الأحد، 1 نوفمبر 2020

خيوط الفناء

في لحظة ما ستعجز عن سماعهم مجددًا وهم يتحدثون أو يضحكون .. لن تقدر حتى على تخيّل صمتهم أو الطريقة التي كانوا ينظرون بها إلى ما حولهم مرة أخرى .. كل أصواتهم ستتحوّل في ذاكرتك حتى النهاية إلي بكاء .. أنفاسهم ستصبح توجعات، وعيونهم ستكون دموعًا فقط .. اللحظة التي تكشف فجأة عن طغيانها الأبدي بالرغم من أنك تعرف تمامًا أنها استغرقت زمنًا أطول مما يمكنك تصديقه .. لكن ما يبدو تمهيدًا بطيئًا كي تدرك بأن ذهنك كان يعمّل دائمًا كآلة تسجيل سرية لأرواح الجحيم المخبوءة في أجساد الموتى؛ لم يكن في حقيقته سوى ضربة فأس خاطفة، تتركز سطوتها في الإيهام بأنها حدث متدرّج، واقع ينمو بمرور الوقت .. سيكون أكثر رجاءاتك وحشية أن تمتلك دليلًا مُحصّنًا بأن ما تراه وتسمعه في ذاكرتك ليس إلا وهمًا لئيمًا .. أن مشاهد عذابهم ليست إلا بصمات المزاج الملعون لذهنك الذي يحتفظ بالجثث في عتمته مثلما يواري طفل متوجّس ألعابه في صندوق مغلق أسفل سريره .. ستظل تتوسّل في كل لحظة أن تسترد أصواتهم ونظراتهم المألوفة حتى التي طالما اعتصرت نفسك بالخوف والغضب والضجر .. ستتمنى استعادة هذا الاختناق المروّع ثانيةً، كأنه نوع من طمأنينة أصابها سحر شرير، يمنعها من التجسّد ولو كذكرى متهالكة .. لن تستطيع أن ترى الوجوه التي كان يمكنّك تمييزها وأنت مغمض العينين، ذلك بعد أن عرفت أنك دُفنت معهم.

أنطولوجيا السرد العربي ـ 31 أكتوبر 2020