نحن أمام سلسلة من الصدف التعسفية، لا تستند إلى معيار مستقل وموضوعي، وإنما تقوم كليًا على الجمع بين واقعتين، كل منهما طارئة، غير عادية، لا تحدث بصورة مألوفة في الحياة اليومية، وإنما بشكل عرضي للغاية .. هاتان الواقعتان تتزامنان في القصة بل وتتداخلان كي تحققا في النهاية نتيجة حتمية، جاهزة، ومعدة استباقيًا لتفرض نفسها بشكل استبدادي بغض النظر عن غياب المنطق أو “التحايل” في تلفيق الأحداث التي نجمت عنها.
رجل يتوجه إلى فندق لينتحر بعد أن حطمه قرار زوجته بتطليقه، وبالصدفة يراه شرطي كان موجودًا في نفس الوقت وفي نفس المكان بالصدفة، وهذا الشرطي بالصدفة أيضًا مكلف بالقبض على قاتل، يمتلك بالصدفة نفس ملامح الرجل الذي ذهب إلى الفندق لينتحر .. لكن كل هذه الصدف ليست بأهمية الصدفة الأساسية في القصة: تشارلس ميللر ينتحر بسبب امرأة، وفريدريك ليدنر قتل امرأتين.
هذه المصادفة الجوهرية التي خلقت سائر الصدف الأخرى هي ما يفسر الدافع وراء الاحتيال في حبكة قصة “نزيل الفندق” .. منح هيتشكوك لميللر فرصة الانتقام من زوجته (ذات الدلال الكبير، التي لا تكترث بزوجها أبدًا، لأنها من أولئك الغواني اللاتي لا يهتممن إلا بأنفسهن كما جاء في القصة)، حتى لو لم يستغرق هذا الانتقام أكثر من لحظات قليلة هي مدة احتجاز الشرطي له، وحتى ولو كان الانتقام متخيلًا، غير مباشر، قائمًا على الخطأ والالتباس .. هتشكوك جعل فريدريك ليدنر قاتلًا لامرأتين، لا امرأة واحدة أو ثلاث لتكون الحسبة صحيحة .. امرأة لليدنر وأخرى لميللر تتمثل زوجته من خلالها .. أراد هتشكوك أن يتخذ الانتقام شكلًا غير كلاسيكي (قتل الزوجة الخائنة ثم الانتحار الفوري أو قيام عشيق الزوجة بهذا القتل) .. هتشكوك جعل الزوج كأنه من ارتكب هذا الفعل حقًا؛ أعطاه ملامح القاتل، ونفس الإجادة المدرسية في الكتابة بالطبشور على السبورة، وأرسله إلى المدينة ذاتها التي يفترض أن يتوجّه إليها القاتل، ولم يدفعه للسؤال عن المكان الذي سيصطحبه إليه الشرطي كما لو أنه يختبر أمرًا بديهيًا، غير منفصل عن ماضيه.
الحبكة المحتالة في قصة “نزيل الفندق” بمثابة تعزية خفية لألفريد هتشكوك تجاه تشارلس ميللر .. وسيلة هتشكوك في مساعدة “الرجل المسكين” بتعبير وولفسون في الثأر من زوجته دون أن يكون قاتلًا فعليًا .. أن يعيش هذا الشعور ولو بشكل متوهم في لحظاته الأخيرة قبل أن يُقدم على إنهاء حياته.
من كتاب “الحبكة المحتالة” ـ قيد الكتابة