الخميس، 31 أكتوبر 2024

نزع الوجه

يرى نفسه واقفًا أمام المرآة ويقرّب وجهه من سطحها المصقول الواسع .. يرفع أظافره السوداء الطويلة كمخالب ويغرزها بقوة في وجهه .. لا يشعر بألم، لكنه يرى نسخته داخل المرآة على وشك الصراخ .. يخفض يديه إلى جواره بينما تواصل اليدان في المرآة نزع وجه نسخته .. تجرّد جمجمته من الجلد الذي يُشكّل ملامحه مع تفجر الدماء بغزارة فوق ملابسه .. يظل واقفًا أمام المرآة في ترقب لكن الأمر يبدو أنه لن يتوقف .. كأن لوجهه طبقات لانهائية من الأقنعة تواصل أظافره السوداء الطويلة انتزاعها بينما صرخات نسخته في المرآة تدوي بداخله .. في باطن جسده هو .. لم يعد يتحمّل .. تحرّك من أمام المرآة وأحضر بروازًا فارغًا .. مجرد إطار خشبي من غير صورة لكنه ثقيل بما يكفي ليحطم مرآة .. بكل ما لديه من قوة قذف البرواز في سطح المرآة حيث نسخته لا تزال داخلها تواصل نزع وجهها وتصرخ .. ارتطم البرواز بسطح المرآة فشعر كأنما ركلة بالغة الشدة أصابت وجهه مع سماعه لصوت تحطم لوح زجاجي .. سقط على الأرض بوجع وحشي ودوار حاد وضباب كثيف في عينيه .. لكن ذلك لم يمنعه من رؤية نسخته في المرآة وقد استعادت هيئتها السابقة .. رأى نفسه مجددًا يقف هناك عبر السطح المصقول الواسع، مرتديًا نفس ملابسه، وجهه كاملًا وسليمًا، دون أظافر أو دماء  .. ظلت نسخته تنظر إليه وهو ممدد على الأرض، بتنفس واهن، يوشك على الإغماء أو الموت .. تبتسم إليه من داخل المرآة .. ابتسامة مغوية كأنها تدعوه لمضاجعتها .. حاول والدنيا قاربت على الغياب عن وعيه أن يبادلها الابتسام لكن نسخته اختفت من المرآة في اللحظة التي لم يعد يدرك فيها أي شيء.

اللوحة للفنان السوري عمران يونس