الثلاثاء، 1 أبريل 2025

إكمال المعجزة

عاود الفزع توجيه اللطمات إلى روحي: أنت لم تكتف بكشف الفكرة بل وتنوي قراءة ما ستدوّنه من النص أيضًا! .. هنا تأكدت أنني وضعت ميادة على حافة حياتي .. كنت موقنًا وبلا أدنى شك من أنني لن أقرأ لها أي كلمة مما سأكتبه في مخطوط هذه الرواية .. لم أفعل هذا مع أي شخص ينتمي بصورة أو بأخرى إلى الوسط الأدبي وبالتأكيد لن أفعل هذا مستقبلًا .. أيقنت أن الإبقاء على ميادة في حياتي سيكون مقامرة أستطيع من الآن ـ وبخبرة الماضي كله ـ أن أضمن هزيمتي في نهايتها .. أستطيع أن أضمن الألم الذي لن أحصد من زمنه طال أم قصر إلا الكتابة .. لكن هذا الوعد الزائف كان في نفس الوقت رجاءً خفيًا لميادة بأن تكمل معجزتها وتمنحني ما يعطل ذلك الحذر الجوهري الذي يسيطر على علاقتي بالآخرين في هذا المستنقع .. كنت أطالب ميادة ومن وراء جدران صلبة لا آخر لها بأن تواصل اجتياحي بكل ما يشكّلها ويطفو من أعماقها إلى أن تستبدل العالم بوجودها المحض ودون ثغرات .. أن تجعلني أقرأ لها كلماتي التي لم تنشر بعد، حتى ولو كان ذلك عربون ثقة لخزي مؤكد وليس خلاصًا مستحيلًا .. حتى ولو كان ذلك ضد النص، بتوريطه في الاستهلاك “الكيتشي” بين رجل وامرأة، خارج عزلة كل منهما .. حتي ولو خسر كل منا عماءه الطفولي عن الآخر واكتسب عماءًا مضاعفًا، أكثر فداحة، قائمًا على ما يسمى “التجربة الواقعية” .. أليس كل نص هو نتيجة خزي ما، خيانة فاضحة لما توهم به “الخبرة” الحسية؟ .. أليس كل نص هو نتيجة الكشف عن عدم الانتماء إلى الآخر؟ .. أليس كل نص هو نتيجة تدبير ماكر من الذات، تستعمل خلاله تواطؤ خيبات الأمل المدركة استباقيًا تجاه طموحات يتم ـ رغم ذلك ـ تصديقها والانغماس في عتمتها؟  .. حسنًا .. سأكتب نصًا جديدًا عن هذه الهزيمة الإضافية مهما كانت قسوتها التي ستشحذها “نصوصي السابقة” كأبطال أساسيين لهذا النص .. عن هذا الألم الذي أترجاه عندما تصبح هذه السمراء الفاتنة بين يديّ بالرغم من شراسته المتوعدة .. هل التقطت روح ميادة تلك الاستغاثة التي أخرستها اللغة؟ .. هل يمكنها أن تستجيب لهذا التوسل على النحو الذي لا يمكنني تصوّره أو حتى الإيمان به؟

جزء من رواية “نبوءات لا مرئية” ـ قيد الكتابة

اللوحة: رينيه ماغريت