اعتبر الناس ما يحدث في بداية الأمر أقرب إلى دعابة شيقة، تشبه تلك التي
يكتشفها المرء أثناء تجواله في بيت المرايا، ولكن مع مرور الوقت، وبالرغم من أن ما
ينعكس على سطح هذا الوجه لم يكن وجوههم بل ملامحه القديمة؛ إلا أن استياءً بدأ
ينمو في نفوسهم، بعدما شعروا أن ثمة خدعة خبيثة تتعلق بهم .. بحياة كل فرد منهم،
خاصة في أغوارها المجهولة، التي لا يدركون عنها شيئًا .. لذلك، وبعدما تصاعد
الاستياء بصورة منطقية إلى ذروة الغضب؛ قرروا دون اتفاق معلن تمزيق هذا الوجه ..
أن يتكالبوا عليه ويملئوه بالجروح حتى يصبح عاجزًا عن أن يعرض ما يحيط به من ملامح.
لكنهم اكتشفوا بعدما تساقطت أشلاء وجهه أنه لم يكن سوى مجرد طبقة يتوارى
خلفها وجه آخر .. الفرق أن هذا الوجه حينما راح يعكس وجوههم لم تظهر على سطحه
الأشكال المتغيّرة لملامحه طوال الماضي مثل الوجه السابق، وإنما كان يعرض وجوهًا
أخرى، لا تشبهه ولا تماثل وجوه الناس المحيطين به .. كانت وجوهًا غريبة، تبدو
عتيقة للغاية، كأنها لبشر من أزمنة أكثر بُعدًا مما يُمكن تخيّله، ومع ذلك كانت تمرر
يقينًا لكل من يراها بأنها تحمل الروح ذاتها التي تكمن داخل صاحب الوجه الذي تحوّل
إلى مرآة.
لم يكن هناك حل بالنسبة لهم سوى إحراق هذا الوجه، والذي سيضمن لهم التخلص
من طبقات المرايا المحتملة التي تختبئ ورائه .. حينما فعلوا ذلك ـ دون دهشة عابرة من
استسلامه ـ استرد وجهه ملامحه العادية، التي لا يداخلها أثر لمرآة .. وجه رجل لا
يعكس الوجوه التي توجد أمامه، سواء في مظهرها الأصلي أو في حالة أخرى .. لكن في
المقابل تحوّلت وجوه الجميع إلى هذا الوجه العادي .. أصبحت وجوههم التي تحاصره
كافة تحمل ملامحه .. الرجال والنساء والأطفال لم يعد لديهم سوى نفس الوجه .. حينئذ
تأكدوا أنه طوال الوقت كان ميتًا حقًا.
الصورة: Charles Harbutt