لا أحد يعرف عني شيئًا .. أنا الصبي البدين ذو العينان الساكنتان،
والملامح اللامبالية التي أصبح جمودها بعد زمن طويل من التجوّل في المدينة مألوفًا
لكم .. لا أبدو مشردًا تمامًا، كأن لدي عائلة، أسكن معها في بيت ما، لكنني دائمًا
ما أكون بمفردي في الشوارع، أمشي بخطوات بطيئة، وفم مطبق، ومجرّدًا من أي علامة
يمكنها أن تحدد هوية لي .. لم أطلب عطاءًا من أحد على الإطلاق .. كأنني امتلك كفاية مخبوءة
من الطعام والشراب والملابس .. أنتم الذين تريدون مني أشياءً كثيرة .. أن تتبدّل
مثلًا تلك النظرة الفارغة من المعنى في عينيّ، والتي بطريقة غامضة تمنحكم انطباعًا
بأنني أتجوّل في المدينة منذ زمن أكبر مما تتصورون .. أن أضحك أو ابتسم أو أتجهم
أو أبكي أو تبدو على وجهي الدهشة ولو لمرة واحدة .. أن أقول أي شيء يثبت أن ثمة
ذاكرة مفهومة لوجودي .. لكنني أفعل هذا
حقًا .. ألست أنا الذي كلما رأى سرادق عزاء، يدخل إليه ثم يسأل المعزّين عن اسم
الميت، وحينما يخبرونه يضحك بقوة حتى تدمع عيناه فيسرعون بطرده خارج السرادق؟ ..
ألست أنا من يفعل هذا كأنما أتذكر في كل مرة شيئًا ما قبل أن أعود إلى التجوّل في صمت؟.