الأربعاء، 12 مايو 2021

الأبوة الصالحة

هو محبة! .. حسنًا، طالما لن تتمكن من قتله، فلتواصل محاولاتك لقتل المحبة .. تبصر شيطانًا صغيرًا، أرسله أبواه للعب، يتراقص متباهيًا في جسد طفلتك، ببنما تتقدم نحوك لتحتضنك وتخبرك أنها تحبك جدًا .. بكل الدموع التي خبأتها في قلبك طوال حياتك، بشهوتك الجارفة لدخول السماء من الخلف، وبيديك التي قطعتهما ملائكة الماضي حين مددتهما طالبًا منها أن تعطيك السر؛ تحتضن طفلتك وتخبرها بأنك تحبها جدًا أيضًا .. لكنك تقولها بنبرة دعابة خبيرة، لا تدفع طفلتك للشك في صدقها، وفي الوقت نفسه تبصق بها داخل القبر الذي ينفتح في تلك اللحظة تحت قدميك قبل أن تسقط داخله كأعمى يعرف طريقه جيدًا .. ستعرف طفلتك ذات يوم أنك استعملتها لإثبات أنه ما عاد شيء ينطلي عليك .. أن ما لم تخلقه ذاكرتك عدم .. ستعرف أنك استعملتها لإثبات مهارتك في إحراق المشاهد الرومانسية فور تكوينها، مثلما يحرق الغيب أرواح العالم بمجرد أن يتخيلها.

أنا ملعون بعجزي عن الكذب على نفسي .. ليست لدي القدرة على توهم مفترق طرق، أو مساحات بديلة، أو عمر محتمل للأمنيات .. بقائي حيًا عقاب متجدد .. ما أصدقه مضطرًا فقط أن الجنون أكثر رحمة من الموت .. أنا أكبر تهديد لنفسي، وذلك سر افتتاني بذاتي.

لكي تكون أبًا صالحًا؛ عليك أن تهدم الفردوس والجحيم من قبل أن تتخيّل طفلتك نفسها عند عتبة أي منهما .. لكنك حين تفعل فكأنك تقدمها قربانًا أكثر إمتاعًا للألوهة التي أردت أن تنقذها من أوهامها .. لن تكون طفلتك مجرد كأس دماء أخرى يرتشفها ببطء حفار القبور المختبئ فحسب، بل ستكون دماءً مُحلاة بالعدم أيضًا.

هو محبة! .. حسنًا، طالما لن تتمكن من قتله فلتواصل محاولاتك الفاشلة للكذب على نفسك .. فلتكن أبًا صالحًا يحفر قبر ابنته بلغة ليست سوى خليطًا من دماء المحبين عوضًا عن دماء الألوهة التي لا تريد سوى أن ترتشف ولو قطرة واحدة منها .. قطرة واحدة فقط وإن كان ذلك في لحظتك الأخيرة.

 أنطولوجيا السرد العربي ـ 9 مايو 2021

اللوحة لـ Edvard Munch