كان حفل خطوبتك أشبه بطقس جنائزي .. في صالون ضيق ذي ضوء نيون شاحب داخل البيت القديم للعروس والكائن بإحدى المناطق الشعبية البعيدة عن منزلنا يجلس أبوك متجهمًا في صمت، أمك تتحدث قليلًا بابتسامة باهتة وعينين شاردتين، أخوك يتطلع إلى ما حوله كغريب اختُطف من موعد آخر، وصديقان لك، اكتشفت فيما بعد أنهما ليسا من ضمن رفاقك الدائمين في صور الثمانينيات، يحاولان دون جدوى إشاعة البهجة اللائقة بالليلة، حتى أن أحدهما، وكان يبدو بشعره القصير المجعد ولحيته الكثيفة وجلبابه الأشبه بالعباءة كأنه أحد أعضاء فرقة سمير الاسكندراني، حاول أن يرقص على إيقاع إحدى الأغنيات المنبعثة من المسجل ولكن عدم تجاوب الحاضرين أعاده لكرسيه بعد ثوان قليلة .. كنت أجلس بجوارك وأنظر إليك .. أراقب السعادة التائهة على ملامحك .. السعادة الحذرة، التي تشي بقلب منقبض، بقلق مكتوم، أو بعدم تصديق أنك تعيش حقًا هذا النوع من الفرح .. سعادة من يقاوم يقينًا متسلطًا يتوارى في روحه بأن الأمر لن يكتمل .. ثمة إرادة بالغة الوضاعة كانت تحوّل مشهد جلوسك بجوار زميلتك في العمل إلى قصاصات بازل .. ترفعها بكفوف ضبابية نحو السماء التي لا يراها أحد ثم تنفث في هشاشتها رياحًا من الضحكات العاتية لتتناثر داخل آماد التلاشي المعتمة حيث كل قصاصة تصبح في حد ذاتها صورة لعينيك المنطفئتين قبل أن يتكوّن مشهد قبرك كاملًا في ضياعها الأبدي.كانت سعادة من يعرف أن كل هذا مضطر إليه .. ترغب في استعماله؛ هذا صحيح، ولكنه لن يصل بك إلى ما تريده حقًا .. تتزوج وتنجب مثلما كنت ابنًا وشقيقًا لآخرين .. تحب وتتمنى وتستمتع .. تساير الزمن كشخص يؤمن بأحكامه حتى بينك وبين نفسك .. أي شيء يجعلك مختلفًا عن كل أولئك الذين قتلوا بنفس الطريقة؟ .. الظلام الرابض وراء عينيك وداخل قلبك؟ .. الظلام الذي يمكنك رؤيته بأعصابك المستعرة؟ .. الظلام الذي لا يمكنك ترجمة عدم فهمك له إلا بالشخر والسباب الماجن وتحطيم الأشياء وبعدم القدرة على الفرح كما يجب في اللحظات التي تطالبك بذلك؟ .. نعم، لم يكتمل الأمر .. ليس لأنه حُرم من امتداده المنطقي، وإنما لأنك كنت تدرك بصورة غامضة أن ما يبدو اكتمالًا هو أقصى درجات الحرمان .. لأنك كنت منذورًا لتجسيد هذا بواسطة مرضك الذي أخرج خطيبتك من حياتك، وموتك المبكر الذي كان يجب أن يُدخلك عش زواج فردوسي بحسب العبيد المكلومين .. لم يكتمل الأمر لأنه لا يكتمل على الإطلاق سواء أصبحت زوجًا وأبًا وجدًا، أو معتلًا يزحف وحيدًا إلى قبره .. لم يكتمل الأمر لأنه لا يبدأ أبدًا.
جزء من رواية “نصفي حجر” ـ قيد الكتابة.