ثم ومضت الفكرة في ذهني …
فتحت صفحة جروب على فيسبوك خاص بالمدينة ويشترك به عدد كبير من الأعضاء وكتبت باستخدام حساب مزيف الآتي:
“فيه شخص تعبان نفسيًا لسه خارج من مصحة الأمراض العصبية وأهله رفضوا يستلموه، بيقف كل يوم على كوبري القطر من العصر للمغرب وماسك كتاب في إيده وبيقطع منه ويرمي في النيل .. ياريت حد يساعده”.
في اليوم التالي وتحديدًا في موعد وجوده فوق كوبري القطارات توجهت إلى هناك .. أثناء الطريق ظللت أتخيل ـ بالضحكات اللائقة ـ مزيج الصدمة والحيرة والغضب الذي سيشكّل ردود أفعاله حينما يقترب منه أحد الغرباء – الذي سيتعرّف عليه من الكتاب – ويسأله عن حالته النفسية، أو حينما يطلب منه شخص ٱخر بعد لحظات أن يهدئ أعصابه ويصبر على البلاء الذي لحق به، أو حينما يسأله أحدهم في نفس الوقت إن كان يحتاج لمعاونة في شيء ما .. لم أستطع كتمان الضحكات عندما تخيلت واحدًا أو جماعة من الذين قرأوا المنشور على الجروب يطلبون منه بشفقة وحذر عدم تمزيق صفحات الكتاب وإلقائها في النهر.
وصلت إلى حيث اعتاد الوقوف فوق الكوبري .. لم أجده هناك .. لاحظت أشخاصًا يتلفتون حولهم أثناء المشي كأنهم يبحثون عنه .. مر وقت طويل وأنا أنتظر مجيئه، لكنه لم يأت .. بعض العابرين كانوا يبطئون في سيرهم وعيونهم تفتش عن وجهه .. لكن المساء أصبح وشيكًا دون أن يصل .. حينئذ تقدمت نحو سور الكوبري وأخرجت كتابًا جديدًا لأبدأ في القراءة، وكلما عثرت على تلك الكلمة اللئيمة التي أطاردها في جميع الكتب انتزعت الصفحة التي تتضمنها وقذفت بها في النهر.
اللوحة: Patrick Aaron Stromme