الاثنين، 6 سبتمبر 2021

مراجعات الكتب كمورفولوجيا تأديبية

من ضمن ما لاحظته أثناء دراستي للممارسات الخطابية للقرّاء العرب على موقع جودريدز ـ وهو ما سيضاف بشكل أكثر تفصيلًا للطبعة الجديدة من كتابي "نقد استجابة القارئ العربي ـ مقدمة في جينالوجيا التأويل" ـ أن هناك مِن هؤلاء القراء إذا ما أبدى قبولًا أو تجاوبًا أو حتى احتفاءً بأعمال أدبية تنطوي على ما يسمى بكسر التابو الديني أو الجنسي فإن ذلك يكون مقترنًا بإدانة لما يعتبرها مشكلات أو عيوبًا في الأسلوب أو البنية النصية .. هذه الإدانة لا يتناولها من ضمن الانتهاك القيمي الذي أظهر توافقًا معه، أي بوصف تلك المشكلات أو العيوب في حقيقتها جانبًا من التمرد الشكلاني للعمل، والذي يتسق ويتلازم مع تجاوز "المحظور"، وإنما يقاربها كموضوع مستقل، لا يحتمل تعدد التأويل، ويجب النظر إليه من زاوية واحدة وهي "الإخفاق" .. فشل الكاتب في استعمال التقنيات أو تشييد النظام الأكثر ملاءمة لروايته على سبيل المثال .. الفشل هنا صفة لا يمكن أن يمنحها القارئ لنفسه أو أن يحكم على الأقل بـ "عدم الانسجام" بين وعيه القرائي والجماليات الكتابية التي يستخدمها النص، بل ينبغي بعفوية بالغة الثقة أن يلصق تلك الصفة بالروائي كخادم لغوي مكلف وحسب بإرضاء الجميع في كل مكان وزمان.

تبدو هذه الإدانة كأنها حيلة دفاعية لاواعية للتوازن .. تعويض التابو الذي تم القبول بكسره .. مقاومة الانتهاك القيمي بطريقة غير مباشرة .. تبدو هذه الإدانة كأنها عقاب ضروري للكاتب في مقابل التجاوب مع تمرده.

يحتاج القارئ أن يظهر كشخص منفتح، غير خاضع، أو حتى متسمًا بالجموح .. أن يُبعد عن صورته لدى الآخرين صفات الرجعية والتزمت والمسالمة تجاه الثوابت الأخلاقية .. يحتاج لأن يظهر أمام نفسه هكذا فعلًا أو أن يقنع ذاته بأنه قادر حقًا على التفكير بشكل تقويضي .. لكن هذا القارئ الذي لم يقدر على أن يكون ذلك الشخص على نحو تام فإنه يظل محكومًا باليقينيات التي تجبره على أن يجعل الكاتب يدفع ثمن انتهاكه .. حينئذ لا يعني الاحتفاء بكسر التابو إلا نوعًا من الرفض المراوغ سيعلن عن نفسه في موضع آخر (الشكل).

إن مراجعات الكتب التي تستعمل تعبيرات مثل "الحبكة الساذجة" .. "الشخصيات سيئة الرسم" .. "ضعف البناء الروائي" في تلك الأحوال تكون أقرب إلى مورفولوجيا تأديبية (محاكمة المكونات ووظائفها وعلاقاتها ودلالاتها) أي تلك التي تعيد إنتاج بنية النص بما يضمن أن يكون في حالة دفاع عن نفسه ولو على مستوى "تشكّله"، طالما ثمة سبب يدفع قارئه ـ ظاهريًا أو بدرجة ما ـ للتعايش مع مضمونه الانتهاكي.