ملامح كان ظهورها
يتكرر في أماكن مختلفة
أمام عيني طفولتي
العابرة سريعًا كطيفٍ مرتعش
ثم اختفوا جميعًا
فجأة
اختفوا تمامًا كأنهم
هجروا العالم وليس المدينة فحسب
بينما بقيت أتنقل
زاحفًا في الشوارع نفسها
بعيدًا عن طفولتي
حتى مرت ثلاثون سنة
كان يمكن ألا تكون ثلاثون
سنة زمنًا طويلًا
لو انتهت إلى شيء آخر
غير الانسحاب التدريجي
من الأماكن التي ظلت
عالقة في عتمتها.
في هذه اللحظات
تحديدًا
عادت الوجوه القديمة للظهور
الملامح التي ما زلت
أعرفها
رغم أنها أصبحت
عجوزًا
بما يتجاوز الأثر
البديهي للتقدّم في العمر
عادت وجوههم للظهور
في الشوارع التي أنسحب منها
وكانوا ينسحبون أيضًا
بالانكماش التائه
ذاته
الذي أغادر به
المدينة نحو منزلي
بعدم التصديق الأثقل
من إمكانية تركه
خارج الأبواب التي
أغلقتها على نفسي.
كانوا يتلصصون على
ملامحي مثلما أفعل
كأنهم عثروا عليّ
أيضًا فجأة
بعد كل هذا الوقت من
اختفاء وجهي عن عيونهم
وجهي الذي يعرفونه
جيدًا.
حينئذ أدركت أنهم لم
يكونوا غائبين طوال هذه السنوات
كانوا يزحفون من حولي
في نفس الأماكن
بعيدًا عن طفولتهم
وكان هذا فقط يكفي
لكي لا يرى أي منا
الآخر
إلا في حفل الوداع.