أنا أعلم كل شيء عنكم .. جميع أسراركم ..
لكن اطمئنوا؛ فإنني أمتلك من النُبل والتعاطف ما يمنعني من الكشف ـ مثلًا ـ عن
الروائية التي تنام مع ناقد أصغر عمرًا منها، والروائي الذي يعلم أن رجالًا آخرين
يضاجعون زوجته، والشاعرة التي ترتبط بعلاقة جنسية مع ناشر، وكاتب القصة الذي يحاول
إغواء المحررة الأدبية زوجة صديقه الصحفي، والشاعر الذي يأخذه في مؤخرته.
عرفت كل شيء بواسطة المراقبة المستمرة وعبر
سنوات طويلة للإعجابات والتعليقات والمشاركات المتبادلة بينكم، ومقارنتها بما
تتضمنه رواياتكم وقصصكم القصيرة وقصائدكم من شخصيات وأحداث وعلاقات .. باعترافاتكم
المخبوءة داخل الفراغات الصامتة في نصوصكم .. لا أتحدث عن تخيلات بل حقائق ..
براهين دامغة .. قرائن لا ينازعها الشك.
كل ما أفعله ـ إلى الآن وحتى آخر لحظة من
عمري ـ أنني أستخدم هذه المعرفة في الكتابة، مع ترك إشارات دالة على كل واحد منكم
عند توظيف المعلومة التي تخصه .. أما إذا أدرك قارئ ما ذلك الشخص المقصود فتلك
ليست مسؤليتي .. أنا لم أفضح أي شيء.
هذا ما أردت القيام به منذ البداية .. ما
يكفيني .. ما يسعدني .. هذا ما تأكدت أن عليّ ارتكابه خلال اللحظة التي دخلت فيها
شقيقتي حجرة مكتبي فجأة ورأتني أستمني على مشهد جنسي في قصة قصيرة لمحمد البساطي
منشورة بـ "أخبار الأدب" في التسعينيات .. حينما انتبهتُ إلى تعمّدي ترك
باب الحجرة غير موصد، وإلى مسارعتي العفوية للخروج ورائها بعد أن تراجعت مصدومة
على الفور حتى أنظر في عينيها وأتفحص تأثير ما رأته على ملامحها.
هل كنتم تعتقدون أنني حينما لا أغادر
منزلي، ولا أتكلم مع أحد سأكون غافلًا عنكم! .. هل كنتم تظنون أنني حينما لا أعيش في
بيوتكم ولا أرافقكم إلى الأماكن التي تتنقلون بينها، ولا أستمع إلى مكالماتكم
الهاتفية أو أطّلع على رسائلكم وأحاديثكم مع أنفسكم والآخرين؛ أنني لن أعرف! ..
أنكم ستظلون مختبئين مني!.
أنطولوجيا السرد العربي ـ 18 نوفمبر 2021