السبت، 26 فبراير 2022

المحاكمة

لابد وأن أحدهم كان يشعر بشيء سيء وصادق تمامًا تجاه (م)؛ لأنه حينما فعل ما لم يكن يعتقد أنه خطأ؛ قُبض عليه في صبيحة يوم مشمس.

كان (م) قد فتح عينيه ثم اعتدل فوق حافة السرير، ولكنه عندما نظر إلى وجهه في مرآة الدولاب الكبيرة، وقبل أن يقول لنفسه كالعادة: (عجوز فاشل، يقترب أكثر من الموت) رأى رجلًا يقف عند باب الحجرة.

لم يكن (م) يعرف هذا الرجل أو كيف دخل إلى بيته، ومع ذلك التفت إليه بدهشة معتدلة كمن كان يتوقع حضوره بطريقة ما .. هل هو رجل واحد؟ .. نعم .. هكذا يقول جسده، أما وجهه فكان يعطي شعورًا مناقضًا .. في الأحوال العادية كان على (م) أن يغلق الأغنية أو التمثيلية الإذاعية الكلاسيكية أو محطة الراديو التي كان يستمع إليها أثناء النوم، ثم ينزع (الهاند فري) من الموبايل، ويضعهما فوق الكومودينو المجاور للسرير بجانب الأباجورة ذات المصباح المحترق، وزجاجة الماء .. كان عليه أن يتوجّه إلى الحمام الملحق بغرفة النوم، ثم يخرج إلى المرآة ليمشط شعره ويرتدي الروب ويضع الموبايل في جيبه ثم يخرج من الحجرة قاصدًا المطبخ ليعد الشاي والقهوة ونصف رغيف من الجبن الأبيض .. لكنه اليوم لن يفعل كل هذا.

نهض (م) واقفًا داخل تلك المساحة الضيقة بين السرير ومرآة الدولاب، دون أي أثر للنوم، والذي كان قد تبدد تمامًا من رأسه قبل أن يرفعه عن الوسادة بوقت طويل .. لم يكن يفكر في مغادرة هذا الحيز الضئيل الذي تشغله قدماه، ومع ذلك قال له الرجل بنبرة هادئة، ثقيلة وحاسمة:

(من الأفضل أن تلزم مكانك).

ـ من أنت؟

وبالرغم من أنه لم يكن يعرف هذا الرجل، أو ما الذي جاء به إلى بيته إلا أن (م) شعر وهو يوجِّه إليه هذا السؤال أنه يؤدي واجبًا يتطلبه الموقف أكثر مما هو استفهام حقيقي .. ربما كان لهذا الشعور علاقة بعبارات كتبها في مكان ما .. حسنًا .. كان (م) متأكدًا تمامًا من هذا وهو ينظر إلى صورته المعلقة على الحائط فيما بين الدولاب وباب الحجرة .. رأى عينيه داخل البرواز تتنقلان بينه وبين الرجل كأنهما عينان لوجه ثالث يتأمل مصيرًا لابتسامته الباهتة، التي ظلت عالقة وراء المستطيل الزجاجي لسنوات كثيرة.

ـ دعه يخرج.

سمع (م) هذا الأمر الموجّه حتمًا إلى الرجل الذي لم يرد على سؤاله .. أمر بصوت رجل آخر موجود في الصالة .. صوت أكبر عمرًا، وأقل حدة، وأكثر لامبالاة .. تخيّل (م) فورًا أنه صوت رجل جالس، يضع ساقًا فوق الأخرى، على ملامحه تحضير دائم لابتسامة لا تتشكل، ولا ينظر من مكانه نحو باب الحجرة المغلق بل يتفحص بقعًا غامضة، تخصه وحده، بين زهور السجادة.

فكًر (م) في أن هذا ليس أمرًا إلى ذلك المتجهم الواقف أمامه، ويحدّق في وجهه بنظرة عدائية بقدر ما هو استدعاء له شخصيًا بالحضور إلى رجل الصالة .. الحضور الذي سيجعله يتأكد من الصورة الذهنية التي كوّنها الصوت.

تقدّم (م) بخطوات سريعة، كأنها دمج يائس بين الهروب والاستسلام، دون أن يحرّك عينيه نحو الترصد المقبض للرجل الذي فتح باب الحجرة .. كان كل ما تصوّره صحيحًا عدا شيء واحد .. لم يكن الرجل الجالس واضعًا ساق فوق الأخرى يتفحص بقعًا غامضة داخل زهور السجادة وإنما كان يقرأ في رواية مطبوعة كتبها (م) .. بعد لحظة واحدة بدا أن الرجل لا يقرأ في الكتاب بقدر ما يراجع بثقة ما سبق وأن قرأه من قبل .. شعر (م) أن الروح التهديدية لرجل الحجرة تحاصر الهواء خلف ظهره، بينما رفع رجل الصالة الجالس فوق الكرسي المقابل للردهة القصيرة المؤدية إلى حجرة النوم وجهه من الرواية لينظر إليه.

جزء من رواية قيد الكتابة