الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

أين ذهب الأمس؟

كان عمري 13 سنة حينما اقتنيت أول كتاب لـ (جمال الغيطاني). كان المجلد الأول من الأعمال القصصية طبعة 1990، وظل هذا المجلد في مكتبتي عامين مؤجلاً لحظة التعارف، حتى قرأت ذات ليلة بعدد مجلة (فصول) 1 يوليو 1992 شهادة أعتبرها حتى الآن واحدة من أروع الشهادات التي صادفتها عن الكتابة، وكانت بعنوان (إشارات إلى معرفة البدايات). أتذكر النشوة المفاجئة التي تملكتني أثناء اكتشاف هذا السحر الذي قادني إليه (جمال الغيطاني) عبر الذكريات، والأماكن القديمة، والكتب، والمخطوطات، والملاحم، والمؤرخين، وبدايات الكتابة.  وصل شغفي بهذه الشهادة لدرجة أنني كنت أتحرّك داخل بيت العائلة، أمارس طقوس الحياة التقليدية، وعينيّ بين لحظة وأخرى تنظران بامتنان إلى عدد (فصول) المستقر داخل المكتبة. كأنها رسالة تحمل مبرر سعادتي لكوني أصبحت كاتبًا، وهي التي دفعتني لإخراج (أوراق شاب عاش منذ ألف عام) من المكتبة كخطوة أولى نحو (الزيني بركات)، و(هاتف المغيب) ـ التي قرأتها أثناء فترة امتحانات تحت غطاء الفراش في الليل على ضوء كشّاف صغير ـ و(التجليات)، وغيرها. قبل أسابيع عديدة كنت أكتب أحد مشاهد روايتي (إثر حادث أليم)، وكنت أصف خلاله البيت القديم المواجه لمنزل الأسرة في طفولتي، وكان على الطراز الإسلامي فتذكرت (جمال الغيطاني). كأن هذه اللحظة تخصه، وينبغي أن يشاركني استعادتها بكل الشغف الفاتن بالتراث الذي خلقه في داخلي منذ قرأت للمرة الأولى هذه السطور من شهادته بمجلة (فصول):
(ويمكن القول أنني حتى منتصف الستينيات اطلعت على أهم مصادر التاريخ المصري بدءا من "أخبار مصر والمغرب" لابن عبد الحكم وحتى "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي، مروراً بالمقريزي، وابن تغري بردي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وابن واصل، وغيرهم. كنت في البداية أقرأ هذه المصادر كما أقرأ الروايات والملاحم الشعبية، وفي خلفية وعيي محاولة البحث عن إجابة ما لذلك السؤال المحير: أين ذهب الأمس؟).
الأخبار
17 أكتوبر 2016