منذ أيام قليلة تم تداول فيديو على شبكة الإنترنت لواقعة تحرّش طبيب
بشري بجامعة الزقازيق بطالبة جامعية أثناء استقلالهما ميكروباص؛ حيث قام بالاستمناء
داخل السيارة وهو ما أظهر الفيديو أثره على ملابس المتحرّش بعد القبض عليه...
تخلق هذه الواقعة استفهامًا
ملهمًا: هل يمكن أن يتماثل تفجير الجسد داخل ميكروباص والاستمناء وسط ركابه؟ ...
يعتبر الانتحاري والمتحرّش الفضاء العام مستباحًا له كوجود فاسد، مُعطِل وملتبس،
يمثّل بتكوينه وامتداداته حضورًا عدائيًا؛ لذا فهو يستحق الانتهاك، أو ما تسمّيه
"جوليا كريستيفا" بـ "قصاص الأنقياء"، والذي ينطوي بالضرورة
على إخضاع كائناته لنتائج هذا اليقين: "ضحية التحرّش في واقعة الزقازيق
كمثال، وضحايا الانتحاريين عامة" .. يستهدف هذا الانتهاك الوصول إلى الأورجازم:
الجنة الأبدية بكل ما تشتمله في الاعتقاد الديني من متع حسّية بالنسبة للانتحاري،
والتحرر العابر من الزمن أو الخلود المؤقت الناجم عن "الموت الصغير"
مثلما يُطلق الفرنسيون على الرعشة الجنسية استنادًا إلى ارتباطها بتجاوز الوعي
للحدود الجسدية لحظة الوصول إلى ذروة نشوة تضاعفها المخاطرة عند المتحرّش .. هذه
المخاطرة تحديدًا هي ما يعادل التفجير الجسدي .. المتحرّش في حالة طبيب الميكروباص
بالإقدام على الاستمناء علنًا بما يضمن تلقي العقاب يبدو كأنما يقدم جسده قربانًا
للمتعة مثلما يفعل الانتحاري تمامًا رغم ما قد يتخذه من محاولات للحذر، وحتى مع
رغبته المؤكدة في النجاة بما قام به .. الجسد باعتباره عبئًا غامضًا، كيانًا
محكومًا بشروط القبح التي تهيمن على الفضاء العام؛ لذا فهو مستهدف بالانتقام أيضًا
.. بالتدمير الذي تعيد الذات بواسطته ولادتها .. لهذا سيبدو أيضًا أن الاعتداء
البدني الذي مارسه شهود الواقعة على الطبيب؛ سيبدو كأنه جزاء متوقع للوعي الجمعي
تجاه فرد ارتكب فعلًا بديهيًا ولكن في المكان الخاطئ، وهذا يكفي لتجريمه ..
"لماذا لم تتخيلها داخل الحمام أو بينما تضاجع زوجتك مثلما يفعل الجميع؟!"
.. كانوا يثأرون من صورتهم التخريبية المكبوتة التي جسّدها المتحرش، مثلما يجسّدها
الانتحاري دائمًا: محاولة خدش الخراب المستقر، ولو بطريقة أخرى غير الاستمناء في
مكان عمومي أو تفجير الجسد وسط شخوصه.
في هذا التشابه وباستعادة "فرويد"؛ لا تؤدي غريزتا الحياة
والموت المهمة نفسها فحسب (الاستمناء العلني، والتفجير)، بل تكشفان امتزاجهما: يتماثل
الانتحاري والمتحرّش في التماهي الأوّلي مع الأب "المحب" السابق على
الأب الأوديبي، الذي يمثّل وعدًا للأنا المثالية، (الامتلاك النرجسي للعالم، أو ما
يجب أن يكون كذلك وفقًا لما ستقوم به يدي المكشوفة، أو بما سيفعله جسدي في الخارج)
وهو ما يدعم الكفاح المتنامي للغة نحو الوصول إلى النموذج المطلق الذي يتخطى
"الأبوة البشرية": (حيث يندمج الفردوس الأبدي بالمتعة الحسية
اللانهائية) متوحدًا بكل "مثالية" مفترضة، أي يمتلك ما وراء الزمن،
ويمنح الخلود .. المثال الذي يقبل ويرعى الرغبات أو يتسامح معها كقهر يمكن تبريره
(العالم ليس رحيمًا بي، لأنه غير مثالي، أي يمنعني من تحقيق رغباتي المتناقضة) ..
يتحوّل الإخفاق في تحرير هذا المثال من غيابه إلى عقاب مزدوج للذات وللآخرين
(الانتهاك أو التدمير) الذين ساهم وجودهم في منع الوعد بالخلاص من التحقق .. الذات
التي تبدو في الواقع غير قادرة على إرضاء الكمال الغيبي في اللاوعي (المقدس
والمتعة في حصانتهما المتجذرة) باعتبارها عالقة طوال الوقت داخل ما يتورط فيه
الآخرون.
في قصتي
القصيرة (2013) Hitomi Tanaka In
The Busتقوم أيقونة البورنو اليابانية Hitomi Tanaka بتصوير أحد أفلامها داخل باص حيث راح يتخيّل
واحد من الركاب الذين طلب منهم مخرج الفيلم ادعاء النوم أثناء الحفل الجنسي الذي
سيقيمه ركاب آخرون مع Hitomi؛ راح يتخيّل الباص وهو يسقط من طريق جبلي .. لكن في الوقت نفسه
كان خياله عاجزًا عن تدبير سبب منطقي لنجاته من هذا السقوط الأمر الذي جعله يشعر
بالهلع، كأن ما دار في ذهنه أثناء ادعاد النوم هو ما سيحدث بالفعل .. مع ذلك،
وحينما فتح عينيه بشكل طفيف ليتأكد من أن أحدًا لم ينتبه إلى علامات ذلك الهلع على
وجهه؛ وجد نفسه لا يزال جالسًا على كرسي الباص، ولكن هذا الكرسي كان موجودًا على
أرض عشبية شاسعة، تحاوطها جبال عالية جدًا بينما الباص أمامه مقلوبًا على ظهره،
ومدمرًا بالكامل، وكتل بشرية ممزقة محشورة في ثقوبه، أما السيدةHitomi Tanaka فقد كانت تسير نحوه مبتسمة .. هل يذكركم هذا بشيء؟ .. تفجير الجسد
داخل ميكروباص والاستمناء وسط ركابه .. الامتزاج بين غريزتي الحياة والموت .. كان
الراكب لا يتخيّل سقوط الباص بقدر ما كان يدفعه (يستمني) للسقوط "انتهاك
الفضاء العام وإخضاع كائناته" .. كأن عجزه عن تخيّل نجاته من السقوط هو رغبة
في عدم النجاة "تلقي العقاب، والانتقام من الجسد، وتدميره لإعادة ولادة
الذات" .. كأن رؤيته لنفسه حيًا وحده مع Hitomi Tanaka خارج الباص المحطّم، وبعيدًا عن أشلاء جثث
ركابه؛ كأنه الأورجازم: الجنة الأبدية بمتعها الحسّية، أو الخلود المؤقت إلى حين
انتهاء الرعشة الجنسية واستكمال الباص لطريقه على نحو معتاد.
أراجيك ـ 9 نوفمبر 2020