السبت، 15 أكتوبر 2016

منظر طبيعي آخر (مسرحية قصيرة في فصل واحد)

إلى (هارولد بنتر)
الشخصيات:
ـ الزوج: في أواخر الثلاثينيات .. يرتدي بيجامة شتوية، فوقها روب من الصوف.
ـ الزوجة: في أواخر الثلاثينيات .. ترتدي جلبابًا ثقيلاً، وتضع فوق كتفيها شالاً من الكروشيه.
المكان:
حجرة معيشة .. طاولة طعام عريضة .. على الجدار الخلفي لوحة (الأحبة) لـ (رينيه ماجريت) بجوار شباك مغلق، تنسدل ستارة شفافة فوق ظلامه .. أمام الجدار أثاث تقليدي، وأغراض منزلية بسيطة .. الزوجة تجلس على كرسي بذراعين بجوار الحافة اليسرى من الطاولة .. الزوج يجلس على كرسي آخر بجوار الحافة اليمنى من الطاولة .. الكرسيان غير متواجهين، بل متوازيين .. الزوجان لا ينظران إلى بعضهما أبدًا، بل يوجهان بصريهما طوال الوقت في هدوء إلى الفراغ أمامهما.
الوقت:
آخر المساء.
ملاحظة:
يُفضّل أن يكون زمن الصمت ثلاثة ثواني.

الزوجة: هل ألقيت نظرة عليها؟
الزوج: نعم ...
ـ أما زالت حية؟
ـ أعتقد هذا.
ـ كان يجب أن تتأكد.
ـ سينتهي الأمر قريبًا على أي حال.
ـ نعم .. لابد أن جسدها الصغير لا يحمل إلا القليل من الدماء.
ـ لم يكن أمرًا شاقًا .. أليس كذلك؟
ـ بل كان عفويًا تمامًا.
ـ لكنني كنت أتمنى أن يستغرق وقتًا أطول.
ـ من غير الممكن التحكم في هذا.
ـ أظن أنه لم يكن عفويًا وحسب .. بل كان مثاليًا أيضًا.
ـ على الأقل من جانبي.
ـ ماذا تقصدين؟
ـ أعني أنه لم يكن لامرأة أخرى أن تتفوق على براعتي.
ـ أظن أنني رأيتها تنزف من أنفها أيضًا.
ـ هذا طبيعي.
ـ أنت تُلمحين إلى أنني بذلت جهدًا أقل .. أليس كذلك؟
ـ ربما .. فأنت كسول بطبعك.
ـ حسنًا ولما لا ترجعين السبب إلى ارتباطها الأقوى بكِ؟
ـ وقت مناسب لتعترف بهذه الحقيقة التي طالما تجادلنا بشأنها.
ـ أنا لم أشكك للحظة واحدة في أنها حقيقة بالفعل.
ـ وقت مناسب أيضًا لتتبرّء من حروب الماضي.
ـ كنت أريد فقط حرمانك من متعة التصوّر بأنك صاحبة الفضل في هذا الارتباط.
ـ ستتحدث مجددًا عن الطبيعة.
ـ ولم لا؟
ـ حسنًا .. كان يمكن لهذه الطبيعة أن تتحطم تمامًا مثلما يحدث مع كثير من النساء الأخريات، ولكنني جعلت من هذه الطبيعة معجزة لا تُصدّق.
ـ أي كأنك قمت بطلاء بيت مُشيّد بالفعل.
ـ لم يكن ليظل بيتًا لولا وجودي .. أنت حتى لم تلاحظ ذلك الصوت الذي صدر منها عندما بدأت الدماء تسيل من عينيها قبل أن تسقط على الأرض.
ـ حتى آخر لحظة من حياتك ستستمرين في قذف أحكامك العمياء البائسة.
ـ تقول إذن أنك سمعت ذلك الصوت؟
ـ وهل كان يجب أن أخبرك بهذا؟
ـ ماذا كان يشبه إذن؟
ـ هل تختبرينني؟
ـ نعم.
ـ تذكري أنكِ دائمًا ما تهدرين كرامتك في ذلك النوع من التحديات السخيفة.
ـ ربما سأفوز الآن للمرة الأولى.
ـ حسنًا .. كان ذلك الصوت يبدو كنسخة مصغرة من ...
ـ من ماذا؟
ـ من شهقتك الممتنة، وأنتِ ترقدين أسفلي.
ـ هذا صحيح.
ـ كان صوتًا ساحرًا.
ـ خاصة مع تساقط الدماء من عينيها.

(صمت)

الزوجة: لقد كان النور الذي يأتي من أعلى كريمًا للغاية حينما قرر أن يترك هذه الطفلة هنا بعد أن انتظرناها طويلاً .. نعم .. إنني أشعر به دائمًا .. باقترابه .. بملامسته لي .. بتوغله في أعماقي .. هو لا يسمعني فقط حينما أناديه أو أصرخ عليه من أسفل، وإنما يقرأ رسائلي أيضًا التي أُلصقها من أجله فوق باب الثلاجة أمام الشباك المفتوح حيث يستطيع أن يدخل ويرى .. أنا أعرف تمامًا أنك لا تصدق هذا.
الزوج: لقد كان الظلام المختبئ، الذي يتغوّط طوال الوقت كريمًا للغاية حينما قرر أن يتركنا جميعًا هنا. (يضحك باقتضاب متهكم).

(صمت)

الزوج: هل تتذكرين سؤالها المعتاد كلما كانت تشاهد عراكًا عنيفًا بين أشخاصٍ في فيلم ما؟
الزوجة: نعم .. كانت تسألنا: (هل سيكونون بخير؟).
ـ وكنا نجيبها (لا تخافي يا حبيبتي ..إنهم يمزحون وحسب).
ـ وإذا شاهدت مشهدًا لطفل بمفرده في مكان بعيد عن والديه، أو يسير في الشارع دون أن يعرف طريق العودة إلى بيته، أو أن يتعرض للاختطاف مثلاً؟
ـ (ستأتي أمه لتأخذه حالاً يا حبيبتي).
ـ أعتقد أنها كانت في بعض الأحيان ترى وجهًا مخيفًا يقترب منها عندما تستيقظ فجأة في الليل وتفتح عينيها .. ربما كان نفس الوجه الذي بدأت في رؤيته بعد موت أبي وأنا طفلة صغيرة، ومازال يأتيني حتى الآن من حين لآخر.

(صمت)

الزوج: هل تعتقدين أنه من الصواب تركها في السرير حتى ينتهي الأمر؟
الزوجة: ما المانع؟ .. هل ترى في ذلك مشكلة؟
ـ لا أعرف، ولكنني بدأت أفكر في أن السرير قد يكون مكانًا غير مناسب للدماء، حتى لو كانت تتدفق من جسد صغير.
ـ ما المكان الملائم في تصورك إذن؟
ـ ربما حوض الاستحمام.
ـ لا أصدق أنك تقول هذا الكلام.
ـ لماذا؟
ـ إنك على عكس المتوقع تفكر الآن بطريقة عملية تمامًا .. طريقة روتينية، معدومة الخيال .. أظن أنه كان من المنطقي أن يخطر في ذهني أنا هذا التصوّر التقليدي، ولكنك للأسف تنتقي اللحظة الخاطئة كي يأخذ كل منا مكان الآخر.
ـ إنني لا أنكر أن تدفق الدماء من الجسد الصغير فوق الوسائد وتحت الأغطية سيكسبها فتنة أكثر مما لو تدفقت داخل مكان مضجر كحوض الاستحمام .. لكنني ...
ـ لكنك كالعادة لا تأخذ الشؤون المنزلية على محمل الجد .. تريدها أن تُنجز فحسب، بصرف النظر عن الكيفية طالما أنك لن تكون مجبرًا على الانشغال بها .. هذه المرة الأمر يختلف، ولذا ما كان يجب أبدًا أن تتغافل عن ضرورة أن يتم على نحو خلّاب.

(صمت)

الزوج: عمومًا منذ الآن لن تسأل عن (مشمش).
الزوجة: نعم، ولن ندعي مجددًا بأنه لن يتمكن من الرجوع إلى المنزل بعد، لأنه مازال في احتياج للرضاعة من أمه حتى يشفى تمامًا كما قال الطبيب.
ـ كانت تطلب مني دائمًا أن أتصل بذلك الطبيب الوهمي كي أسأله عن ميعاد رجوعه، وأن أطلب منه أن يأتي به إلى البيت لخمس دقائق فقط حتى تراه، وتربت عليه ثم يعيده إلى أمه ثانية.
ـ كانت كذبة مقنعة جدًا، نجحت بلا شك في تفسير لماذا أخذناه منها، قبل أن نعطيه لأسرة أخرى حتى تتبناه.
ـ كذبة مقنعة، ومؤلمة في نفس الوقت .. مازلت أتذكر بكاءها في تلك الليلة التي ترك فيها ذلك القط البيت .. نبرتها المنكسرة، المعاتبة وهي تسألني عنه، وإذا ما كان قد شُفي أم لا .. عينيها المتوسلتين وهي تطلب مني أن أتصل بالطبيب كي ترى قطها الغائب للحظات قليلة.
ـ ما كان يجب أن يستمر هذا القط في البقاء داخل البيت .. كان في ذلك خطرًا عليها كفتاة .. تلك معلومة طبية لا ريب فيها.
ـ أعتقد أنها كانت في بعض الأحيان تتخيل سيفًا غير مرئي يُطيّر رأسها فجأة من الخلف، وأن رأسها ترتمي فوق الأرض بعيدًا عن جسدها .. ربما كان نفس السيف غير المرئي الذي بدأت أتخيله يُطيّر رقبتي بعدما أدركت أنني لن أستطيع العودة بالزمن إلى ...
(تتثاءب الزوجة بقوة)
الزوج: إلى ما قبل وجود العالم.

(صمت)

الزوج: لقد زادت الدماء من جمالها.
الزوجة: نعم .. جعلتها أكثر شبهًا بي.
ـ فعلاً.
ـ هل تسخر مني؟
ـ كلا .. لماذا تظنين ذلك؟
ـ لأنك كنت تتوهم دائمًا أنها أكثر شبهًا بك.
ـ كلا بل أكثر شبهًا بأمي.
ـ لا فرق .. كان تخيلاً مضحكًا على أي حال.
ـ لقد كان ذلك طاغيًا في أعوامها الأولى، ولكن تدريجيًا بدأت ملامحها تميل إليكِ.
ـ نعم .. عدا الأنف بالطبع.
ـ بل حتى الأنف .. كيف لم تلاحظي أن أنفها كان يصغر مع مرور الوقت؟
ـ كنت أتمنى لو أن هذا صحيح.
ـ بل هو صحيح بالفعل .. ومع ذلك لقد كنت أسخر منك.
ـ أعرف .. هذا ليس غريبًا بالتأكيد.
ـ لقد جعلت الدماء جمالها مفارقًا .. متجاوزًا للتشابه بينها وأي منا .. لقد جعلتها الدماء كشيء ... إنني أجد صعوبة حقًا في إيجاد الوصف الملائم .. ربما كان (شيئًا كونيًا) هو التعبير الصائب.
ـ أنت لا تعتقد أنني جميلة .. أليس كذلك؟
ـ ما علاقة سؤالك المعتوه هذا بما أقوله؟
ـ أنت تراه معتوهًا لأنك لا تفهم أن هذا السؤال له علاقة بكل شيء .. كل شيء دون استثناء .. أنت لم تقل لي أبدًا أنني جميلة.
ـ لكنني أفعل دائمًا ما يدل على هذا.
ـ أنت لا تفكر أبدًا إلا في ثعبانك المستيقظ طوال الوقت .. كل امرأة تحتاج لأن تسمع ولو من حين لآخر .. هل تستوعب ما أقوله؟ .. تحتاج أن تسمع.

(صمت)

الزوجة: لم يكن هناك أجمل من سماعها وهي تقف وحدها في الشرفة نهارًا، وترتجل أغنيات عن أحداث يومها.
الزوج (يغني): (اليوم جاءت أمي متأخرة إلى المدرسة .. وجدتني أبكي لأنها تأخرت .. قبّلتني وقالت لي أنها لم تتأخر .. قلت لها أنني أكلت طعامي كله، وأن المعلمة والأطفال صفقوا لي .. أخذتني أمي إلى البيت .. بدّلت ملابسي وقلت لأبي تعال نشاهد "السنافر" .. أبي يحب "بابا سنفور"، وأنا أحب "سنفورة").
ـ كأنها أحيانًا كانت تجعل من حياتنا فيلمًا غنائيًا.

(صمت)

الزوجة: ربما الدماء قد بدأت تخرج من فمها الآن.
الزوج: لننتظر قليلاً ثم يذهب أحدنا لإلقاء نظرة أخرى.
ـ سأفعل أنا، فأنت من ذهبت إليها آخر مرة.
ـ كانت ـ بالرغم من سنواتها القليلة ـ تحب أن تسترجع ذكرياتها .. كانت دائمًا ما تحكي لي بشغف عن أشياء كثيرة من أعوامها الأولى .. دائمًا كانت تطلب مني أن أعرض لها الصور والأفلام التي سجلناها لطفولتها المبكرة .. هل تعرفين أنها كانت ترتجل أيضًا أغنيات عن أحداث من ماضيها الضئيل، وأنها كانت تبدأها أحيانًا بعبارة (عندما كنت صغيرة جدًا)؟ .. كان مدهشًا بالنسبة لي أن تمتلك هذه القدرة على التذكر.
ـ كان ذلك من ضمن الخصال العجيبة والبلهاء التي أخذتها منك .. المرض بالذكريات.
ـ لابد أن يكون مرضًا بالنسبة لواحدةٍ مثلك.
ـ لابد أن يكون مرضًا بالنسبة لأي إنسان عاقل .. عندما يتحوّل الحنين إلى هوّس، وعندما ينتقل ذلك الهوّس إلى طفلة لا تمتلك أكثر من ستة أعوام فهذا لابد أن يكون جنونًا.
ـ كل ما لا تقدرين على فهمه تعتبرينه هوسًا وجنونًا .. إذا كان الأمر هكذا فأنتِ مجرد فقيرة أخرى حُرمت بكل أسف من الهوّس والجنون .. تلك القرارات التعيسة هي كل ما يستطيع عقلك المظلم الوصول إليه حتى يظل محتفظًا ببلادته المريحة.
ـ معك حق .. عقلي المظلم لا يمكنه استيعاب وجود كائنات فضائية في حجرة النوم .. عقلي المتبلّد يعجز عن تخيّل السرير وهو يتحوّل إلى سفينة تواجه العواصف العاتية في البحر أثناء سفرها نحو جزيرة الكنز .. كان يكفي أن يكون في البيت عاقلان مثلكما، غائبين في تلك الحماقات حتى تتفرغ المرأة المجنونة لوحوش الواقع، وللعواصف الحقيقية التي تُسمى (أعباء الحياة) .. أليس كذلك؟
ـ هذه الحماقات كانت أفضل من الثرثرة الخانقة، المدمرة للأعصاب التي حوّلت هذه الطفلة إلى امرأة تشبهك، تتكلم مثلما تتنفس، وتكره الصمت أكثر من كراهيتها للموت.

(صمت)

الزوج: لا أريد أن نتخلص من ملابسها المبللة بالدماء.
الزوجة: من قال لك أننا سنتخلص منها؟ .. سنحتفظ بالملابس وبالأغطية أيضًا .. إنها تذكارات ثمينة يا عزيزي، ولا يمكننا التفريط فيها بالطبع.
ـ أردت التأكد من أن لديك نفس الرغبة.
ـ سيكون جميلاً لو احتفظنا بتلك الأشياء الرائعة مع العرائس الملونة، والحيوانات القطنية، والرُضّع البلاستيكيين.
ـ نعم .. أصدقاؤها الذين كانت تضعهم في عربة الأطفال الصغيرة، وتدفعهم داخل البيت وفي الشارع .. الذين كانت تحتضنهم أيضًا وهي نائمة، وكذلك وهي جالسة على ظهري بينما أمشي بها فوق السرير كالحصان حتى يتنزهوا معها.
ـ تمشي بها؟ .. أنت لم تكن تستطيع أن تتحرك بها أكثر من خطوتين رغم حجمها الخفيف.
ـ أعتقد أنها كانت تشاهدنا ونحن نلعب سويًا في فناء ذلك البيت القديم الذي كنا نتجاور السكن بداخله منذ أكثر من ثلاثين سنة.
ـ أعتقد أيضًا أنها كانت تشاهدنا، ونحن نسير معًا في تلك الحديقة التي كنا نتقابل بين زهورها وأشجارها سرًا منذ أكثر من عشرين سنة .. كلا .. لم تكن حديقة بل شوارع ممتدة وواسعة، وكانت خالية تمامًا إلا من خطواتنا، بينما كانت الأشجار والزهور حولنا طوال الوقت.
ـ كان شعرها مسترسلاً ومعطرًا بشكل أخّاذ، وكان يتهادى مع نعومة مشيها.
ـ كان نحيفًا، ويمتلك حضورًا مهيبًا.
ـ كانت تضع مكياجًا هادئًا يُضيء الرقة والخجل في بياض وجهها .. مازلت أتذكر الرائحة المغوية لأحمر شفتيها جيدًا.
ـ كان أنيقًا للغاية، ويمشي بخطوات سريعة كأنه يريد أن يطير بنا بعيدًا.
ـ لم أكن أستطيع النظر في عينيها.
ـ لم أكن أستطيع أن أتذكر الكلمات التي أريد أن أقولها له عندما أراه.
ـ كانت تشهق بامتنان أسفلي وهي تحمل سيفًا غير مرئي.
ـ كنت أشهق بامتنان وهو يعتليني بوجهه المخيف.
ـ أعتقد أنها كانت تشاهدنا ...
ـ نعم .. كانت تشاهدنا ونحن نبحث عن الـ ...

(صمت)

الزوجة: هل تظن أن الدماء ستخرج من أذنيها أيضًا؟
الزوج: بكل تأكيد.
ـ لا يمكنني نسيان كيف كانت غير قادرة على الاندماج مع الأطفال الآخرين، وكيف كانت تكتفي بمشاهدتهم في شرود تام وهم يلعبون.
ـ هل تصدقين حقًا أنها كانت أكثر ارتباطًا بكِ؟
ـ سؤال متوقع، أقسم لك أنني كنت في انتظاره .. أنت لن تتغير أبدًا مهما حاولت ادعاء عكس ذلك.
ـ هل أخبرتك أنها حاولت ذات مرة أن تتحسس شعر الطفلة التي تجلس بجوارها في المدرسة، وأن تلك الطفلة أبعدت يدها عن شعرها فأحسّت بأنها تريد البكاء؟.
ـ كلا .. لم تخبرني.
ـ لماذا حكت لي أنا هذه الواقعة إذن؟
ـ لقد أخبرتني بما يجعل من تلك الحكاية التي تتباهى بمعرفتها مجرد نقطة تافهة في بحر.
ـ أعرف أنني دائمًا ما أستخدم كلمة الارتباط عند الحديث عن علاقتها بكِ، ولكن هذا لا لشيء إلا لأنني أؤمن تمامًا بأنك لا تدركين الفرق بين الارتباط والاحتياج .. لقد كانت في حاجة إليكِ أكثر من احتياجها لي، أما ارتباطها بي فلم يكن لدافعٍ غريزي بقدر ما كان تصحيحًا للعواقب الناجمة عن احتياجها إليكِ .. هذا كل شيء.
ـ ولقد نجحت في إنقاذها من تلك العواقب .. أليس كذلك؟
ـ ما كان لهذا أن يحدث أبدًا.
ـ أنت لا تعرف كم يسعدني الاستماع إليك وأنت تحاول الاختباء داخل تلك الصورة الزائفة عن نفسك .. أنت لم تكن تعرف أبسط الأمور عنها .. هذا كل شيء.
ـ أعتقد أن مثل هذا الشجار أصبح عبثًا الآن.
ـ فعلاً .. ربما كان من الأفضل أن نعود إلى اليقين الوحيد الذي لم نختلف أبدًا حوله.
ـ حسنًا .. دعيني أختبرك هذه المرة: هل تعرفين أروع ما في تدفق الدماء من جسدها الصغير؟
ـ بالطبع .. أنه حدث دون أن نلمسها.
ـ أنتِ بارعة حقًا.
الزوجة (تنهض، وتنظر للمرة الأولى إلى الزوج الذي نهض هو الآخر، ونظر إليها): سأذهب إذن لأعرف هل انتهى الأمر أم لا.
ـ سأذهب معكِ.
ـ أتمنى فقط أن تظل عيناها مفتوحتين.
ـ على الأقل حتى ننتهي من التقاط الصور لها.
ـ نعم .. فصورها وسط الدماء لن تحصل على العظمة المطلوبة مع عينين مغلقتين.
ـ رغم أنها الصور الوحيدة التي لن نتمكن من استعراضها بفخر على (فيسبوك).
ـ هذه حقيقة محبطة بالفعل، ولكن لابأس .. سنستمتع وحدنا بمشاهدتها.
ـ لنذهب الآن إليها .. لابد أن الأمر قد انتهى.

يتحركان معًا خارج حجرة المعيشة.

(ظلام)
موقع (أنتلجنسيا)
12 أكتوبر 2016