشجعه على قضم المزيد في حين ظهرت على ملامحه عدم الاستساغة لطعم الخراء، لكن تعوّده على أدوية رديئة الطعم جعلته يقضم قطعة أخرى، كأنه يعتبر أن ما يبتلعه الآن جرعة أخرى تشبه السوائل الكريهة التي تجبره أمي على تناولها بالملعقة في مواعيد يومية ثابتة .. رأيت أن الاعتماد على ما علق بأصابعي من سائل منوي ليس كافياً لذا أدخلت يدي الأخرى تحت الشورت والكلوت لأجلب المزيد كي أغطي به الكرة البنية التي نقص حجمها .. ظل الضيق ينمو في ملامحه حتى تجمّدت على وضع الاستياء البالغ بعد خمس قضمات أنهى بها أبي وليمة الخراء والمني الصغيرة .. ربت على كتفيه ثم أنهضته وأمسكت بذراعه لأخرج به من حجرة المعيشة وأعبر به ظلام الصالة نحو غرفته التي تنام أمي في سريرها.
في اليوم التالي أنهت أمي مسرحيتها بعد نقاش سري مع أختي استغرق فترة استحمامهما معاً .. أسرعت إلى الشاشة والأزرار بجسد لا تزال قطرات وفيرة من ماء الدُش عالقة به كأنها توصلت إلى الحل السحري:
)الكتّاب العظام قد يحتاجون ـ كما ترى ـ لوصف الحياة حتى من حين لآخر عندما يأكل الغضب قلوبهم، وتذيب مرارة الضجر أرواحهم من قضاء الحفل ـ الذي دائماً ما ينتهي مبكراً ـ في خلق الرموز .. إنهم يحتاجون نفس الهدية الثمينة التي يمكن أن تعثر عليها فجأة عانس ما ظلت تراقب شقيقها الأصغر لليالٍ طويلة، سنة بعد الأخرى من فتحات شيش البلكونة وهو يستمني أمام شاشة مشوشة تماماً، تتحرك داخلها ظلال مطموسة، حتى تحقق حلمها ذات يوم ورأته يطعم أباها كرة من الخراء والمني).