الجمعة، 18 فبراير 2022

نبوءات لا مرئية

أشعر كذلك وعلى نحو قاطع بأنه أيضًا لا يعرفني .. أنه يتفحص ملامحي في كل مرة أنظر خلالها إلى هذه الصورة، ويقول من وراء صمته أن تفاصيل هذا الوجه الذي يتطلع إليه تخص شخصًا مجهولًا تمامًا .. أشعر أن وجهي يظهر أمامه هو الآخر داخل إطار مرآة مزخرف، وذلك ما يفرض على بصره مشقة مماثلة .. ربما لديه نفس الإحساس المبهم المستقر في اضطرابي الأزلي بأن هناك فجوة مظلمة بيننا .. انقطاعًا غامضًا في الزمن، خلق هذه المسافة الملغزة بين غفلتي كل منا .. كأنما تم إيقاف خطواته وفصله عن المستقبل الذي سيحاصرني وحدي مثلما سيظل هو مسجونًا في لحظته، في واقعه الخاص الذي يتجسّد في لقطة غير مثالية لابن يحتاجها أب مغترب.

أعتقد أن كلًا منا لا يحب التطلع في وجه الآخر .. النظر إلى ملامح هذا الطفل هو لحظة الإحساس بالضآلة القصوى، بأبعد حد من الضعف، أو بتعبير أدق من انعدام الحيلة .. هي اللحظة التي تعني دون تفاوض أو رحمة أنني لا أمتلك الماضي الجدير بالتطلع إليه .. أنني لا أستحق أن أتأمل ملامحه .. هو أيضًا يبدو عليه الشعور بذنب ما، بخيانة أُرغم عليها، أو بمصير لم يفهم كيف كان يجب أن يتوقعه .. كأن النظر المتبادل هو لحظة عقاب ذاتي يحاول كلانا تفاديها .. موعد متناثر للحسرة، بعد أن فشل كل منا في التعرّف على الآخر .. صراع على تحاشي أن يكره كلانا الآخر، كأنما كل منا قد انتقم فعلًا من الآخر بطريقته.

أنا أخاف من التطلع إليه، لأنني حينما أفعل هذا أرى لعينيه اللتين تلمع الدموع المتجمدة فيهما نظرة تقتحمني، وتعبر جسدي لتراقب شيئًا مرعبًا، مخفيًا تمامًا وراء ظهري .. حينما أتطلع إلى هذا الطفل لا أرى بداية، وإنما نهاية تندفع في مسارها الثابت، وربما هذا ما يضاعف البكاء المكتوم في صدره .. جميع صوري الفوتوغرافية سواء كانت فردية أو جماعية تنتمي إلى نفس الانعزال؛ فالأطفال والصبية والشباب والرجال الذين يظهرون فيها مع تعاقب السنوات ويدّعون أنهم يمثلونني ليس لهم أي علاقة بي، أو بالطفل في صورة الأبيض والأسود، وحتمًا ليست لهم أي علاقة ببعضهم .. كأن كل نسخة مني في كل صورة تفصلها فجوة مظلمة عن الأخرى بطريقة ما.

جزء من رواية قيد الكتابة