الأربعاء، 19 يناير 2022

أمام قبر فارغ

جئتك يا أبي بفريسة اليوم .. صورة جديدة التقطها بهاتفي المحمول دون أن يشعر بي أحد كالعادة .. حتى أمي التي أسير ملتصقة بها لم تنتبه لي وأنا أصطاد هذه الصورة من أجلك .. وجه آخر من عابري المدينة أحضره إليك يا أبي كما تعوّدت أن أفعل كل يوم منذ وقت طويل .. منذ أن توقفت عن مغادرة البيت ومقابلة الآخرين وأصبحت أنا شركك الخفي الذي يقتنص ملامح الغرباء لعينيك الخامدتين .. لا شيء يمكنه أن يمنعني عن الوفاء بعهدي لك، أو يجبرني على كشفه .. سأظل أغتنم صورًا للوجوه التي طالما دهست ظلالها جسدك وأنت تترنح بينها وأعود بها مخبأك .. سأظل أفعل ذلك بينما أتنقل مع أمي من شارع لآخر لنزور أقاربنا ونقضي احتياجاتنا ونمضغ الأحداث المتشابهة لأيامنا المتلاحقة .. سأواصل معك اكتشاف الحياة المجهولة للمحتجز داخل كل صورة؛ من ملامحه، نظرته، ملابسه، انطباع جسده تجاه ما يحيط به من تفاصيل وأشياء .. سنخلق لوجهه كالمعتاد تاريخًا جديدًا سواء كنت تعرف صاحبه أو صادفته في وقت ما أو لم تره من قبل .. سنغيّر ملامحه لأشكال متعددة بحسب ما يتطلب مزاجنا الجنوني الهازئ .. سيكون صديقًا مؤقتًا لنا، نتحدث معه عن الذكريات والأحلام والمدينة والحياة والموت، كأنه يسمعنا، وكأننا ننصت إليه .. سأتخيّل معك الطريقة المناسبة لقتله ونختار المكان الأكثر ملاءمة لإخفاء جثته أو لدفن أشلائه إذا ما قررنا تمزيقها .. لن أتوقف عن مشاركتك الضحكات الانتقامية من المدينة وأجسادها وحكاياتها السرية التي ضاع عمرك عالقًا عند عتباتها المعتمة .. سأعود طفلة من أجلك يا أبي وستعود حيًا .. سأصنع زمنًا آخر لنا يليق بما عرفته حين غادرت طفولتي وغادرت أنت العالم .. نعم يا أبي سيظل استمناءً .. لكنه بعكس الماضي سيكون تعويضًا حقيقيًا .. امتلاكًا فعليًا لكل ما لم تتمكن من حيازته .. لأنه بيدي أنا يا أبي لا بيدك.

اللوحة: Marc Chagall