السبت، 15 يناير 2022

قصص قصيرة جدًا

المنقذ

كان يجلس وحده في البيت أمام التليفزيون متنقلًا بالريموت بين قنواته، وحينما ظهر المنقذ فجأة وهو يُلقي خطابًا للجماهير؛ شكّل قبضته على هيئة مسدس ثم صوّبها مبتسمًا نحو الوجه المنتصب أمامه على الشاشة، لكنه قبل أن يُصدر صوت إطلاق النار من فمه؛ اخترقت رصاصة رأسه من الخلف فارتمى على الأريكة جثة هامدة.


امتلاك المدينة

في ليالي الطفولة، داخل ظلام الحجرة، وتحت أغطية الفراش؛ كنت أغمض عينيّ، وأبقي أذنيّ متيقظتين لأصوات كل صحبة عابرة أسفل الشرفة في ذلك الوقت المتأخر، وأحاول أن أتخيل من حواراتهم الصاخبة والمبتورة التي لا يستغرق مرورها أكثر من ثوان قليلة قبل أن تتلاشى كليًا أي سهرة قضوها في تلك الليلة، أين كانت، وماذا حدث خلالها، وما الذي انتهت إليه .. كنت أنصت إلى أسماء الشخصيات والأماكن وأنواع الألعاب والأكلات والمشروبات وأساليب المزاح والتخاصم والأحداث الناقصة للحكايات التي تتطاير من أفواههم وتتبدد سريعًا في سكون الشارع .. كنت أتخيل نفسي مع كل جماعة منهم حيث كانوا، أشاركهم ذلك المرح الحميمي، والدراما المشوّقة وأعود معهم بذكريات أحاول بعفوية جذلة أن أشبع فراغاتها الجائعة بتفاصيل ملائِمة من حياتي المنطوية على تاريخها الضئيل .. كنت أشعر أنني بذلك الجسد الصغير الذي لا يغادر البيت إلا قليلًا ولا يتحرك خارجه إلا خطوات ملجّمة؛ كنت أشعر أنني بهذا الإنصات اليومي لكلمات وضحكات العائدين من سهرات مختلفة قادر على امتلاك المدينة من تحت أغطية فراشي .. الشعور الذي حينما أصبح لدي جسد كبير، يمكنه الخروج من المنزل حين يشاء، وأن يسهر مع أصدقائه حتى وقت متأخر من الليل؛ فقدته تمامًا ودون أي عزاء.

أفكاري القديمة

أفكاري القديمة، أيتام صغار كنت أربيهم كأطفالي .. أساير ـ كأعمى ـ يقينهم بالبنوة تجاهي .. كنت أتقمّص أبوّتي لهم دون وعي بذلك .. كان الإيمان حيلة لا تدرك نفسها .. تجاوبًا مع ما يتحتم تصديقه، يتلصص في ذات الوقت وبشكل غير مستوعب على الأشباح بينما تتحرر من ظلامها تدريجيًا .. أفكاري القديمة، الخير الذي عرفت أنه شر .. كل الخير الذي أدركت بسببه أنه لا شيء سوى الشر .. أفكاري القديمة، في نهاية حياتي، أريد أن أعتنقها مجددًا، بقدرة استثنائية على قتل أشباحها.