الثلاثاء، 29 أغسطس 2023

خلق قارئ ميت

في مقابل لقطة احتفالية “كيتشية” كهذه؛ سيكتب ذلك القارئ الذي أوقّع نسخته من روايتي “خلق الموتى” على ظهر “قوّاد الكتب” المُسمّى جودريدز: (يحاول ممدوح رزق أن يخرج عن كل مألوف تقليدي في البناء الروائي فينجح إلى حد كبير ولكنه يقع سهوا في تضمين نصوص وأفكار خاصة لا تساعد على استمرار حركة السرد وتتابعه بشكل منطقي في بعض الأجزاء ولكن العمل رغم هذا يعد “تحديا” كبيرا لمن يريد الجدة والتميز).

صورة أيقونية مبتذلة “كاتب يوقّع روايته الجديدة لقارئ في إحدى المكتبات” سيكون ثمنها حُكمًا استسهاليًا ساذجًا لشخص لا يكتفي بتحويل عجزه عن استيعاب دوافع “التعمّد” لتضمين “النصوص والأفكار الخاصة” في الرواية إلى “سهو” للكاتب فحسب؛ وإنما يؤمن أيضًا بضرورة أن يستجيب للإغراء الانتهازي الوضيع لجودريدز بتوثيق هذا الجهل المتبطل والهزلي على صفحة الرواية في الموقع والذي يضاعف أرباحه اعتمادًا على نفس الأسباب التي من أجلها تضمن منصات تقييم السلع والخدمات والأماكن الترفيهية زيادة مكاسبها.

لماذا تكون هذه اللقطة ثمنًا لإدانة غافلة، بلهاء وسمجة كتلك، سيقرؤها الكثيرون ويصدقونها دون إرجاء أو محاولة للتيقن؟ .. ألم يكن من المحتمل أن يكتب الحماقة البائسة ذاتها قارئ آخر، لم يحضر حفل توقيع “خلق الموتى” بمكتبة “كلمات” في مساء 4 مايو 2013، وبالتالي لم توقّع نسخته من الرواية أثناء التقاط “صورة تذكارية”؟ .. كان يمكن أن يحدث هذا حقًا، ولكن بما أن ذلك القارئ الذي يشاركني الكادر هو من كتب تلك الكلمات الغبية والوقحة على جودريدز فإن ذلك ليس ناجمًا إلا عن هذه الصورة .. عن ما لا تعترف به هذه الصورة .. لأنني سايرت الوعد المظهري الخبيث للتناغم بين “كاتب” و”قارئ”، المكرّس في لقطة من “حفل توقيع” .. لأنني تقمصت الادعاء المخادع للألفة بين روايتي وبصيرة شخص آخر، والمجسّد في مشهد ليس عليه سوى التثبيت الشكلي لتلك الألفة .. لأنني كنت أعرف بطريقة ما، وبينما أوقّع نسخة “خلق الموتى” في تلك اللحظة أن هذا ما سيحدث .. لا يتعلق الأمر بهذا القارئ تحديدًا وإنما بـ “قراءة” روايتي بشكل عام .. كنت أدرك أن صورة كهذه هي تمثيل للمفارقة المعهودة بين ما تحاول الإيهام به من تجانس، وبين اعتداءاتي السردية الساخرة على الخمول المسالم لذهن القارئ، الذي سيحاول عفويًا الدفاع عن أمانه الخرب برد فعل مضاد يحصّن رعشته البليدة.

أن يقرؤك أحد؛ فهذا في حد ذاته ما قد يخلق فرصة متكررة لاختطافك داخل جحيم انتقامي كالذي تفحصته قصيدة “محمد الماغوط”:    

“يخيَّل لي أنَّني أتهاوى على الأرصفة
سأموت عند الـمنعطف ذات ليلة
وأصابعي تتلوَّى على الحجارة كديدان التفَّاح
دون أنْ ينظر إليَّ أحد.
إنَّني أرى نهايتي
ألـمح خنجراً ما في الظلام مصوَّباً إلى قلبي
عربة مطفأة
تقلُّ طاولتي وأوراقي إلى عرض الصحراء.
ستهب ريح قويَّة آنذاك
تداعب أظافري القصيرة
وتكنس قصائدي في الشوارع كقشور الخضروات”.

ماذا لو لم تكن مقروءًا فقط، بل ومرئيًا في الوقت نفسه كشخص عادي ولا يبدو مؤذيًا أيضًا؟

من كتاب “وهم الحضور” / مذكرات الكادر الضال

يصدر قريبًا