الثلاثاء، 10 يناير 2017

نصوص متحركة

عندما خرج (الفشل في النوم مع السيدة نون)"1" من الظلام فجأة جاءته رسالة من (قراءة الماضي)"2" لتكشف له عن إحساسها بالتوتر الشديد من وجوده .. أخبرته بأنها لا تعرف لماذا تكتب له هذا: (ربما أردت أن ترى توتري فحسب) .. كان يعلم أنه ينتظرها ـ عند اكتمال عبورها إليه ـ ما هو أكثر قسوة من التوتر، أو أن شعلة القلق ستنطفيء بيُسرٍ متهكم، لن يُصدق .. لم تكن هذه الرسالة هي ما ينتظره (الفشل في النوم مع السيدة نون) من خروجه، أو ـ بصدق أكبر ـ لم تكن أجمل الأحلام التي تمنى أن يحققها وجوده .. لكن (الفشل في النوم مع السيدة نون) شعر باللذة أثناء قراءة الرسالة وكان هذا منطقي جداً .. ليس فقط لأنه اعتبرها هدية غير متوقعة، بل لأنها بدت كإشارة ثمينة على أن الأحلام ستتحقق بالفعل .. شعر كذلك بالضيق، وكان هذا منطقي أيضاً .. ليس فقط لأن توتر (قراءة الماضي) كان يؤلمه ـ ربما ظن للحظات أنه توتر مزيف سيكون رائعاً عدم الوقوع في فخه ـ بل لأنه كان متأكداً من أن أي محاولة من جانبه لتخفيف توترها ـ كتب بالفعل بعض الكلمات الكارثية كطمأنة كاذبة ثم مسحها كمن يفيق من نوبة هذيان ـ سواء نجحت هذه المحاولة أو أخفقت ستكون ـ فضلاً عن إلقاء الهدية غير المتوقعة في صندوق القمامة ـ بمثابة هدم للجسور التي ستمر فوقها الأحلام في طريقها إلى الواقع .. لم يكن أمامه سوى الصمت، وكان هذا هو التصرف الصحيح الوحيد، الذي يستحق أن يُزرع في مكان سري بداخله كوردة تفاخر نادرة يمكنه الرجوع إليها في أي وقت.
بعد شهور قليلة من هذه الرسالة رُدت الهدية غير المتوقعة إلى (قراءة الماضي) .. لم يكن (الفشل في النوم مع السيدة نون) هو من ردها بالطبع، وإنما كان (قراءات)"3" .. أهدى (قراءات) إلى (قراءة الماضي): (أن تتناولك رواية أو هل تراني فعلاً بهذه الطريقة؟)"4" .. ربما لا يزال (الفشل في النوم مع السيدة نون) يفكر: هل كانت هدية (قراءات) متعمدة أم أنها ذهبت إلى (قراءة الماضي) في هذا الوقت تحديداً عن طريق الصدفة ـ بالتأكيد يحب (الفشل في النوم مع السيدة نون) تصوّر أن تدخّل (قراءات) كان مقصوداً .. لكنه بدرجة أكبر كان ممتناً للسعادة التي منحتها (أن تتناولك رواية أو هل تراني فعلاً بهذه الطريقة؟) إلى (قراءة الماضي) إذ لم تكن لتلك السعادة علاقة بأحلامه التي لم تتحقق حتى الآن.
بعد الانتهاء من مائدة مستديرة عن (الرواية والفانتازيا) ـ يا لسخرية القدر ـ تقابل (الفشل في النوم مع السيدة نون) و(قراءات) .. مصافحة سريعة وابتسامة خاطفة ثم اختفاء فوري .. كانت تلك الحدود هي أقصى ما يمكن السماح به للواقع حتى لا تطغى الأجساد الحقيقية على الدعابة.

1ـ رواية لـ (ممدوح رزق) ـ دار الحضارة 2014
2ـ نص لـ (إيمان مرسال) من ديوان (جغرافيا بديلة) ـ دار شرقيات 2006
3ـ مدونة للمترجم (أحمد شافعي).
4ـ مقال لـ (ميشيل هونيفن) ـ ترجمة: (أحمد شافعي).