الخميس، 2 سبتمبر 2021

صبر الصياد

صباح الخير صديقي العزيز

أعلم أنك ستدهش من هذه الصيغة التي أفتتح بها رسالتي إليك نظرًا لأنك لا تعرفني؛ ما بالك إذن لو عرفت أنني في المراجعة الأخيرة فضلت أن أجعلها بديلة لـ (صديقي الوحيد) خشية ألا تصدقني .. فبالرغم من أن تصديق ذلك أو عدمه ليس مؤثرًا في مضمون الرسالة إلا أنني لا أعرف لماذا أشعر بضرورة مبهمة لأن أخبرك بأنني ابتعدت عن أصدقائي جميعهم منذ فترة طويلة، وأنه بعد زمن بسيط من ذلك الانقطاع التام، وحينما صادفت حسابك الشخصي على انستجرام اعتبرتك بالفعل صديقًا جديرًا بالبقاء في حياتي المتخلصة من الصداقات كافة.

أرسل إليك هذه الرسالة كي أعبر لك عن شعوري بالحزن تجاه ما أصابك بسبب جائحة كورونا، والتي جعلتك تضطر أحيانًا لارتداء الكمامة واستعمال المطهرات كما يبدو في بعض الصور والفيديوهات التي تنشرها، أو ربما تسببت لرحلاتك الجوية في تعطيل مؤقت .. أشعر بالحزن لأنني ببساطة أحب حياتك، وبالتالي لا أريد أن يلحق بها أي ضرر مهما كان تافهًا .. لست ساذجًا حتى أعتقد أنك إنسان سعيد لمجرد أنك تجوب العالم وترافق نساءً جميلات وترتاد أكثر الأماكن سحرًا، أو لأنك تأكل وتشرب وتلبس وتغني وترقص وتدخن وتسكر كما يليق بكائن يعيش رفاهية متوطدة .. لديك بالتأكيد تعاستك الخاصة، وكل ما في الأمر أنني كنت أتمنى لو اختبرت ذلك الشكل المجهول من التعاسة الذي يدفعك للعيش على هذا النحو .. كنت أتمنى أن أجرّب ذلك الألم الذي يظهرك كما لو كنت سعيدًا بهذه الصورة المخادعة لضعاف العقول .. أنا أيضًا لدي تعاستي الخاصة، لكن بوسعك القول أنه بعد تجاوزي الأربعين شعرت بالضجر من حياتي .. كان لدي رجاء بأن ألامس على الأقل تعاسة مختلفة داخل تلك المتع الظاهرية التي تشكّل حياتك .. ونظرًا لأنني أعجز كليًا عن ذلك فليس بمقدوري سوى أن أعيش صورك وفيديوهاتك على انستجرام.

لهذا، وبعدما لاحظت في الآونة الأخيرة أنك تخليت حتى عن التزاماتك البسيطة بالإجراءات الاحترازية فإنني أطلب منك أن تعاود استخدامها حماية لنفسك .. لا أريد لما أنت فيه أن يتوقف .. لا أريد لمنشوراتك الاحتفالية بالحياة، التي أعلم أن ثمة معاناة من نوع ما تتوارى خلفها، أن تنتهي .. منشوراتك التي أصبحت حياتي، وأنا كشخص عادي يخاف الموت لا أريد أن أفقد هذه الحياة .. حافظ عليها أرجوك .. أما إذا شعرت قبل نهاية عمرك بأنك تريد الانعزال عن العالم، وإعادة تأمل أسرارك البائسة، ثم تملكتك الرغبة في كتابة قصة قصيرة عن ذلك وطلبت مساعدتي؛ فإنك حتمًا ستكون قد قصدت الرجل المناسب، ولا أحتاج للقول بأنه حينئذ ستكون اللحظة التي يكتمل فيها امتناني لوجودك في حياتي .. اللحظة التي انتظرتها منذ أن اعتبرتك صديقي الوحيد.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 1 سبتمبر 2021

اللوحة لـ (بابلو بيكاسو)