بعد شهور قليلة من زواجه اكتشف أنه لن يستطيع الإنجاب إلا بعد إجراء عملية جراحية .. وبالرغم من رغبته الطبيعية في الأبوة، ومن تأكيدات الجميع بأنها جراحة بسيطة إلا أن رعبه من الموت ـ خاصة بعدما علم أنها تتطلب تخديرًا كليًا ـ دفعه لرفض إجرائها الأمر الذي أدى بعد تصاعد معركة جدالية مع زوجته إلى انفصاله عنها .. انتهى به تفكير طويل إلى اتخاذ قرار مصيري بألا يتزوج ثانية، وأن يعوّض أبوته الغائبة بالامتثال إلى الحكمة الشهيرة من فيلم lion: "لا شيء مميز في إنجاب طفلك الخاص وزيادة عدد البشر، بينما من المميز أن تنقذ حياة طفل وُلد بالفعل" .. كان يؤمن بمعناها من قبل أن يعرف كلماتها، حتى وهو في ذروة الألم من عجزه عن الإنجاب .. هكذا راح يسعى وراء الحصول على طفل وُلد بالفعل كي ينقذ حياته .. بعد فترة كبيرة وجهد شاق أصبح في بيته طفل بلا عائلة .. حصل عليه مغلفًا بالامتنان لعدم التورط في جريمة ولادته .. ظل يعتني بهذا الطفل على نحو مثالي .. كان يعرف تمامًا ما الذي ينبغي أن تكون عليه المراعاة النموذجية للأطفال، وكيف ينشأون بصورة سليمة وصحية .. في أثناء ذلك التفاني الذي لم يجرحه اختلال عابر استمر في كتابة القصص القصيرة، بينما الطفل يواصل النمو إلى أن جاءت اللحظة التي شعر فيها بمساحة صمت ثقيلة تتمدد بشكل متسارع بينهما .. كانت هذه المساحة مقترنة أيضًا بشيء من ضعف الهمّة بدأ يتنامى داخله .. خمود تدريجي مبهم لذلك الشغف الذي كان ينطوي عليه كل ما يقوم به تجاه الطفل .. أصبح ثمة حاجز غير مفهوم يمنعه من الاستمرار في تجهيز الطفل للمستقبل بالتزامن مع إدراكه بأن هذا النمو يتمادى في غفلة منه .. هذا ما جعله يستبدل رغمًا عنه المراعاة التي لم يُقصّر في أدائها بكتابة قصص أكثر عن تأملاته المتحسّرة لكل ما يطرأ على الطفل من تغيرات بعيدة عن مقاصده، ولا يقدر على تعطيلها .. القصص التي تشتمل بالتأكيد أيضًا على زوجته التي تجلس أمامه الآن في حجرة المعيشة بجوار الطفل، وبالطبع على ذلك الخط الدموي الداكن الذي لا يزال واضحًا فوق خصيتيه.