السبت، 27 نوفمبر 2021

حكمة الشاي

وحده الطفل ربما الذي لا يرى غضاضة في أن يجد نفسه بين أشخاص يكوّنون ما يُسمى "أسرة واحدة" ويجلسون لتناول فناجين أو أكواب الشاي بعد الاستيقاظ من القيلولة اليومية في شرفة البيت أو داخل حجرة المعيشة خاصة في الأماسي الشتائية الباردة .. أسرة عادية مكوّنة من أب وأم وأخوين لذلك الطفل الذي لا يخطر في ذهنه أو على الأقل لا ينتابه شعور خفي بوجود خطأ ما في هذا الطقس المتكرر .. على العكس ربما الطفل وحده أكثر من يدرك الحميمية النقية لتلك الجلسة المعهودة التي يتجلى دفئها كلما تزايدت البرودة في الخارج .. لكن طفوليته التي قد تبقى على حالها وهو يكبر من الممكن أن تنبهه في لحظة مفاجئة إلى ذلك الاستفهام: على ماذا تعتمد الثقة الصافية التي تجعل هؤلاء الأفراد يجلسون بتلك الطريقة؟ .. استفهام محكوم بالتوالدات المتصاعدة بدءً من التلصص على الخدوش الصغيرة وحتى الانغماس التام في المآسي المضجرة: هل يعرف كل منهم الآخر حقًا؟ .. هل يعلم بكل ما في داخله؟ .. هل يستطيع أي منهم أن يكشف للآخر عن كل ما في نفسه؟ .. هل يضمن أحدهم الحماية من الألم سواءً لذاته أو لمن يشاركونه ذلك المشهد المغلف بالطمأنينة الرائقة؟ .. هل ثمة حصانة ما تمنعهم من قتل أنفسهم أو قتل كل منهم للآخر؟ .. الطفولية نفسها التي ستجعل ذلك الشخص يدرك بأن الأمر لا يتعلق بتلك الأسئلة وإنما بشرب الشاي .. بالحياة التي تتلخص قيمتها في السماح لنا بذلك .. ستفهمه طفوليته المعنى الحقيقي للحياة .. أنه طالما لا نستطيع أن نطرح تساؤلات كهذه، أو أن نجيب عنها إذا ما ناوشت عقولنا، وطالما أن محاولاتنا للإجابة عنها ـ إذا ما سعينا لذلك بشكل ما ـ سوف تجعلنا أكثر قربًا من الموت؛ فعلى الأقل يمكننا أن نشرب الشاي.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 26 نوفمبر 2021